النقش العسيري فن يحاكي الزمان ويناجي المكان
يُعد غاية في الإبداع والجمال والإمتاع
أبها - عبدالله مريع
يعد فن النقش للمنزل العسيري قديما فنا غاية في الإبداع والجمال والإمتاع، حيث تتداخل فيه الألوان الطبعيه بشكل لافت وأخاذ، تعطي انطباعا مدهشا لمن يجلس بالمكان وتضفي راحة نفسية كبيرة لأنه يقف ويحاكي لوحة من الفن الجميل ومما يثير الدهشة أيضا أن هذه الإبداعات الفنية الجداريه المنزلية تنقش وترسم بأنامل نسائية ذهبية مبدعة وهذا الفن الراقي اشتهرت به بعض النساء العسيريات قديما:
حول هذا الفن الراقي الذي يحاكي الطبيعة ويناجي الإنسان ويحاكي المكان كان للرياض هذه الوقفة مع هذا الفن الجميل ومع رجل اهتم بالفنون العمرانية في منطقة عسير وهو الأستاذ الأديب والمؤرخ والباحث في الموروث الشعبي علي مغاوي حيث تحدث عن هذا الفن فقال: ولد من ثنايا أساطير ذائقة دهشة الرمز وبراءة الطلاء، في ملامح الزينة التي لا تشبه الفنون لأن الألوان فيه، حالة بين بياض القلوب وتعاريج الأودية وتضاريس الشِّعاب، وخطوطها تشبه ما بين فرح الزهور وروح صمود أصباغ التربة في أحشاء الجبل، ولذا كانت خيارات البَتَرَةِ، والمحاريب، والبنات، والأرياش، والتقطيع العمري، خطوطٌ تنز من ثنايا واجبات الأنوثة والخصب، قبل ولادة أجناس الفنون، وقبل اكتشاف ريشة العصر. وهو حالة فنية تشكيلية أكثر تلقائية وحرية، لكنه لا يعتمد واقعية التصوير، ولا يعكس بأي صورة الواقع كما نلمسه، وكأنه يقترب مما يعرف بالتكعيبية.
والمعروف «والفن التجريدي يعبر عن جانب من الواقع الروحاني الصوفي أو ما يسمى بالحدسيات الفطرية الفنية الصادقة، ومما يميز الفن التجريدي هدمه للصور الفنية هدما كاملا، بالإفراط في تشويه الأشكال الواقعية وبتحويل الصورة إلى فوضى البقع الخالية من المعنى، والخطوط والنقط والأسطح والأشكال ذات الأبعاد الثلاثة.
التجريد بصفة عامة:
هو كل فن لا تتمثل فيه أشكال من العالم المادي، وأن الشكل واللون لهما دور، وأن الصفات الجمالية أو الديناميكية منفصلة عن القيم التمثيلية، وفي بعض ضروب الفن التجريدي كالتكعيبية مثلاً نجد أن الموضوع في اللوحة يمكن تفكيك رموزه بينما في بعض آخر منها تمثل المادة أو المنحوتة عالماً متماسكاً من الأشكال التي تبدو هندسية أو عضوية التي تشكل معاً موضوعاً فنيا لا علاقة له بالتجربة العيانية الملموسة «وهو بهذا متجاوز للواقعية، برمزه من جهة وبدلالاته من جانب آخر».
قراءات حول النقش ودلالاته:
روى لي معظم كبار السن في القرية أنهم لا يعرفون كلمة « قَطّ» إلا في السراة، وأنها غير مستخدمة في تهامة، وهم يعرفون هذا الفن بالنقش أو الزَّيان، ولم نعرف تاريخ بدايات النقش في رجال ألمع وهو ما يمكن الاصطلاح عليه بالزخرفة المحلية، وأيضاً لم يمكن أن نستدل على حقائق دلالاته الفنية إلاّ بالمشافهة من كبيرات السن والمشتغلات به فناً ومهنة، وإن كُنَّ مصدرا موثوقا بممارسته وما نقلنه عن أوائلهن، ذلك أن المكتوب عنه توصيفاً وشرحاً معدوم حتى الآن على الأقل، وما عرفناه منه بقديمه القريب من أعمال: بنت بريدي، وشريفة بنت أحمد، وفاطمة علي أبو قحاص، وحديثه الماثل من أعمال الكثيرات غير الشهيرات في هذا الفن، يؤكد أن هذا الفن إنما اعتمد التعبير عن معطيات الحياة البيئية المحيطة طبيعية كانت أو بشرية، برموزها الدَّالة على تفاصيل الحياة الكثيرة، إلاَّ أن مستقرئ هذا الفن يكتشف أن لا وجود للإنسان ولا المخلوقات الحية كصورة واقعية ضمن أعمال النقش قديماً، ولا يعتمد تصوير الأحياء ولو رمزاً، ربما كان ذلك لأسباب دينية، بينما أمكن التعبير فيه عن وصف الطبيعة رمزا فقط، ولهذا فإن القائلين بأصوله الهندية والأفريقية لم يصيبوا في إحالة أصوله إلى تلك البلاد، وإن كان التآثر بين الحضارات لا تشكيك في أهميته، رغم وجود أشباه لهذا الفن في إفريقيا والهند، ورغم جرأة الفرنسي «تيري ميجور» على القول: ولا علاقة لهذا الفن بأسلوب الفن الإسلامي، وربما قصد ما يعرفه هو مما اصطلح على تسميته بالفن الإسلامي سواء ما كان في العراق وفارس من الأقواس والأشكال الفنية أو ما جاء به الرومان وخلفوه في بلاد الشام، أما هذا الجزء من الجزيرة العربية، فقد تجاهل «تيري ميجور» وجود فن فيها يحق للمكان وللإنسان العربي هنا أن يحمله عربياً أو إسلامياً، ومن هنا فإن من يزعم أصوله الخارجية فإنه يذهب إلى افتراض بحثي نتمنى أن يفيدنا بنتائجه العلمية، وعليه أن يفترض انتقاله بالتآثر إلى تلك البلاد منقولا من هنا من الجزيرة العربية، وما وجد من الآثار العربية في إندو نيسيا وأغلب بلاد الهند من الأثر العربي دليل على انتقال كثير من حضارة هذا الجزء إلى تلك البلاد.
مفرادات النقش:
البَنَاهْ (البنات): طابع فني يرمز إلى الأنثى يأتي غالباً في أعلى القط سواء كان ذلك في البترة أو الجدار في الختام أو الحِظية، وقد رُمِز إليه فنيا بما يشبه الشجرة المستندة إلى قاعدة مثلثة وترها أفقي ورأسها إلى الأعلى وكأنها أيضا ترمز إلى الجبال المتراصة تختلفت في ألوانها ربما تبعا لتعدد قنوات الخصب الحياتي في المرأة الحياة والجبال دفق المياه والخير بالأمطار والسيول، واصطفاف البنات في أعلى الحظية، حيث أبلغني أن بحثه لم يطبع بعد.
الأرياش: تأتي على شكل نباتات بين البنات ربما يعكس العلاقة بين الأنثى والنبات كمقومات للخصب.
المحاريب (البناة): ترمز إلى المحراب، وهذا باب في تمثُّل الناحية الدينية وحضورها ضمن اهتمامات الناقشات، ولكن هذه المحاريب جاءت في النقش على شكل يشبه تتالي أمواج البحر وكأن العلاقة بين المحاريب التي يتتابع الناس في الاتجاه إليها لأداء الصلاة بشكل دائم يماثل تتالي أمواج البحر التي ما كان لها بقدرة الله أن تنقطع، وقد أوحت لي بهذا الاستطراد الوالدة: فاطمة أبو قحاص.
الركون: وهي أشكال مثلثة كبيرة متجاورة تختلف في شكلها وقد تحوي أشكالاً مختلفة من تصاميم النقش . البلسنة: تأتي في الحظية وفي الختام وتُحَلَّى بما يسمونه [النَّقْطْ] وهي قوالب معيَّنة الشكل متماشية مع امتداد الحظية بما تحويه من أشكالها المختلفة، وتأتي البلسنة دوائر صغيرة ومنقوطة أيضاً. الأمشاط: وهي خطوط متوازية تتجه للأعلى أو إلى الأسفل في نهاية الحظية، كأنها أسنان المشط.
التعذيق: في نهاية البناة ينتهي رأس المثلث بثلاث نقاط تشبه عذوق الذرة، وإن كانت فاطمة علي أبو قحاص لم تؤكد هذه التسمية، ولعل هذا يغلب على نقش المرحومة: شريفة بنت أحمد، ومن سبقها وقد رأيته في منزل السيد محمد مشني في الشعبين، ومنزل محمد إبراهيم مطاعن في أبها، ومنزل يحي بن عبدالشبلي في مناظر في قرية رجال، والعلاقة بين نقش شريفة بنت أحمد، ونقش الرائدة: فاطمة امزهرية كبيرة جداً يظهر التآثر بينهما في أسس النقش إلا أن التنقيط أكثر عند شريفة بنت أحمد.
سنكر ولي: وهو شكل لمحاريب متجاورة متوازية ولكنه يأتي في اتجاه اليمين غالباً، وقد سمته لي رسماً بالقلم، وتعريفاً، الوالدة فاطمة علي أبو قحاص في غرفة منقوشة في منزل ابنها: محمد الأهدلي علي الزهر.
المثالث والمخامس: وهي ثلاثة خطوط أو خمسة متوازية تأتي في أسفل النقش كفاتحة له، وقد تأتي منفردة في بيوت الدرج أو الرَّدَمْ.
الكَفْ: وهي خطوط متوازية مختلفة الألوان في أسفل جدار الغرفة وفي أروقة السلالم.
الشَّبكة: وهي معينات أو مربعات هندسية متداخلة تأخذ لونا موحدا ويندر أن تتعدد الألوان فيها، ويكمن الإبداع في الختام حيث هناك الابتكار والدلالة على الذائقة الفنية والتجديد.
النقش الرئيس أربعة أنواع:
- الختام: وسمكها في الجدار بين الثلاثين والأربعين (سم) تحفها الحظية من الأسفل دائما، وتعلوها البناة والأمشاط غالبا، وتزينها الركون المثلثة الشكل في أركان البيت، ويحتاج الجدار الطويل إلى ابتكار فني يتوسط الجدار على شكل دائري أو مربع، والختام تسمية لأشكال مربعة كأنها اشتقاق من ختمة وهي تسمية مصحف في بعض الأماكن، وتنقش مربعات الختام بأشكال ودلالات مختلفة تغلب عليها الأرياش المحاريب و(البلسنة) وهي معينات تحيطها أو تتوسطها النقط (التنقيط) الذي لا يخلو النقش منه، والخطوط الأفقية (المثالث والمخامس) ثلاثة خطوط أو خمسة متوازية، ألوانها مختلفة يعلوها النقش وقد يكتفى بها في بعض المنازل وهي أغلب في سحبات الدرج والردمه والرفايد وفي أسفل بعض البترات، ويستبدل بأشكال معينة منقوطة أحياناً.
- الحِظْيَة: نقش إلى طول الجدار سماكته أقل بكثير من الختام ويستخدم في المجالس الداخلية - مجالس النساء.
- البَتَرَة: وهي الجامعة لكل أنواع النقش وتخصها الفنانة بعناية فائقة فهي في واجهة المجالس ومحط الأنظار، وتظهر براعة الفنانة في حرية ابتكار المفردات الفنية في البترة.
التقطيع العمري:
خطوط رأسية متوازية ومتقاربة تمثل قاعدة ينطلق منها خيال الفنانة إلى الختام أو الحظية، على أنه يمكن اجتماع كل هذه الأنواع في جدار أو في بترة، واحدة، ومن المهم أن نذكر تكرار ما يشابه أو يقترب من هذا النقش في نحت الرجال للأبواب والشبابيك والمعادل، وقوائم السرر الخشبية (القعايد) وكذلك الردوم وعوابر الأبواب (واجهاتها من الأعلى) والسُّطُعْ، كما يستخدم أيضا في بناء الحجر وزينتها بتلك المحاريب من حجر رقيق يشبه الكَحْلْ فوق الشبابيك والأبواب، وكذلك في المَرْوْ (الصخر ناصع البياض وهو الكوارتز المعروف علميا) الذي يزين القلاع والحصون وما فوق الشبابيك والأبواب، والسقوف تطلى بالحُمْرَة ويقال هُنا: السقف منشوخ، أي أنه مدهون بالحمرة (اللون الأحمر)، ومؤخراً أصبحت النقاشات يتناولن السقوف بالألوان بدلا عن النَّشْخ بالحمرة كما كان في زمن قديم. وقد عملت الأخوات المشتغلات حاليا على تطوير فكرة النقش على الأثاث المنزلي واللوحات الفنية والتحف جامعة لتفاصيل النقش ومفرداته الفنية كنوع من تسليع هذا الفن العريق ويعتبرن أنفسهن متتلمذات على أعمال السيدة فاطمة علي أبو قحاص عافاها الله، وهن فاطمة فايه وفوزية بارزيق وشريفة آل مهدي وزهرة فايع وغيرهن من خريجات الدورات التدريبية اللاتي تدربن من قبل هؤلاء المشتغلات، وزائري عسير يقتنين من أعمالهن وخاصة الزوار القادمين من الخارج.
المواد المستخدمة:
اللون الأسود: مزيج من (فحم مَوْقِدْ) يضاف إليه صمغ أسود. للون الأحمر: حُسْن + مُرْ + رز مقلي ومسحوق بعناية، ودور الرز المقلي تخفيف حدة لون الحسن وزياد كميته. اللون الأزرق والأخضر: طلح أبيض + زرنيخ أخضر أو أزرق.
يعد فن النقش للمنزل العسيري قديما فنا غاية في الإبداع والجمال والإمتاع، حيث تتداخل فيه الألوان الطبعيه بشكل لافت وأخاذ، تعطي انطباعا مدهشا لمن يجلس بالمكان وتضفي راحة نفسية كبيرة لأنه يقف ويحاكي لوحة من الفن الجميل ومما يثير الدهشة أيضا أن هذه الإبداعات الفنية الجداريه المنزلية تنقش وترسم بأنامل نسائية ذهبية مبدعة وهذا الفن الراقي اشتهرت به بعض النساء العسيريات قديما:
حول هذا الفن الراقي الذي يحاكي الطبيعة ويناجي الإنسان ويحاكي المكان كان للرياض هذه الوقفة مع هذا الفن الجميل ومع رجل اهتم بالفنون العمرانية في منطقة عسير وهو الأستاذ الأديب والمؤرخ والباحث في الموروث الشعبي علي مغاوي حيث تحدث عن هذا الفن فقال: ولد من ثنايا أساطير ذائقة دهشة الرمز وبراءة الطلاء، في ملامح الزينة التي لا تشبه الفنون لأن الألوان فيه، حالة بين بياض القلوب وتعاريج الأودية وتضاريس الشِّعاب، وخطوطها تشبه ما بين فرح الزهور وروح صمود أصباغ التربة في أحشاء الجبل، ولذا كانت خيارات البَتَرَةِ، والمحاريب، والبنات، والأرياش، والتقطيع العمري، خطوطٌ تنز من ثنايا واجبات الأنوثة والخصب، قبل ولادة أجناس الفنون، وقبل اكتشاف ريشة العصر. وهو حالة فنية تشكيلية أكثر تلقائية وحرية، لكنه لا يعتمد واقعية التصوير، ولا يعكس بأي صورة الواقع كما نلمسه، وكأنه يقترب مما يعرف بالتكعيبية.
والمعروف «والفن التجريدي يعبر عن جانب من الواقع الروحاني الصوفي أو ما يسمى بالحدسيات الفطرية الفنية الصادقة، ومما يميز الفن التجريدي هدمه للصور الفنية هدما كاملا، بالإفراط في تشويه الأشكال الواقعية وبتحويل الصورة إلى فوضى البقع الخالية من المعنى، والخطوط والنقط والأسطح والأشكال ذات الأبعاد الثلاثة.
التجريد بصفة عامة:
هو كل فن لا تتمثل فيه أشكال من العالم المادي، وأن الشكل واللون لهما دور، وأن الصفات الجمالية أو الديناميكية منفصلة عن القيم التمثيلية، وفي بعض ضروب الفن التجريدي كالتكعيبية مثلاً نجد أن الموضوع في اللوحة يمكن تفكيك رموزه بينما في بعض آخر منها تمثل المادة أو المنحوتة عالماً متماسكاً من الأشكال التي تبدو هندسية أو عضوية التي تشكل معاً موضوعاً فنيا لا علاقة له بالتجربة العيانية الملموسة «وهو بهذا متجاوز للواقعية، برمزه من جهة وبدلالاته من جانب آخر».
قراءات حول النقش ودلالاته:
روى لي معظم كبار السن في القرية أنهم لا يعرفون كلمة « قَطّ» إلا في السراة، وأنها غير مستخدمة في تهامة، وهم يعرفون هذا الفن بالنقش أو الزَّيان، ولم نعرف تاريخ بدايات النقش في رجال ألمع وهو ما يمكن الاصطلاح عليه بالزخرفة المحلية، وأيضاً لم يمكن أن نستدل على حقائق دلالاته الفنية إلاّ بالمشافهة من كبيرات السن والمشتغلات به فناً ومهنة، وإن كُنَّ مصدرا موثوقا بممارسته وما نقلنه عن أوائلهن، ذلك أن المكتوب عنه توصيفاً وشرحاً معدوم حتى الآن على الأقل، وما عرفناه منه بقديمه القريب من أعمال: بنت بريدي، وشريفة بنت أحمد، وفاطمة علي أبو قحاص، وحديثه الماثل من أعمال الكثيرات غير الشهيرات في هذا الفن، يؤكد أن هذا الفن إنما اعتمد التعبير عن معطيات الحياة البيئية المحيطة طبيعية كانت أو بشرية، برموزها الدَّالة على تفاصيل الحياة الكثيرة، إلاَّ أن مستقرئ هذا الفن يكتشف أن لا وجود للإنسان ولا المخلوقات الحية كصورة واقعية ضمن أعمال النقش قديماً، ولا يعتمد تصوير الأحياء ولو رمزاً، ربما كان ذلك لأسباب دينية، بينما أمكن التعبير فيه عن وصف الطبيعة رمزا فقط، ولهذا فإن القائلين بأصوله الهندية والأفريقية لم يصيبوا في إحالة أصوله إلى تلك البلاد، وإن كان التآثر بين الحضارات لا تشكيك في أهميته، رغم وجود أشباه لهذا الفن في إفريقيا والهند، ورغم جرأة الفرنسي «تيري ميجور» على القول: ولا علاقة لهذا الفن بأسلوب الفن الإسلامي، وربما قصد ما يعرفه هو مما اصطلح على تسميته بالفن الإسلامي سواء ما كان في العراق وفارس من الأقواس والأشكال الفنية أو ما جاء به الرومان وخلفوه في بلاد الشام، أما هذا الجزء من الجزيرة العربية، فقد تجاهل «تيري ميجور» وجود فن فيها يحق للمكان وللإنسان العربي هنا أن يحمله عربياً أو إسلامياً، ومن هنا فإن من يزعم أصوله الخارجية فإنه يذهب إلى افتراض بحثي نتمنى أن يفيدنا بنتائجه العلمية، وعليه أن يفترض انتقاله بالتآثر إلى تلك البلاد منقولا من هنا من الجزيرة العربية، وما وجد من الآثار العربية في إندو نيسيا وأغلب بلاد الهند من الأثر العربي دليل على انتقال كثير من حضارة هذا الجزء إلى تلك البلاد.
مفرادات النقش:
البَنَاهْ (البنات): طابع فني يرمز إلى الأنثى يأتي غالباً في أعلى القط سواء كان ذلك في البترة أو الجدار في الختام أو الحِظية، وقد رُمِز إليه فنيا بما يشبه الشجرة المستندة إلى قاعدة مثلثة وترها أفقي ورأسها إلى الأعلى وكأنها أيضا ترمز إلى الجبال المتراصة تختلفت في ألوانها ربما تبعا لتعدد قنوات الخصب الحياتي في المرأة الحياة والجبال دفق المياه والخير بالأمطار والسيول، واصطفاف البنات في أعلى الحظية، حيث أبلغني أن بحثه لم يطبع بعد.
الأرياش: تأتي على شكل نباتات بين البنات ربما يعكس العلاقة بين الأنثى والنبات كمقومات للخصب.
المحاريب (البناة): ترمز إلى المحراب، وهذا باب في تمثُّل الناحية الدينية وحضورها ضمن اهتمامات الناقشات، ولكن هذه المحاريب جاءت في النقش على شكل يشبه تتالي أمواج البحر وكأن العلاقة بين المحاريب التي يتتابع الناس في الاتجاه إليها لأداء الصلاة بشكل دائم يماثل تتالي أمواج البحر التي ما كان لها بقدرة الله أن تنقطع، وقد أوحت لي بهذا الاستطراد الوالدة: فاطمة أبو قحاص.
الركون: وهي أشكال مثلثة كبيرة متجاورة تختلف في شكلها وقد تحوي أشكالاً مختلفة من تصاميم النقش . البلسنة: تأتي في الحظية وفي الختام وتُحَلَّى بما يسمونه [النَّقْطْ] وهي قوالب معيَّنة الشكل متماشية مع امتداد الحظية بما تحويه من أشكالها المختلفة، وتأتي البلسنة دوائر صغيرة ومنقوطة أيضاً. الأمشاط: وهي خطوط متوازية تتجه للأعلى أو إلى الأسفل في نهاية الحظية، كأنها أسنان المشط.
التعذيق: في نهاية البناة ينتهي رأس المثلث بثلاث نقاط تشبه عذوق الذرة، وإن كانت فاطمة علي أبو قحاص لم تؤكد هذه التسمية، ولعل هذا يغلب على نقش المرحومة: شريفة بنت أحمد، ومن سبقها وقد رأيته في منزل السيد محمد مشني في الشعبين، ومنزل محمد إبراهيم مطاعن في أبها، ومنزل يحي بن عبدالشبلي في مناظر في قرية رجال، والعلاقة بين نقش شريفة بنت أحمد، ونقش الرائدة: فاطمة امزهرية كبيرة جداً يظهر التآثر بينهما في أسس النقش إلا أن التنقيط أكثر عند شريفة بنت أحمد.
سنكر ولي: وهو شكل لمحاريب متجاورة متوازية ولكنه يأتي في اتجاه اليمين غالباً، وقد سمته لي رسماً بالقلم، وتعريفاً، الوالدة فاطمة علي أبو قحاص في غرفة منقوشة في منزل ابنها: محمد الأهدلي علي الزهر.
المثالث والمخامس: وهي ثلاثة خطوط أو خمسة متوازية تأتي في أسفل النقش كفاتحة له، وقد تأتي منفردة في بيوت الدرج أو الرَّدَمْ.
الكَفْ: وهي خطوط متوازية مختلفة الألوان في أسفل جدار الغرفة وفي أروقة السلالم.
الشَّبكة: وهي معينات أو مربعات هندسية متداخلة تأخذ لونا موحدا ويندر أن تتعدد الألوان فيها، ويكمن الإبداع في الختام حيث هناك الابتكار والدلالة على الذائقة الفنية والتجديد.
النقش الرئيس أربعة أنواع:
- الختام: وسمكها في الجدار بين الثلاثين والأربعين (سم) تحفها الحظية من الأسفل دائما، وتعلوها البناة والأمشاط غالبا، وتزينها الركون المثلثة الشكل في أركان البيت، ويحتاج الجدار الطويل إلى ابتكار فني يتوسط الجدار على شكل دائري أو مربع، والختام تسمية لأشكال مربعة كأنها اشتقاق من ختمة وهي تسمية مصحف في بعض الأماكن، وتنقش مربعات الختام بأشكال ودلالات مختلفة تغلب عليها الأرياش المحاريب و(البلسنة) وهي معينات تحيطها أو تتوسطها النقط (التنقيط) الذي لا يخلو النقش منه، والخطوط الأفقية (المثالث والمخامس) ثلاثة خطوط أو خمسة متوازية، ألوانها مختلفة يعلوها النقش وقد يكتفى بها في بعض المنازل وهي أغلب في سحبات الدرج والردمه والرفايد وفي أسفل بعض البترات، ويستبدل بأشكال معينة منقوطة أحياناً.
- الحِظْيَة: نقش إلى طول الجدار سماكته أقل بكثير من الختام ويستخدم في المجالس الداخلية - مجالس النساء.
- البَتَرَة: وهي الجامعة لكل أنواع النقش وتخصها الفنانة بعناية فائقة فهي في واجهة المجالس ومحط الأنظار، وتظهر براعة الفنانة في حرية ابتكار المفردات الفنية في البترة.
التقطيع العمري:
خطوط رأسية متوازية ومتقاربة تمثل قاعدة ينطلق منها خيال الفنانة إلى الختام أو الحظية، على أنه يمكن اجتماع كل هذه الأنواع في جدار أو في بترة، واحدة، ومن المهم أن نذكر تكرار ما يشابه أو يقترب من هذا النقش في نحت الرجال للأبواب والشبابيك والمعادل، وقوائم السرر الخشبية (القعايد) وكذلك الردوم وعوابر الأبواب (واجهاتها من الأعلى) والسُّطُعْ، كما يستخدم أيضا في بناء الحجر وزينتها بتلك المحاريب من حجر رقيق يشبه الكَحْلْ فوق الشبابيك والأبواب، وكذلك في المَرْوْ (الصخر ناصع البياض وهو الكوارتز المعروف علميا) الذي يزين القلاع والحصون وما فوق الشبابيك والأبواب، والسقوف تطلى بالحُمْرَة ويقال هُنا: السقف منشوخ، أي أنه مدهون بالحمرة (اللون الأحمر)، ومؤخراً أصبحت النقاشات يتناولن السقوف بالألوان بدلا عن النَّشْخ بالحمرة كما كان في زمن قديم. وقد عملت الأخوات المشتغلات حاليا على تطوير فكرة النقش على الأثاث المنزلي واللوحات الفنية والتحف جامعة لتفاصيل النقش ومفرداته الفنية كنوع من تسليع هذا الفن العريق ويعتبرن أنفسهن متتلمذات على أعمال السيدة فاطمة علي أبو قحاص عافاها الله، وهن فاطمة فايه وفوزية بارزيق وشريفة آل مهدي وزهرة فايع وغيرهن من خريجات الدورات التدريبية اللاتي تدربن من قبل هؤلاء المشتغلات، وزائري عسير يقتنين من أعمالهن وخاصة الزوار القادمين من الخارج.
المواد المستخدمة:
اللون الأسود: مزيج من (فحم مَوْقِدْ) يضاف إليه صمغ أسود. للون الأحمر: حُسْن + مُرْ + رز مقلي ومسحوق بعناية، ودور الرز المقلي تخفيف حدة لون الحسن وزياد كميته. اللون الأزرق والأخضر: طلح أبيض + زرنيخ أخضر أو أزرق.