رؤية تاريخية مختصرة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وبعد : فان الناظر في واقع بلادنا في هذا العهد الزاهر الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين يدرك مدى ما ينعم به أبناء هذا الوطن من خير وافر ، وأمن عميم ، فلقد إستقام شعار الدين ، وعز جانبه ، وانبسط الأمن ، وعم أمره ، وازدهر الواقع : الإجتماعي والإقتصادي والثقافي ، فالناس في سعادة ورخاء ، ولئن نالت بلدان هذه المملكة الواسعة الكثير من معطيات حكومتها ، فإن هذه المدينة مدينة تنومة بني شهر بعسير تنعم بالخير الوافر ، والنهضة المناسبة ، وتنومة من أعمال إمارة عسير تقع في الجنوب الغربي من المملكة العربية السعودية ، بين درجتي العرض 52 518 شمالا ، 10 519 شمالا ، وبين درجتي مستوى سطح البحر ، ويحدها من الشمال : النماص ، ومن الجنوب : بللسمر ، ومن الشرق صمخ ، ومن الغرب : المجاردة ، وثلوث المنظر .( )
وتعود نسبة ساكينها في الأُزد ، وهم من ربيعة بن شهر ، ومنهم : بنو أثلة من بني نصر ابن ربيعة ، ولها ذكر واسع في التاريخ ، إذ يقول فيها الشاعر الجاهلي حاجز الأُزدي :
ويوم صَبَحْنا الحيَّ يومَ تنومةٍ بِمَلْمُومَةٍ يهوى الشجاع وئيدُها . ( )
ولئن ذكرت تنومة في الجاهلية فان ذكرها في الإسلام أوسع وأشمل ، إذ تكاد تتميز عن غيرها من البلدان بوفرة رجالها السابقين للإسلام والذين أتوا من بعدهم من المحدثين والفقهاء والشعراء ، وهي إلى جانب ذلك من البلاد الشهيرة ، ذات الهواء المعتدل ، والبيئة الطبيعية الخضراء ، يقول فيها الهمذاني ( 280-334هـ) في كتابة " صفة جزيرة العرب" : " ثم يتلو سراة عنز سراة الحجر بني الهنو من الازد ، ومدنها : الجهوة ، ومنها : تنومة ( ) .." وقال : " وتنومة والأشجان ، ونحيان ، ثم الجهوة قرى لبني ربيعة بن الحجر "( ) ، وقال أيضا: " تنومة واد فيه ستون قرية أسفله لبني يسار ، وأعلاه لبلحارث بن شهر "( ) وقال عنها أبو الحياش الحجري : في إحدى قصائده المشهورة :
ومن الطود فالزنامات خضر رويت فالتنومة الزهراء( )
وإذا أدرك موقع تنومة ، وما قيل عنها في بعض كتب التراث ، فإنها قد اشتهرت حينذاك بمكانتها الاقتصادية وبخاصة في ميدان الزراعة شأنها في ذلك مثل شان بقية بلدان رجال الحجر ، يقول الهمذاني في معرض حديثه عن هذا الجانب : " وبسراة الحجر : البر ، والشعير ، والبلسن ، والعنز ، واللوبياء ، واللوز ، والتفاح ، والخوخ ، والكمثري ، والأجاص ، والعسل غريبها ، والبقر وأهل الصيد ، وشرقيها من نجد أهل الغنم والإبل ، وخيل للاصابغة " ولعل ما يلفت النظر نحو أهمية تنومة أنها عرفت بعدد من مشاهير الرجال الذين اشتهروا في تراثنا بالسبق العلمي ، والمكانة الفكرية ، ومن أمثال الشاعر : حاجز بن عوف الأُزدي ،والشاعر الشنفري الحجري : والفقيه احمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (239-321هـ) والفرضي سعيد بن علي الحجري والحافظ عبدالغني بن سعيد( ) (332-321هـ) وأبو الحيّاش الحجري( ) وغيرهم ..
وإذا تبين شيء من حال تنومة في الجاهلية وصدر الإسلام فإن حالها في العصر الحديث يزداد وضوحا ، ومكانة ، فلقد كان لهذه المنطقة شرف الانضواء تحت راية الدولة السعودية الأولى منذ سنة 1216هـ/1801م إذ دل على ذلك ما ورد في إحدى الوثائق الخطية المهمة( ) ، إذ أخذ المخلصون من أبنائها يسهمون بشيء من جهودهم في سبيل نشر مبادئ الإتجاه السلفي الذي أيّده ونهض به حينذاك الأئمة الأماجد من آل سعود ، فلقد بدأ الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود (1179ـ1218هـ) رحمه الله بأخذ بأسباب نصرة الدين ، ويدفع المنكرات ، فلقد وفقه الله تعالى إلى رفع شعار الإسلام ، ومحاربة البدع ، والقضاء عليها ، وكانت تنومة حينذاك تحيا حياة جادة مستقرة ، يشهد بذلك شيوع التعليم فيها ، ووجود المكتبات الخاصة عند فقهائها ، وما بذله مشايخها من الجهاد ، والدعوة إلى الله.( )
ولما وجد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله تعالى أجزاء هذه البلاد السعودية كان لبلدان عسير بعامة ، ومنها تنومة نصيب وافر من عطفه ورعايته فلقد وجه منذ سنة 1338هـ ( ) الدعاة والمرشدين إلى قبائلها وقراها ، وذلك من اجل : وعظ الناس ، وإرشادهم ، فلقد وفقه الله لنشر تعالم الدين ، وتشجيع العلم ، إذ عم نفعهما : القبائل والقرى ، وأصبح العلم ميسرا لمن يبحث عنه ، ولئن كان عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه قد حفل بأسباب التمكين لهذا الواقع ، فان بنيه من بعده قد سعوا في تحقيقه وإظهاره .
وإذا أدرك هذا الحال تبين للناظر في تاريخ بلادنا في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ مدى إهتمامه بجانب الشريعة الإسلامية ، وما تحقق على يديه من نهضة شاملة ، وامن مستتب ، فلا مظلمة لفرد ، ولا ثار لقبيلة ، إذ حفظت حقوق الناس ، وأمنت سبل الحج وقام شعار الدين ، وعاش الناس في طمأنينة ورخاء ، وإنصرف أبناء هذه المنطقة إلى بناء حياتهم الفكرية والإجتماعية ، فلقد عمت وسائل الثقافة أنحاء البلاد ، وانفتح المجال العلمي لكل باحث عن العلم و المعرفة ، ولله در القائل :
ها نحن في عصره الزاهي على دعه
وصفو عيش رغيد ما به كدر
فالدار عامرة والسحب ماطرة
والأرض زاهرة والدين منتشر
والناس في ظل آمن أصبحت معه
هذه الحصون كلا شيء ولا القصر
يأوي الغريب إذا ما الليل أدركه
في مهمة ما به نبت ولا شجر
كأنما القفر دار والخلا وطن
لإبن السبيل ومن قد ضمه السفر
وحوله سيف عدل لا يفارقه
يدور حيث تحل البدو والحضر
ومن تكن هكذا أيام دولته
يطيب للناس في أخباره السمر( )
بقلم
أ. د / عبدالله محمد أبو داهش