الأسواق الشعبية في منطقة الباحة
الأسواق الشعبية في منطقة الباحة
الباحة 04شعبان 1430هـ - واس
نشأت الأسواق الشعبية في منطقة الباحة شأنها في ذلك شأن مختلف الأسواق الشعبية في المملكة وفي ظل نظام قبلي تحرص فيه كل قبيلة على إنشاء سوق على بقعة من أراضيها .
وقد تعددت الأسواق في المنطقة في مختلف قطاعاتها بالسراة وتهامة والبادية حيث بلغ عددها أكثر من عشرين سوقا توزعت في مختلف أيام الأسبوع، فقد كان السوق يوم السبت يشمل كلا من محافظتي بلجرشي والمندق وقرى الغشامرة والنقعاء والرومي والجرداء ويوم الأحد لقرى رغدان وبني كبير ووادي نيرة ووادي دوقة والحجرة , ويوم الأثنين لقرى بني سالم وغامد الزناد ووادي يبس وربوع الصفح , ويوم الثلاثاء لمحافظة قلوة وقرى الحميد والظفير وآل نعمة , والأربعاء لمحافظتي القرى والمخواة وربوع قريش وربوع الصفح , فيما كان سوق الخميس لمدينة الباحة وقريتي برحرح والشعراء والجمعة لمحافظة العقيق .
ويعد السبب الرئيس في تعدد الأسواق للتنافس القبلي حيث لم يقتصر التنافس فقط على إنشاء كل قبيلة سوقا على أرضها وإنما تعدى ذلك التنافس لجذب المرتادين الذين يمثلون قوة البيع والشراء مع الأخذ في الاعتبار الظروف الطبيعية الصعبة ووسائل النقل التقليدية التي كانت من أسباب تعدد الأسواق الأسبوعية في منطقة الباحة .
ويعتبر قيام الأسواق الأسبوعية مناسبا لطبيعة المجتمع في المنطقة حيث كان يتيح للمزارع والراعي أن يختار السوق الذي يشاء في أي يوم حسب ما يسمح له وقته الذي يقضي معظمة في الزراعة والرعي، وكانت بعض احتياجات المزارع لا توجد إلا في سوق محدد فضلا عن أن بضاعته لا يستوعبها إلا سوق واحد في ظل السيطرة القبلية التي كانت سائدة قبل توحيد المملكة .
وكان يخضع موقع اختيار السوق لشروط معينة يأتي في مقدمتها الناحية الأمنية إذ يقع السوق في الغالب في قرية تتوسط أراضي القبيلة وفي موقع يمكن مراقبته والدفاع عنه ويسهل الوصول إليه من المرتادين، ويعود السبب في وجود مثل هذه الشروط للصراعات القبلية التي كانت سائدة في ذلك الوقت وهي شروط احترازية فقط لأن الأسواق الأسبوعية في منطقة الباحة كانت محمية بشكل عام من خلال وثائق للأسواق تعرف بعقود السوق حيث أن القبيلة مسئولة عن كل فرد يفد إلى السوق لمدة ثلاثة أيام بحيث يكون فيها الوافد آمنا حتى لو كان لأحد عنده ثأر لأن عقوبة من يعتدي على أحد في السوق أو في طريقة منه أو إليه صارمة .
وكان الشكل الذي يأخذه السوق مستطيلا في الغالب وأحيانا قليلة يأخذ الشكل الدائري نظرا للظروف الطبيعية وعدم وجود مساحات واسعة منبسطة، ويتوسط السوق حصن للمراقبة وكانت هناك بعض المحلات الثابتة الصغيرة التي تقام على أطراف السوق يتم تأجيرها لصالح القبيلة وهي مستطيلة الشكل ارتفاعها في حدود متر ونصف وطولها في حدود المترين ونصف وعرضها متر ونصف تقريبا مفتوحة من الأمام بدون أبواب وعددها محدود لا يتعدى العشرة محلات في أكبر الأسواق حيث أن الأغلبية من الباعة المتجولين أو ممن لديهم سلعة يعرضونها كانوا يأتون إلى مكان السوق ويفترشون الأرض في مكان خال يعرضون بضاعتهم على قطعة من القماش أو الحصير وبعد الانتهاء من السوق يصبح المكان مهجورا لمدة ستة أيام لا يزاول فيه أي بيع أو شراء .
ومثل هذا التنظيم أخذ في التغير مع تزايد السكان والمعروضات والتطور الذي حصل للمواصلات حيث أن بعض الأسواق لم يعد يضم كل الباعة في مكان واحد وإنما أصبح هناك أماكن متباعدة نسبيا ومتخصصة حيث يوجد هناك مكان لبيع الأغنام والماشية ومكان لبيع الأعلاف ومكان آخر لبيع بضائع متنوعة .
وكان البيع والشراء بشكل رئيسي بعد صلاة الفجر من يوم انعقاد السوق وحتى العصر خاصة في الأسواق الرئيسية وتشكل الحبوب السلع الرئيسية في الأسواق كالقمح والذرة والدخن رغم أن كل مزارع السراة وتهامة تنتجها ولكن ليس بالضرورة أن تكون كل سنة جيدة في إنتاجها فيحدث نقص في بعض السنوات على بعض السلع ولذلك يبيع المزارعون الفائض لديهم بالإضافة إلى أن الحبوب متطلبات ضرورية لسكان البادية .
كما أن بعضا من أسواق منطقة الباحة كانت تمد مدن مكة وجدة والطائف بجزء من احتياجاتها من الحبوب وكان هناك تجار من المنطقة وغيرها يكتالون الحبوب وينقلونها عبر القوافل إلى هذه المدن ولذلك لا غرابة أن تكون الحبوب هي السلعة الرئيسية في الأسواق الأسبوعية .
ونظرا لأهمية الحبوب في الأسواق الأسبوعية فإن مكاييل الحبوب أوليت عناية خاصة في المراقبة داخل السوق ويتولى عقداء السوق هذه المهمة ولديهم مكاييل تعتبر المقياس الذي لابد أن تكون عليه المكاييل المستخدمة ومن يخالف هذه المكاييل يتعرض للغرامة في المرة الأولى ويمنع من ممارسة البيع في هذا السوق إذا تكرر منه ذلك، وكانت المكاييل خشبية وهي المد والنصف والربع والشطره حتى تحولت إلى الكيلو ووحداته .
وتعد التمور سلعة رئيسية في الأسواق الأسبوعية حيث كانت تشترى من تربه وبيشه ومن قبل تجار المنطقة وتعرض طوال العام في الأسواق إلى جانب الأقمشة والملابس المصنعة محليا والبن واللوز والرمان والموز والعنب والمشمش والتفاح والخوخ والأدوات الزراعية المصنعة محليا والأبقار والأغنام وغيرها .
وكان للأسواق الأسبوعية وظيفة إعلامية بارزة حيث أنه في ظل غياب وسائل الأعلام المختلفة وصعوبة التنقل عبر وسائل النقل التقليدية كان يوم انعقاد السوق يتيح فرصة لتجمع أعداد كبيرة من الناس من قرى مختلفة ومتباعدة ويتيح مجالا للسؤال عن الأحوال والأقرباء والأمطار وغيرها، كما كان السوق يستغل في تبليغ واستقبال رسائل شفهية عن زواج أو عودة أو مناسبة أو تحديد موعد لإجراء صلح بين أطراف مختلفة .
واستغلت الأسواق الأسبوعية بعد توحيد المملكة إعلاميا خاصة في التوعية الدينية حيث كان يصعد الواعظ إلى مكان مرتفع في وسط السوق ويهلل ويكبر ويعظ الناس ويجيب على أسئلتهم خلال ساعة من الزمن يكاد البيع والشراء يتوقف خلالها، إلى جانب ذلك استغل السوق أيضا في تنفيذ الأحكام والعقوبات الشرعية ليكون أكثر ردعا ووقعا ولينقله الحاضر إلى الغائب .
وما زالت هذه الأسواق تنعقد كتقليد يفتخر به أهل المنطقة ولكن تنوعت المعروضات من السلع المختلفة والمنافسة إلا أن زوارها يفضلون دائما المنتجات المصنعة محليا وهي ما يعرف / بمنتجات الديره /، وبهذا نجد أن الأسواق الأسبوعية أدت وظائف عديدة وهامة ولا شك أن قرى هذه الأسواق هي أول من استقطبت مراكز الخدمات الحكومية من المدارس والمراكز الصحية ومراكز الأمارة والمحاكم وغيرها .