×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

«فهد العرابي» : عطر الحرية ..والمعرفة أيضاً

لم يكن كتاب " المعرفة قوة ..والحرية أيضا" لمؤلفه الدكتور فهد العرابي الحارثي مجرد اطروحات مثقف عربي اغرته شهوة الكلام ومتعة التنظير..وانما هو في كل فصوله الثلاثة عشر يوظّف الألم بحثا عن الترياق من خلال الرقم والمعلومة والتحليل ليقدم "وثيقة" حضارية في سبيل مستقبل لا يأتي هدية-كما يرى العرابي- بل هو انجاز مجتمع وتحدي أمة.

هذا الكتاب المدهش ليس آخر مفاجآت هذا المفكر السوربوني الذي وظّف كل كنوز كفاحه العلمي والعملي والشخصي في مركز "أسبار" البحثي المتخصص لينقطع مع ثلّة من رهبان العلم لمهمة تشخيص مكامن الوجع الفكري ومواطن الهم المجتمعي ... محاولين تقديم الوصفات الطبيعية من "نبت الأرض" لتنسجم مع مكونات خارطة الوطن الشعبية والرسمية.

"فهد العرابي" في كتابه "الانذار" هذا لا يهادن الحالمين وهو يوقن أيضا ان شذى عطر الحرية قد يدير الرؤوس ولكنه يذكّر من لايرون كامل الصورة بمعادلة حرقة الدمعة وقطرة المطر في سؤاله عن غياب "النموذج" في النظام التربوي الذي نازله في الفصل الأول من كتابه بتحديات الثورة التقنية وغياب الابداع في بيئة البيت والمدرسة بين قيم الاذعان والتبعية ومعضلة الريبة والحذر من كل جديد. وفي الفصل الأخير يعود المؤلف ايضا ليشاكس الملل الممتد في نظام "التعليم" العربي بين وهن حماسة "المتعلم" ومسئوليات "المعلّم" المُهملة لأن "العرابي" وهو يُجري الفحص الحضاري الذي استجلب له تجارب كونية متفوقة رأت في التعليم رهان المستقبل يثبت أن التخلف و"البطالات" المتنوعة هي مخرجات متوقعة لازمة القيم ونظام التعليم الذي لا يفعل شيئا لانه خارج العالم.

ومن العجيب أن "بيروت" استقبلت كتاب العرابي " بالدهشة" والسجال لأسباب عربية تتعلق "بتحاقد المثقفين" في الشمال والجنوب ، وفي "جدة" كانت الأسئلة كبرى ومثيرة ، اما "الرياض" فقد كشفت أن"العرابي" وهو يوزع رقاع الدعوة لتجريب عينات "عطر الحرية" كان في الواقع "ينذر" من لم يقطعوا تذكرة اللحاق بقطار المستقبل بأنهم مشترون مستهلكون فقط لبضائع "التقنية" التي تؤهلهم فقط للمشاركة في "السحب" للفوز بالمشاركة في مجالس العزاء المقامة لتخليد ذكرى"موت النخبة".

لم يعد مهما أن يتحاور المثقفون والمخططون حول السبب والنتيجة في ثنائية التنمية والمعرفة، " والعرابي" في كتابه لم ينشغل بسطوة "النظرية" بقدر اشتغاله بهموم "التطبيق" محاولا في تشخيصه توصيف ركائز التخطيط للتنمية المعرفية وهو يوصف علل المجتمع العربي وعلاقته المختلّة بالتنمية التي ولّدت مشروعات "تنموية" وسمها "العرابي" بأنها عرجاء عمياء انعزالية. والاشكاليّة هنا أن هذا التوصيف المؤلم شواهده في كل عاصمة عربية ما يعيق مهمة تجهيز الأجيال الجديدة لمواجهة تحديات اليوم الآتي بالتزاحم الفردي والتدافع المجتمعي والصراع الحضاري.


مسارات

قال ومضى: لا تغتر بدنيا اقبلت ... وتذكّر كم كريم قد بلت.

د. فايز بن عبد الله الشهري
 0  0  3352