تقرير إخباري عن اثنينية تنومة الثقافية السادسة لهذا الموسم
تنومة - محمد حصان في أمسيةٍ ثقافيةٍ ماتعةٍ نظمت ( اثنينية تُنومة الثقافية ) سادس فعالياتها الصيفية خلال موسم هذا العام مساء يوم الاثنين الموافق 18 رمضان 1433هـ ، حيث اشتمل اللقاء على طرحٍ فكريٍ متميزٍ ، وعرضٍ مرئيٍ مبدع قام بإلقائه سعادة الدكتور / غرامة بن يحيى بن غرامة البكري الشهري ، استشاري الجراحة العامة ورئيس أقسام الجراحة بمستشفى عسير المركزي في أبها ، وهو أحد أبناء المنطقة المتابعين للشأن الثقافي والدعوي والتوعوي منذ عدة سنوات ، وقد بدأ اللقاء في تمام الساعة الحادية عشرة ليلاً بتقديم للمشرف على اثنينية تُنومة الثقافية الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد الذي رحب بالضيوف وعلى رأسهم سعادة المحاضر الدكتور / غرامة بن يحيى بن غرامة البكري الشهري ، استشاري الجراحة العامة ورئيس أقسام الجراحة بمستشفى عسير المركزي في أبها ، وسعادة أ . د / محمد بن يحيى الشهري وكيل جامعة الملك سعود بالرياض ، وسعادة الدكتور / شاهر بن ظافر الشهري ، واللواء المتقاعد / علي بن شايخ البكري ، والعميد المتقاعد / صالح بن حمدان الشهري ، و غيرهم من أبناء واعيان ومثقفي المنطقة ، كما شكر الدكتور / ظافر بن سعيد آل حمّاد الذي كان عاملاً رئيسًا في الترتيب لهذا اللقاء ، وقال : إن ما سيعرضه المحاضر الكريم في الأمسية سيكون بمثابة الرصد التاريخي لفترةٍ زمنيةٍ عاشتها منطقة رجال الحجر بعامة وبلاد بني شهر وبني عمرو بخاصة ، ومحاولة توثيقية لما صاحب هذه الفترة من التغييرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت خلالها . ثم دعا سعادة الدكتور / غرامة لبدء اللقاء الذي كان عنوانه : ( التغيُرات الثقافية والاجتماعية في بلاد بني شهر وبني عمرو ) .
بدأ الضيف حديثه بذكر المحاضرة التي نظمتها ( اثنينية تُنومة الثقافية ) في مساء اليوم الثامن من شهر رمضان في العام الماضي 1432هـ ، والتي تحدث فيها سعادة الدكتور / علي بن محمد عواجي عن ( ولاية الجهوة وبلاد رجال الحجر ) ، وأشار إلى ما دار فيها من حديثٍ حول بعض الحقائق التاريخية المذهلة في جوانب مختلفةٍ ، والتي صفها بأنها كانت جديرةً بالعناية والاهتمام ولاسيما أنها تحدثت عن الفترة الزمنية المحددة بالقرون الأربعة الهجرية الأولى تقريبًا .
وقال إن حديثه في هذا اللقاء سيكون على وجه العموم استكمالاً لما حصل في الفترة التي تلت تلك القرون الأربعة وحتى وقتنا الحاضر ، مؤكدًا أن كثيرًا من الغموض كان يكتنف تلك الفترة ، ولكنه اعتمد في رصده التاريخي على ما رآه بنفسه وما عايشه في مراحل حياته مؤكدًا على أنه يرغب من الحضور المشاركة الفاعلة في ذلك الرصد التاريخي .
وقد جاء الحديث المزود بالصور والشرائح المرئية مقسمًا حسب تصنيف الضيف إلى ثلاث مراحل جاءت على النحو التالي :
المرحلة الأولى : وهي المرحلة التي تحدث فيها عن ذكرياته القديمة لزمن الطفولة وأفراد القبيلة من الجنسين وما كان عليه الحال في واقعهم من الزي الموحد ، والمهنة المشتركة ، والعبارات المتشابهة في التعاملات اليومية ، والطباع المتماثلة التي تُنبئ في مجموعها عن ملامح الحياة الاجتماعية لذلك الجيل من أبناء المنطقة ، والتي كانت تتسم بالقسوة والصلابة والمحدودية الزمانية والمكانية وما كان يُسيطر عليها من انتشارٍ للخُرافات والأساطير التي توارثتها وتناقلتها الأجيال دون تفكيرٍ أو تحليلٍ أو تمحيص . وقد غلب على تلك المرحلة الكثير من الجهالات والمبادئ والأعراف الخاطئة التي لم تكن قابلةً للتصحيح أو التغيير . وخلص الدكتور / غرامة إلى أن من أبرز سمات الجيل الأول الذي عاش في تلك المرحلة ما يلي :
= الدراية الكبيرة المتوارثة عن البيئة والإلمام القوي بالتفاصيل .
= الولاء والحب الشديدين للقرية والقبيلة .
= عدم وجود طبقات اجتماعية متفاوتة .
= قوة تأثير الجماعة على الفرد .
= انتشار الأُمية .
= الجهل الديني في التفاصيل .
= الجلد والنشاط والعمل الدؤوب .
= شظف العيش .
= تشابه الأفراد في الملبس والسكن واللهجة وكل مناحي الحياة .
= محدودية التفكير .
= نضوب التفكير والإبداع بل ومحاربته .
= وجود نظام قبلي متعارف عليه يحكم القبائل .
المرحلة الثانية : وهي المرحلة التي تحدث فيها المحاضر عن الجيل الثاني الذي تميز بمحافظته على تراث الجيل الأول في الغالب مع حصول بعض التحسُن في الأوضاع المادية حيث كان هناك من سافر من أبناء المنطقة وخرج من حدودها الجغرافية فكان بعضهم من الرواد الذين سافروا واكتشفوا بذلك العالم من حولهم ، وكانت لهم فيما بعد لمسات جيدةٍ في تحسين الأوضاع الاجتماعية والثقافية . كما أن هناك مجموعة هاجرت لطلب العلم فلما عادوا إلى بلادهم كان منهم القضاة والمعلمين وغيرهم من أصحاب التأثير والتغيير الثقافي والاجتماعي ، واستشهد المحاضر ببعض الأمثلةً من خلال إيراد أسماء بعض من برزوا خلال تلك المرحلة من أبناء المنطقة في بلاد بني شهر وبني عمرو سواءً ممن خدموا في القطاع المدني أو العسكري أو التجاري . وقال إن من أبرز سمات الجيل الثاني الذي عاش في تلك المرحلة ما يلي :
= كانوا أقل ارتباطًا بالأرض .
= أصبحوا أكثر اتساعًا في مفهومهم للولاء .
= تأثير الجماعة على الفرد أصبح أقل .
= اتساع المدارك .
= الهروب من المغناطيس القبلي .
= تحسن إلمامهم بالعلم الشرعي .
= تحسُن الحالة الاقتصادية .
المرحلة الثالثة : وهي المرحلة التي يمكن وصف أبنائها بالجيل الثالث وهم على وجه العموم ممن توافرت لهم الفرص التعليمية والوظيفية أكثر من غيرهم ، وقد تميز أبناء هذا الجيل بالكثير من النجاحات على مستوى الوطن وحقق الكثير منهم بعض القفزات الكبيرة في هذه المرحلة في شتى المجالات الحياتية فعلى سبيل المثال : قبل سبع سنوات تقريبًا قام المحاضر بعمل إحصائية لعدد الأطباء في المنطقة فكان عددهم في بلاد بني عمرو ( 42 ) طبيبًا ، و( 176 ) طبيبًا في بلاد بني شهر ، وهذا يعني أن المنطقة منتجة ومستمرة في العطاء المثمر والإيجابي بفضل الله تعالى .
وقد اتسمت هذه المرحلة بظهور ثقافاتٍ جديدةٍ في الجانب الثقافي لم تكن معروفة من قبل كثقافة الملتقيات و المخيمات والمُلتقيات والمُعسكرات وما في حُكمها . وبرزت فيها أسماء قوية ومؤثرة في ثقافة المجتمع ونهضته التوعوية التي شملت مختلف المجالات الحياتية ولاسيما الأكاديمية والدعوية والتجارية والعسكرية والوظيفية والشعرية والأدبية والإعلامية وغيرها . واستشهد على ذلك بإيراد قائمةٍ طويلةٍ من أسماء الناجحين والمُبرزين من أبناء بني شهر وبني عمرو على مستوى الوطن مع عرضٍ لصورهم . وخلُص إلى أن من أبرز سمات جيل هذه المرحلة ما يلي :
= الارتباط بالأرض قرب من التلاشي .
= الولاء أصبح للمبادئ .
= لم يعُد للجماعة تأثيرٌ قوي على الفرد .
= اتساع المدارك والمفاهيم .
= اتساع وانطلاق روح التجديد والإبداع .
وقبل أن يختم المحاضر اللقاء عرّج على ذكر ما سماه مجازًا بالمرحلة الرابعة التي قال إن لها علاماتٍ غير مرضية ، وملامح ومنتجاتٍ سيئة ، وأنها لا تُبشر بالخير ، وتدُل على انعدام الوعي الإيجابي ، وذكر منها ما يُلاحظ في قصور الأفراح من المظاهر السلبية والخاطئة ولاسيما في القاعات النسائية ، وأكّد على ضرورة التنبه لها والعمل على ضبطها وتصحيحها .
كما أشار إلى سوء التعامل الملحوظ على مستوى أبناء المنطقة مع قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة كالفيس بوك والتويتر ونحوها وسوء توظيفهم لمعطيات هذه التقنية ، وضرورة العمل الجاد على ضبط تلك التعاملات الطائشة وغير الواعية ، والحرص على التقليل من خطرها بتواجد الخيرين والواعين بكيفية توظيفها الإيجابي والنافع والمفيد ، وتساءل قائلاً :
= هل ما يحصل من سلبيات ومظاهر خاطئة دليلٌ على الرغبة في العودة إلى الوراء ؟
= هل معنى ذلك التخلي عن النجاحات السابقة والانحدار إلى الأسفل والتخلي عن المراكز المتقدمة من النجاحات ؟
= هل يُعقل أن يُفرط الجيل الجديد في المستوى المتقدم الذي حققه الآباء والأجداد ويرضون بالتنازل عنه والانحراف عن مساره ؟
وقبل أن يُنهي المحاضر حديثه لفت النظر إلى ضرورة وجود جامعة في بلاد رجال الحجر ، واقترح أن تكون في ( المجاردة ) لكونها تحظى بكثافةٍ سكانيةٍ كبيرة ، ويمكن أن تخدم قطاعًا واسعًا من أبناء المنطقة في تهامة والسراة .
وعند نهاية حديث الدكتور غرامة بدأت المداخلات التي كان منها مداخلة العميد المتقاعد / صالح بن حمدان والتي حيّا فيها الضيف على جُرأة الطرح وطالبه بالتوسع في الموضوع واستكمال كافة جوانبه ، وأبدى اعتراضه على وصف الجيل الأول بالجهل في معرفة بعض العلوم الدينية .
تلتها مداخلةٌ للدكتور / شاهر بن ظافر الذي قال إن هناك حاجةٌ ماسةٌ لتوثيق مآثر من وصفوا بالجيل الثاني والتعريف الوافي بهم حتى لا نظلمهم فهم أصحاب قصص نجاحٍ رائعةٍ في زمنهم وأضاف أن الحاجة قائمة للإفادة الكاملة من أولئك المتقاعدين من أبناء المنطقة في شتى المجالات .
عقب بعد ذلك الدكتور / ظافر بن حمّاد قائلاً إن هناك قامةٌ لم يرد ذكرها في ما رأيناه وتتمثل هذه القامة في شخصية المحاضر الدكتور / غرامة بن يحيى الذي له جهودٌ مشكورةٌ ومأجورة إن شاء الله تعالى في المجالات الطبية والدعوية والتوعوية والتربوية وهو صاحب جهودٍ رائعةٍ في خدمة الوطن وأبناء الوطن ، وأشار إلى ضرورة تفعيل الدور الاجتماعي لأصحاب السماء البارزة في المجتمع .
جاء بعد ذلك دور الدكتور / زهير بن عبد الله الذي أكّد أن الكتابة في الجوانب الاجتماعية والثقافية تحتاج إلى مُبدع مثل المحاضر الذي فتح الباب بمحاضرته لمن بعده من المبدعين والمهتمين بهذه الجوانب مؤكدًا أهمية تناول هذا الجانب بالدراسة والتحليل ولاسيما في ما يخص استشراف المستقبل .
عقب بعد ذلك الأستاذ / سعيد الفقيه مشيرًا إلى أن المحاضرة قيمة ولكنه يتساءل عن السبب الذي حول وغيّر المنطقة بعد القرن الرابع الهجري من منارة علم ومعرفة إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من تخلفٍ وتأخر .
أما الأديب / سعيد الطنيني فقد أشار إلى أن للجيل الأول عذرٌ في ما كان عليه الحال في وقته نظرًا لمحدودية العدد وقلة الإمكانات وقسوة الظروف ، وطالب بإعداد معجم لأسماء الناجحين والمُبرزين من أبناء المنطقة .
عقب بعد ذلك الدكتور / محمد بن سليمان الذي وصف المحاضرة بالموسوعية وأنها تُذكره بكتاب العقد الفريد الذي أتى على كل فن ، ثم وضّح أن تسمية الشعر الشعبي غير صحيحة وأن الصحيح أن يُسمى بالشعر العامي لأنه للعامة وليس للخواص . وختم مداخلته بقوله : بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي فلا يكفي معها مجرد التنبيه أو التنويه عن خطرها ولا بُد من معرفة الكيفية التي يمكن من خلالها الحد من مخاطرها وحُسن استثمارها .
جاء بعد ذلك الشيخ / حميدي بن عامر ليتساءل عن الأعداد الكبيرة من الأطباء في المنطقة ودورهم في خدمة أبناء المنطقة ؟ وقال : بالنسبة لما جاء من وصف الجيل الأول بالجهل فيُقصد به الجهل النسبي وليس الجهل الكُلي .
تحدث بعد ذلك اللواء الأستاذ الدكتور / علي بن جحني ليُشيد بالمحاضرة ويشكر المحاضر ويصف الأُمسية بأنها ميلاد مشروع النقد الذاتي مؤكدًا على أننا في حاجةٍ للجراءة في الطرح ، والعمل على نبذ السلبيات والبحث عن أفضل الحلول لحل مشكلاتنا وأن ذلك جزءٌ من المنهجية العلمية . وأضاف إن التميُز لدينا يحتاج إلى دعم الفكر الاجتماعي وتطبيق مبدأ نقد الذات .
علّق بعد ذلك الشاب محمد عبد الله الأسمري قائلاً : المحاضرة توثيقية لرصد مراحل معينة من تاريخ المنطقة ، ولكنها تُعد فاصلاً زمنيًا لا يُمكن تفسيره بمجرد التوثيق ، وتساءل كيف نكون قادرين على دراسة هذه المراحل وتحليلها ونقدها من خلال المنهج الفكري الواعي لأبعاد الواقع الإنساني ؟
أما ختام المداخلات فكانت للأستاذ / علي هشبول الذي قال إن المحاضرة تُعد دراسةً تشخيصيةً للواقع والماضي واشتملت على نظرةٍ إستشرافيةٍ للمستقبل ، ونحن نطمع في وضع خطوات تنفيذية للتغيير الاجتماعي الفعلي والمطلوب .
بعد ذلك تفضل المحاضر بالرد على مجموع هذه المداخلات مؤكدًا أن ما قدمه لا يعدو كونه عصفًا ذهنيًا اجتهد فيه ، وأنه لا يزال ينتظر من الجميع أن يُسهموا في اكتماله من خلال رؤاهم ومقترحاتهم ، وما يُمكن أن يثرون به مختلف جوانبه من المعلومات والإضافات والتعديلات ونحو ذلك . وطلب من الجميع أن يتواصلون معه على البريد الإلكتروني التالي : gy-a@hotmail.com
وقبل ختام الأمسية كان للمشرف على الاثنينية الدكتور / صالح أبو عرَّاد مقترحٌ قال فيه :
إن ما استمعنا إليه من سعادة الضيف الكريم يدفعني إلى تكرار اقتراح سابقٍ كُنت قد اقترحته في إحدى أمسيات الاثنينية في عامها ( الثالث ) وكان اللقاء في منزل العميد المتقاعد / فايز أبو زندة بتاريخ 28 / 6 / 1426هـ ، وكنت قد طرحت آنذاك فكرة العمل المشترك بين كوكبةٍ من أبناء المنطقة المؤهلين على إعداد ( موسوعة أعلام بلاد رجال الحجر ) ، مع مراعاة أن يكون العمل جماعيًا لا فرديًا ، وأن يتم تشكيل لجنة معنيةً به من أصحاب الطاقات والكفاءات والخبرة في هذا الشأن ، وأن يتم دعمها وإعداد خطة عمل لإنجازها بحيث تشمل مختلف الجوانب الحياتية وتُغطي كافة الميادين والأعمار والأماكن خلال فترةٍ زمنيةٍ معينةٍ . ثم أعلن نهاية اللقاء وقام بتسليم الدكتور / غرامة بن يحيى شهادة شكرٍ وتقدير على مشاركته في الاثنينية ، وكان الختام بالتقاط بعض الصور التذكارية للحضور في اللقاء .
بدأ الضيف حديثه بذكر المحاضرة التي نظمتها ( اثنينية تُنومة الثقافية ) في مساء اليوم الثامن من شهر رمضان في العام الماضي 1432هـ ، والتي تحدث فيها سعادة الدكتور / علي بن محمد عواجي عن ( ولاية الجهوة وبلاد رجال الحجر ) ، وأشار إلى ما دار فيها من حديثٍ حول بعض الحقائق التاريخية المذهلة في جوانب مختلفةٍ ، والتي صفها بأنها كانت جديرةً بالعناية والاهتمام ولاسيما أنها تحدثت عن الفترة الزمنية المحددة بالقرون الأربعة الهجرية الأولى تقريبًا .
وقال إن حديثه في هذا اللقاء سيكون على وجه العموم استكمالاً لما حصل في الفترة التي تلت تلك القرون الأربعة وحتى وقتنا الحاضر ، مؤكدًا أن كثيرًا من الغموض كان يكتنف تلك الفترة ، ولكنه اعتمد في رصده التاريخي على ما رآه بنفسه وما عايشه في مراحل حياته مؤكدًا على أنه يرغب من الحضور المشاركة الفاعلة في ذلك الرصد التاريخي .
وقد جاء الحديث المزود بالصور والشرائح المرئية مقسمًا حسب تصنيف الضيف إلى ثلاث مراحل جاءت على النحو التالي :
المرحلة الأولى : وهي المرحلة التي تحدث فيها عن ذكرياته القديمة لزمن الطفولة وأفراد القبيلة من الجنسين وما كان عليه الحال في واقعهم من الزي الموحد ، والمهنة المشتركة ، والعبارات المتشابهة في التعاملات اليومية ، والطباع المتماثلة التي تُنبئ في مجموعها عن ملامح الحياة الاجتماعية لذلك الجيل من أبناء المنطقة ، والتي كانت تتسم بالقسوة والصلابة والمحدودية الزمانية والمكانية وما كان يُسيطر عليها من انتشارٍ للخُرافات والأساطير التي توارثتها وتناقلتها الأجيال دون تفكيرٍ أو تحليلٍ أو تمحيص . وقد غلب على تلك المرحلة الكثير من الجهالات والمبادئ والأعراف الخاطئة التي لم تكن قابلةً للتصحيح أو التغيير . وخلص الدكتور / غرامة إلى أن من أبرز سمات الجيل الأول الذي عاش في تلك المرحلة ما يلي :
= الدراية الكبيرة المتوارثة عن البيئة والإلمام القوي بالتفاصيل .
= الولاء والحب الشديدين للقرية والقبيلة .
= عدم وجود طبقات اجتماعية متفاوتة .
= قوة تأثير الجماعة على الفرد .
= انتشار الأُمية .
= الجهل الديني في التفاصيل .
= الجلد والنشاط والعمل الدؤوب .
= شظف العيش .
= تشابه الأفراد في الملبس والسكن واللهجة وكل مناحي الحياة .
= محدودية التفكير .
= نضوب التفكير والإبداع بل ومحاربته .
= وجود نظام قبلي متعارف عليه يحكم القبائل .
المرحلة الثانية : وهي المرحلة التي تحدث فيها المحاضر عن الجيل الثاني الذي تميز بمحافظته على تراث الجيل الأول في الغالب مع حصول بعض التحسُن في الأوضاع المادية حيث كان هناك من سافر من أبناء المنطقة وخرج من حدودها الجغرافية فكان بعضهم من الرواد الذين سافروا واكتشفوا بذلك العالم من حولهم ، وكانت لهم فيما بعد لمسات جيدةٍ في تحسين الأوضاع الاجتماعية والثقافية . كما أن هناك مجموعة هاجرت لطلب العلم فلما عادوا إلى بلادهم كان منهم القضاة والمعلمين وغيرهم من أصحاب التأثير والتغيير الثقافي والاجتماعي ، واستشهد المحاضر ببعض الأمثلةً من خلال إيراد أسماء بعض من برزوا خلال تلك المرحلة من أبناء المنطقة في بلاد بني شهر وبني عمرو سواءً ممن خدموا في القطاع المدني أو العسكري أو التجاري . وقال إن من أبرز سمات الجيل الثاني الذي عاش في تلك المرحلة ما يلي :
= كانوا أقل ارتباطًا بالأرض .
= أصبحوا أكثر اتساعًا في مفهومهم للولاء .
= تأثير الجماعة على الفرد أصبح أقل .
= اتساع المدارك .
= الهروب من المغناطيس القبلي .
= تحسن إلمامهم بالعلم الشرعي .
= تحسُن الحالة الاقتصادية .
المرحلة الثالثة : وهي المرحلة التي يمكن وصف أبنائها بالجيل الثالث وهم على وجه العموم ممن توافرت لهم الفرص التعليمية والوظيفية أكثر من غيرهم ، وقد تميز أبناء هذا الجيل بالكثير من النجاحات على مستوى الوطن وحقق الكثير منهم بعض القفزات الكبيرة في هذه المرحلة في شتى المجالات الحياتية فعلى سبيل المثال : قبل سبع سنوات تقريبًا قام المحاضر بعمل إحصائية لعدد الأطباء في المنطقة فكان عددهم في بلاد بني عمرو ( 42 ) طبيبًا ، و( 176 ) طبيبًا في بلاد بني شهر ، وهذا يعني أن المنطقة منتجة ومستمرة في العطاء المثمر والإيجابي بفضل الله تعالى .
وقد اتسمت هذه المرحلة بظهور ثقافاتٍ جديدةٍ في الجانب الثقافي لم تكن معروفة من قبل كثقافة الملتقيات و المخيمات والمُلتقيات والمُعسكرات وما في حُكمها . وبرزت فيها أسماء قوية ومؤثرة في ثقافة المجتمع ونهضته التوعوية التي شملت مختلف المجالات الحياتية ولاسيما الأكاديمية والدعوية والتجارية والعسكرية والوظيفية والشعرية والأدبية والإعلامية وغيرها . واستشهد على ذلك بإيراد قائمةٍ طويلةٍ من أسماء الناجحين والمُبرزين من أبناء بني شهر وبني عمرو على مستوى الوطن مع عرضٍ لصورهم . وخلُص إلى أن من أبرز سمات جيل هذه المرحلة ما يلي :
= الارتباط بالأرض قرب من التلاشي .
= الولاء أصبح للمبادئ .
= لم يعُد للجماعة تأثيرٌ قوي على الفرد .
= اتساع المدارك والمفاهيم .
= اتساع وانطلاق روح التجديد والإبداع .
وقبل أن يختم المحاضر اللقاء عرّج على ذكر ما سماه مجازًا بالمرحلة الرابعة التي قال إن لها علاماتٍ غير مرضية ، وملامح ومنتجاتٍ سيئة ، وأنها لا تُبشر بالخير ، وتدُل على انعدام الوعي الإيجابي ، وذكر منها ما يُلاحظ في قصور الأفراح من المظاهر السلبية والخاطئة ولاسيما في القاعات النسائية ، وأكّد على ضرورة التنبه لها والعمل على ضبطها وتصحيحها .
كما أشار إلى سوء التعامل الملحوظ على مستوى أبناء المنطقة مع قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة كالفيس بوك والتويتر ونحوها وسوء توظيفهم لمعطيات هذه التقنية ، وضرورة العمل الجاد على ضبط تلك التعاملات الطائشة وغير الواعية ، والحرص على التقليل من خطرها بتواجد الخيرين والواعين بكيفية توظيفها الإيجابي والنافع والمفيد ، وتساءل قائلاً :
= هل ما يحصل من سلبيات ومظاهر خاطئة دليلٌ على الرغبة في العودة إلى الوراء ؟
= هل معنى ذلك التخلي عن النجاحات السابقة والانحدار إلى الأسفل والتخلي عن المراكز المتقدمة من النجاحات ؟
= هل يُعقل أن يُفرط الجيل الجديد في المستوى المتقدم الذي حققه الآباء والأجداد ويرضون بالتنازل عنه والانحراف عن مساره ؟
وقبل أن يُنهي المحاضر حديثه لفت النظر إلى ضرورة وجود جامعة في بلاد رجال الحجر ، واقترح أن تكون في ( المجاردة ) لكونها تحظى بكثافةٍ سكانيةٍ كبيرة ، ويمكن أن تخدم قطاعًا واسعًا من أبناء المنطقة في تهامة والسراة .
وعند نهاية حديث الدكتور غرامة بدأت المداخلات التي كان منها مداخلة العميد المتقاعد / صالح بن حمدان والتي حيّا فيها الضيف على جُرأة الطرح وطالبه بالتوسع في الموضوع واستكمال كافة جوانبه ، وأبدى اعتراضه على وصف الجيل الأول بالجهل في معرفة بعض العلوم الدينية .
تلتها مداخلةٌ للدكتور / شاهر بن ظافر الذي قال إن هناك حاجةٌ ماسةٌ لتوثيق مآثر من وصفوا بالجيل الثاني والتعريف الوافي بهم حتى لا نظلمهم فهم أصحاب قصص نجاحٍ رائعةٍ في زمنهم وأضاف أن الحاجة قائمة للإفادة الكاملة من أولئك المتقاعدين من أبناء المنطقة في شتى المجالات .
عقب بعد ذلك الدكتور / ظافر بن حمّاد قائلاً إن هناك قامةٌ لم يرد ذكرها في ما رأيناه وتتمثل هذه القامة في شخصية المحاضر الدكتور / غرامة بن يحيى الذي له جهودٌ مشكورةٌ ومأجورة إن شاء الله تعالى في المجالات الطبية والدعوية والتوعوية والتربوية وهو صاحب جهودٍ رائعةٍ في خدمة الوطن وأبناء الوطن ، وأشار إلى ضرورة تفعيل الدور الاجتماعي لأصحاب السماء البارزة في المجتمع .
جاء بعد ذلك دور الدكتور / زهير بن عبد الله الذي أكّد أن الكتابة في الجوانب الاجتماعية والثقافية تحتاج إلى مُبدع مثل المحاضر الذي فتح الباب بمحاضرته لمن بعده من المبدعين والمهتمين بهذه الجوانب مؤكدًا أهمية تناول هذا الجانب بالدراسة والتحليل ولاسيما في ما يخص استشراف المستقبل .
عقب بعد ذلك الأستاذ / سعيد الفقيه مشيرًا إلى أن المحاضرة قيمة ولكنه يتساءل عن السبب الذي حول وغيّر المنطقة بعد القرن الرابع الهجري من منارة علم ومعرفة إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من تخلفٍ وتأخر .
أما الأديب / سعيد الطنيني فقد أشار إلى أن للجيل الأول عذرٌ في ما كان عليه الحال في وقته نظرًا لمحدودية العدد وقلة الإمكانات وقسوة الظروف ، وطالب بإعداد معجم لأسماء الناجحين والمُبرزين من أبناء المنطقة .
عقب بعد ذلك الدكتور / محمد بن سليمان الذي وصف المحاضرة بالموسوعية وأنها تُذكره بكتاب العقد الفريد الذي أتى على كل فن ، ثم وضّح أن تسمية الشعر الشعبي غير صحيحة وأن الصحيح أن يُسمى بالشعر العامي لأنه للعامة وليس للخواص . وختم مداخلته بقوله : بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي فلا يكفي معها مجرد التنبيه أو التنويه عن خطرها ولا بُد من معرفة الكيفية التي يمكن من خلالها الحد من مخاطرها وحُسن استثمارها .
جاء بعد ذلك الشيخ / حميدي بن عامر ليتساءل عن الأعداد الكبيرة من الأطباء في المنطقة ودورهم في خدمة أبناء المنطقة ؟ وقال : بالنسبة لما جاء من وصف الجيل الأول بالجهل فيُقصد به الجهل النسبي وليس الجهل الكُلي .
تحدث بعد ذلك اللواء الأستاذ الدكتور / علي بن جحني ليُشيد بالمحاضرة ويشكر المحاضر ويصف الأُمسية بأنها ميلاد مشروع النقد الذاتي مؤكدًا على أننا في حاجةٍ للجراءة في الطرح ، والعمل على نبذ السلبيات والبحث عن أفضل الحلول لحل مشكلاتنا وأن ذلك جزءٌ من المنهجية العلمية . وأضاف إن التميُز لدينا يحتاج إلى دعم الفكر الاجتماعي وتطبيق مبدأ نقد الذات .
علّق بعد ذلك الشاب محمد عبد الله الأسمري قائلاً : المحاضرة توثيقية لرصد مراحل معينة من تاريخ المنطقة ، ولكنها تُعد فاصلاً زمنيًا لا يُمكن تفسيره بمجرد التوثيق ، وتساءل كيف نكون قادرين على دراسة هذه المراحل وتحليلها ونقدها من خلال المنهج الفكري الواعي لأبعاد الواقع الإنساني ؟
أما ختام المداخلات فكانت للأستاذ / علي هشبول الذي قال إن المحاضرة تُعد دراسةً تشخيصيةً للواقع والماضي واشتملت على نظرةٍ إستشرافيةٍ للمستقبل ، ونحن نطمع في وضع خطوات تنفيذية للتغيير الاجتماعي الفعلي والمطلوب .
بعد ذلك تفضل المحاضر بالرد على مجموع هذه المداخلات مؤكدًا أن ما قدمه لا يعدو كونه عصفًا ذهنيًا اجتهد فيه ، وأنه لا يزال ينتظر من الجميع أن يُسهموا في اكتماله من خلال رؤاهم ومقترحاتهم ، وما يُمكن أن يثرون به مختلف جوانبه من المعلومات والإضافات والتعديلات ونحو ذلك . وطلب من الجميع أن يتواصلون معه على البريد الإلكتروني التالي : gy-a@hotmail.com
وقبل ختام الأمسية كان للمشرف على الاثنينية الدكتور / صالح أبو عرَّاد مقترحٌ قال فيه :
إن ما استمعنا إليه من سعادة الضيف الكريم يدفعني إلى تكرار اقتراح سابقٍ كُنت قد اقترحته في إحدى أمسيات الاثنينية في عامها ( الثالث ) وكان اللقاء في منزل العميد المتقاعد / فايز أبو زندة بتاريخ 28 / 6 / 1426هـ ، وكنت قد طرحت آنذاك فكرة العمل المشترك بين كوكبةٍ من أبناء المنطقة المؤهلين على إعداد ( موسوعة أعلام بلاد رجال الحجر ) ، مع مراعاة أن يكون العمل جماعيًا لا فرديًا ، وأن يتم تشكيل لجنة معنيةً به من أصحاب الطاقات والكفاءات والخبرة في هذا الشأن ، وأن يتم دعمها وإعداد خطة عمل لإنجازها بحيث تشمل مختلف الجوانب الحياتية وتُغطي كافة الميادين والأعمار والأماكن خلال فترةٍ زمنيةٍ معينةٍ . ثم أعلن نهاية اللقاء وقام بتسليم الدكتور / غرامة بن يحيى شهادة شكرٍ وتقدير على مشاركته في الاثنينية ، وكان الختام بالتقاط بعض الصور التذكارية للحضور في اللقاء .