"النماص" باريس الجنوب يا أمير عسير
فهد الشهري - متابعات "النماص" باريس الجنوب يا أمير عسير .. عنوان مقالة طرحتها صحيفة "الوطن" اليوم للكاتب والمثقف عبد العزيز محمد قاسم استعرض فيها رحلته لمدينة النماص المصيف السياحي المتميز في منطقة عسير حيث قال فيها :
في معظم السنوات التي زرت فيها مدينة (أبها) البهية، كانت وسيلة سفري الطائرات، وفي المرات القليلة ـ كما حصل معي الأسبوع الفارط ـ كانت عن طريق البرّ، والسبب ما كنا نسمعه عن الحوادث المرورية الشنيعة، وسوء الطريق ورداءته، رغم إغراء الرحلة البرية، في مناظر الجبال الشاهقة، والخبرات التي يتحصل عليها المسافر.
أقنعني الأبناء الشباب برحلة عبر السيارة من (جدة) إلى (أبها)، ورغم توجسي وتردّدي إلا أنني وافقت، وانفلتنا من العروس عن طريق الساحل، الذي فاجأنا بأتربته وغبرته التي لا تنتهي، رغم ازدواجية الطريق وسعته؛ إلا أنه اختصر لنا المرور على (مكة) وزحامها في هذه الأوقات، وكذلك (الطائف) وكل المسافة منها عن طريق (بني سعد) وصولا إلى (الباحة). في منعطف (المخواة) دلفنا يساراً في طريق ممهّد ومخدوم، نتلفّت يمنة ويسرة في مدن وقرى نشاهدها لأول مرة، وفغرنا أفواهنا عجباً، بتمدّن تلك المناطق، ووصول الخدمات الأساسية لها، فلم نتوقع أبداً أن تكون بهذا الشكل المتحضّر.
عند وصولنا إلى (الباحة) بعد صعودنا عقبة (المخواة) بيسر وسهولة، بدأ السحر الحقيقي، وبتنا في عمق الأجواء الخلابة، والبرودة اللذيذة التي تلذع الإنسان وتجعله في حالة انتشاء وفرح، ونحن الذين تركنا (جدة) كأنها (حمام سونا) من رطوبتها.
وقتما وصلنا لمدينة (النماص)، وقد خططنا للمبيت فيها، بوغتنا تماماً بها، وبجمالها وطبيعتها البكر، وتقافز الأبناء يجوبون شوارعها ويرتقون مرتفعاتها، يتخللهم الغيم، يلامسونه ويملؤون صدورهم منه، غير مصدقين أبداً هذا السحر، ومن فرط جمال المكان، هتف الأبناء: إنها بحق ساحرة وفاتنة هذه (النماص)، إنها (باريس الجنوب). الغيم يعانق المدينة، ويندمجان كعاشقين في منظر آسر، والهتان لا ينقطع، يتموسق في إيقاع جنوبي خاص، لا يتلمسه سوى زوّار من أمثالنا يقفون مشدوهين بالكامل من هذا السحر أمامهم، ليسافر المرء بعيداً بعيداً عن الزمان والمكان، في حالة من النشوة لا تصدّق، دعك من أهلها وسماحتهم، فقد ألفينا شاباً جامعياً عصامياً من (بني عمرو)، أقام ما يشبه (البوفيه) أمام منزله ليبيع الشاي والقهوة، وعرف أننا زوّار من ملامحنا، وأقسم علينا أن نفطر عنده، قلت له: "والله أنا فخور بك أيها الابن؛ لروح وشرف العمل عندك. أنت نسفت ما يتشدق به رجال أعمالنا من استهتار شباب السعودية، وعدم التزامهم"، وحيّيته على جبّلة الكرم وانصرفنا.
تأسّفت على أنني لم أعرف (النماص) أبداً، وهي بهذا الجمال والفتنة، وشكرت أخي العميد عثمان البكري الذي أكدّ على زيارتي لها، رغم سفره، فيما أخذني العميد عبدالرحمن البكري في جولة بربوعها، وذهبنا لمعلم تراثي جميل، أقامه العقيد المتقاعد محمد المقرّ، الذي بنى لهذه المدينة معلماً حضارياً على حسابه الخاص. كم أكبرت الرجل وهمّته، وقتما زرت ذلك القصر الذي بناه بطريقة هندسية فريدة تدخل منه الشمس طيلة النهار، وبزوايا رياضية غاية في الإتقان وسألته: "أيّ مكتب هندسي عالمي صمّم لك هذا المتحف"، فأشار بسبّابته لرأسه، وقال: "أنا من قام بذلك، وقد زرت متاحف العالم الإسلامي". تعجّبت منه جداً، وقلت: "سامحني، فكثير من المثقفين لهم نظرة تجاهكم أيها العسكر، بأنكم "ما براسكم ثقافة" ، لكنك غيّرت نظرتي. فكيف جمعت ثلاثين ألف قطعة تراثية من مخطوطات نادرة وعملات، وصمّمت المكان ووزعته بهذا الفنّ الأندلسي والإسلامي الشرقي والأفريقي؟"، ابتسم بتواضع، وقال إنها هواية عمره، وبدأها منذ صغره، همست له وأنا أغادر: "حرام أن يضيع مشروع عمرك هذا، ويتبدّد بعد رحيلك، مأسسها كي لا تضيع، فقد علمنا تأريخنا بأنّ معظم هذه الجهود الفردية، تشحب وتموت وتذهب أيدي سبأ، ولا يهتم بها الأبناء".
في سطوري هنا أوجّه نداء من مواطن زائر لهذه المدينة الساحرة إلى أمير عسير الشاب، فيصل بن خالد، بجعل هذه (النماص) توازي (أبها) سياحياً، وهي تستحق ذلك بجدارة، وإن ركّز سمو الأمير خالد الفيصل على (أبها) في الأزمنة الماضية، وجعل منها قبلة للسياح في المملكة والخليج؛ إلا أنها اليوم تكتظ بشكل مزعج لمن ينشد الهدوء والجمال الفطري، فضلاً عن الغلاء الذي يضرب بأطنابه، وآن الأوان فعلاً لتسجل لك بصمة، بجعل مدينة الغيم والمطر هذه قبلة سياحية جديدة، تخفف عن (أبها) زحام الصيف، وتنعش المنطقة اقتصادياً، وتتيح للسياح منطقة خلابة جديدة، بل أقترح بأن ترسل الوفود الرسمية التي تأتي (أبها) في رحلة يوم كامل لـ(النماص)، للتعريف بها وزيارة المتحف ومعالم المدينة الأروع.
من الضروري المطالبة ببناء مطار داخلي في (النماص)، للتخفيف عن (أبها) من جهة، ولدعم السياحة من جهة أخرى، وتوجيه نداء لرجال الأعمال السعوديين في الاستثمار في المدينة، عبر تقديم تسهيلات كبيرة ومحفّزة لهم، فوجود البنى التحتية للسياحة من فنادق ومطاعم وخدمات وحدائق، تجعل منها قبلة سياحة جديدة.
(النماص) مدينة تستحق أن توليها يا سمو الأمير اهتمامك، وأن تضع اسمك فيها، وتحسب في سجلك، ولو تمّ التخطيط لذلك، أثق أنه في خلال (7 إلى10) سنوات سترتقي وتوازي (أبها).
وقتما غادرنا (النماص)، بعد أن احتدم الجدل بين أبنائي ومطالباتهم بالبقاء فيها؛ إذا نحن بطريق مزدوج جميل، مررنا فيه بمدن صغيرة ساحرة، مما اضطرنا للتوقف كل ساعة، للتفرج على جمال منظر معانقة الغيم للجبل، وتخلله بيننا، وعدم استطاعتنا السير مما يحيط بنا من ضباب، في درجة حرارة بلغت الـ15 درجة مئوية.
وصلنا إلى (أبها) البهية، ورغم جمالها وروعة (سودتها)، إلا أن كل الأبناء أجمعوا على جمال (النماص) على الإطلاق، ربما لطبيعتها البكر، فأخذتهم إلى (سراة عبيدة)، ربما يخفف من غلوهم في حبّ تلك الفاتنة، وتلك قصة أخرى في عاصمة (قحطان) الكرم..
عند عودتنا إلى جدة، وحالما استقبلت زوجتي أبناءها، فاجأ ابني أسيد الذي يدرس بجامعة (الملك فهد) والدته من فوره: "أريد أن أتزوج من (النماص).. كي آتيها كل عام".. شدهت، وقلت: يا للشباب!
في معظم السنوات التي زرت فيها مدينة (أبها) البهية، كانت وسيلة سفري الطائرات، وفي المرات القليلة ـ كما حصل معي الأسبوع الفارط ـ كانت عن طريق البرّ، والسبب ما كنا نسمعه عن الحوادث المرورية الشنيعة، وسوء الطريق ورداءته، رغم إغراء الرحلة البرية، في مناظر الجبال الشاهقة، والخبرات التي يتحصل عليها المسافر.
أقنعني الأبناء الشباب برحلة عبر السيارة من (جدة) إلى (أبها)، ورغم توجسي وتردّدي إلا أنني وافقت، وانفلتنا من العروس عن طريق الساحل، الذي فاجأنا بأتربته وغبرته التي لا تنتهي، رغم ازدواجية الطريق وسعته؛ إلا أنه اختصر لنا المرور على (مكة) وزحامها في هذه الأوقات، وكذلك (الطائف) وكل المسافة منها عن طريق (بني سعد) وصولا إلى (الباحة). في منعطف (المخواة) دلفنا يساراً في طريق ممهّد ومخدوم، نتلفّت يمنة ويسرة في مدن وقرى نشاهدها لأول مرة، وفغرنا أفواهنا عجباً، بتمدّن تلك المناطق، ووصول الخدمات الأساسية لها، فلم نتوقع أبداً أن تكون بهذا الشكل المتحضّر.
عند وصولنا إلى (الباحة) بعد صعودنا عقبة (المخواة) بيسر وسهولة، بدأ السحر الحقيقي، وبتنا في عمق الأجواء الخلابة، والبرودة اللذيذة التي تلذع الإنسان وتجعله في حالة انتشاء وفرح، ونحن الذين تركنا (جدة) كأنها (حمام سونا) من رطوبتها.
وقتما وصلنا لمدينة (النماص)، وقد خططنا للمبيت فيها، بوغتنا تماماً بها، وبجمالها وطبيعتها البكر، وتقافز الأبناء يجوبون شوارعها ويرتقون مرتفعاتها، يتخللهم الغيم، يلامسونه ويملؤون صدورهم منه، غير مصدقين أبداً هذا السحر، ومن فرط جمال المكان، هتف الأبناء: إنها بحق ساحرة وفاتنة هذه (النماص)، إنها (باريس الجنوب). الغيم يعانق المدينة، ويندمجان كعاشقين في منظر آسر، والهتان لا ينقطع، يتموسق في إيقاع جنوبي خاص، لا يتلمسه سوى زوّار من أمثالنا يقفون مشدوهين بالكامل من هذا السحر أمامهم، ليسافر المرء بعيداً بعيداً عن الزمان والمكان، في حالة من النشوة لا تصدّق، دعك من أهلها وسماحتهم، فقد ألفينا شاباً جامعياً عصامياً من (بني عمرو)، أقام ما يشبه (البوفيه) أمام منزله ليبيع الشاي والقهوة، وعرف أننا زوّار من ملامحنا، وأقسم علينا أن نفطر عنده، قلت له: "والله أنا فخور بك أيها الابن؛ لروح وشرف العمل عندك. أنت نسفت ما يتشدق به رجال أعمالنا من استهتار شباب السعودية، وعدم التزامهم"، وحيّيته على جبّلة الكرم وانصرفنا.
تأسّفت على أنني لم أعرف (النماص) أبداً، وهي بهذا الجمال والفتنة، وشكرت أخي العميد عثمان البكري الذي أكدّ على زيارتي لها، رغم سفره، فيما أخذني العميد عبدالرحمن البكري في جولة بربوعها، وذهبنا لمعلم تراثي جميل، أقامه العقيد المتقاعد محمد المقرّ، الذي بنى لهذه المدينة معلماً حضارياً على حسابه الخاص. كم أكبرت الرجل وهمّته، وقتما زرت ذلك القصر الذي بناه بطريقة هندسية فريدة تدخل منه الشمس طيلة النهار، وبزوايا رياضية غاية في الإتقان وسألته: "أيّ مكتب هندسي عالمي صمّم لك هذا المتحف"، فأشار بسبّابته لرأسه، وقال: "أنا من قام بذلك، وقد زرت متاحف العالم الإسلامي". تعجّبت منه جداً، وقلت: "سامحني، فكثير من المثقفين لهم نظرة تجاهكم أيها العسكر، بأنكم "ما براسكم ثقافة" ، لكنك غيّرت نظرتي. فكيف جمعت ثلاثين ألف قطعة تراثية من مخطوطات نادرة وعملات، وصمّمت المكان ووزعته بهذا الفنّ الأندلسي والإسلامي الشرقي والأفريقي؟"، ابتسم بتواضع، وقال إنها هواية عمره، وبدأها منذ صغره، همست له وأنا أغادر: "حرام أن يضيع مشروع عمرك هذا، ويتبدّد بعد رحيلك، مأسسها كي لا تضيع، فقد علمنا تأريخنا بأنّ معظم هذه الجهود الفردية، تشحب وتموت وتذهب أيدي سبأ، ولا يهتم بها الأبناء".
في سطوري هنا أوجّه نداء من مواطن زائر لهذه المدينة الساحرة إلى أمير عسير الشاب، فيصل بن خالد، بجعل هذه (النماص) توازي (أبها) سياحياً، وهي تستحق ذلك بجدارة، وإن ركّز سمو الأمير خالد الفيصل على (أبها) في الأزمنة الماضية، وجعل منها قبلة للسياح في المملكة والخليج؛ إلا أنها اليوم تكتظ بشكل مزعج لمن ينشد الهدوء والجمال الفطري، فضلاً عن الغلاء الذي يضرب بأطنابه، وآن الأوان فعلاً لتسجل لك بصمة، بجعل مدينة الغيم والمطر هذه قبلة سياحية جديدة، تخفف عن (أبها) زحام الصيف، وتنعش المنطقة اقتصادياً، وتتيح للسياح منطقة خلابة جديدة، بل أقترح بأن ترسل الوفود الرسمية التي تأتي (أبها) في رحلة يوم كامل لـ(النماص)، للتعريف بها وزيارة المتحف ومعالم المدينة الأروع.
من الضروري المطالبة ببناء مطار داخلي في (النماص)، للتخفيف عن (أبها) من جهة، ولدعم السياحة من جهة أخرى، وتوجيه نداء لرجال الأعمال السعوديين في الاستثمار في المدينة، عبر تقديم تسهيلات كبيرة ومحفّزة لهم، فوجود البنى التحتية للسياحة من فنادق ومطاعم وخدمات وحدائق، تجعل منها قبلة سياحة جديدة.
(النماص) مدينة تستحق أن توليها يا سمو الأمير اهتمامك، وأن تضع اسمك فيها، وتحسب في سجلك، ولو تمّ التخطيط لذلك، أثق أنه في خلال (7 إلى10) سنوات سترتقي وتوازي (أبها).
وقتما غادرنا (النماص)، بعد أن احتدم الجدل بين أبنائي ومطالباتهم بالبقاء فيها؛ إذا نحن بطريق مزدوج جميل، مررنا فيه بمدن صغيرة ساحرة، مما اضطرنا للتوقف كل ساعة، للتفرج على جمال منظر معانقة الغيم للجبل، وتخلله بيننا، وعدم استطاعتنا السير مما يحيط بنا من ضباب، في درجة حرارة بلغت الـ15 درجة مئوية.
وصلنا إلى (أبها) البهية، ورغم جمالها وروعة (سودتها)، إلا أن كل الأبناء أجمعوا على جمال (النماص) على الإطلاق، ربما لطبيعتها البكر، فأخذتهم إلى (سراة عبيدة)، ربما يخفف من غلوهم في حبّ تلك الفاتنة، وتلك قصة أخرى في عاصمة (قحطان) الكرم..
عند عودتنا إلى جدة، وحالما استقبلت زوجتي أبناءها، فاجأ ابني أسيد الذي يدرس بجامعة (الملك فهد) والدته من فوره: "أريد أن أتزوج من (النماص).. كي آتيها كل عام".. شدهت، وقلت: يا للشباب!