رفقاً بالقوارير ... وبنا
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا كانت الحياة صحراء فان المرأة ماؤها وخصبها وخضرتها ..
المرأة عطر وخضرة أبدية.
فلم هذا التصحر القاسي الذي نقرأ عنه ونسمع به ونراه ؟
ألا يكفي ما تعاني الأنثى من فراغ قاتل وأزمات خانقة .. والتقرير الذي كتبه مكتب العمل العربي ليس إلا قمة جبل الجليد تحت الماء .
يركز التقرير على هجرة الكفاءات العربية إلى الخارج . ومنهم أكثر من ستة وثلاثين ألف مهاجر سنويا يحملون الماجستير والدكتوراة .. إضافة إلى هجرة العمل والدراسة داخليا وخارجيا .
فجأة وبدون سابق إنذار .. تجد المرأة نفسها وحيدة في خضم الحياة مثقلة بالمسئوليات .
وفجأة يختفي الأب من حياة الأبناء ليصبح غريبا عنهم .. وليكبر الأولاد في ظل نساء يعانين الأمرين في تدبير شؤون الحياة .
أليس كثيرا أن تعاني عشرين مليون أسرة عربية (عام 2005م) م مشكلة تأنيث الأسرة بسبب هجرة عائلها؟
لن نتطرق هنا إلى الظروف التي تهجر الناس ولا إلى آثار الهجرة . مفيدة وضارة .. لكننا سنخوض في أعماق بعض مشاكلنا لنرى كم تعاني المرأة .
خلال العقود الماضية حدث تبدل اجتماعي واقتصادي كبير في حياتنا .. وتعلمت نسبة كبيرة من البنات وحملت كثيرات منهن شهادات عالية لا بل تبوأنا بعضهن مناصب مرموقة .. وفي بعض البلدان العربية ترى النساء والرجال على السواء يخرجون في الصباح إلى العمل .. ومنهن من يعدن مساء .. ولم يعد خيارا أن تجلس المرأة وتستريح وتتفرغ لشؤون بيتها وعائلتها .. فقد صارت الحاجة المادية حرجة جدا بحيث لا يستغنى عن عمل المرأة فما بالك أن كانت هي العائل الوحيد؟؟
وماذا بالنسبة إلى الحياة الاجتماعية ؟
إننا ـ وبكل أسف ـ نرى ازدياد ظاهرتي الطلاق والعنوسة .. ولكلتا هاتيتن الظاهرتين تأثيراتهما السيئة على حياة المرأة . وما يجذب النظر عن عزوف الشباب ـ حتى المتعلمين تعليما عاليا ، عن الزواج من المتعلمات الجامعيات . فصار عدد من يعانين الوحدة لأمرين : أولهما الذي ذكرناه وثانيهما : صعوبة الاختيار والموافقة على زوج غير مؤهل أو غير مناسب لزوجته التي صارت في موقع يحتم عليها التفكير العميق .. واللاتي جربن "حظهن" في زواج غير متكافئ شعرن بالأسى .
يقول تعالى في كتابه العزيز..(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) سورة الروم آية 21 . من المؤسف أننا نرى اليوم رجالا يعتقدون أن توفير المال للأسرة هو الواجب الوحيد عليهم ... لينطلقوا بعد ذلك في أراضي الله الواسعة بحثا عن المتعة أو المال ، أين هي تلك "المودة والرحمة" وأين هي "السكينة " ؟
ألا تحتاج تلك الأنثى المحبوسة في البيت إلى عناية ورعاية وحنان ؟ إلى كلمة طيبة تغذي أنوثتها وتشعرها بإنسانيتها ؟ أهي عصفورة في قفص نقدم له الماء والغذاء وهو يبكي "مزقزقا" ليل نهار؟
والأولاد .. ألا يحتاجون إلى تربية الأب وسلطته وعطفه وحنانه ؟ ألا يحتاجون لمن يتابع دروسهم ومدارسهم وزملاءهم كيلا يغرقوا في بحر الفشل أو ربما المخدرات والرذيلة؟
أما الأدهى من كل ذلك فهو أن يترك الأولاد وأمهم بلا مصروف في مهب الريح.
الحياة حركة مستمرة .. وإغلاق النوافذ لمنع أشعة الشمس من التسلل ومنع الريح من الدخول أو الخروج .
الضغط يولد الانفجار .. فلكل كائن قُدرة وتحمُّل ينفجر بعدها وينهار .
لكن هل نلوم الرجل لوحده ؟
الواقع أن بعض النسوة مهملات جدا .. حتى لواجباتهن الأساسية .. فلم يعد غريبا ألا تعرف الأم شيئا عن أبنائها أو مطبخها منشغلة بزينتها وهاتفها وزياراتها.
قال لي أحد أطباء الأطفال اشعر عندما انصح بعض الأمهات بإرضاع أولادهن من أثدائهن قائلا " حليب الأم خير حليب .." اشعر كمن يحاول جر تيس كي يشرب من النبع عنوة .
أو كمن يحاول خنق مخلوق برئ بالقوة وهو يقاوم بأقصى قوته .. ويراودني ذات الشعور حينما اطلب من إحداهن أن تترك التدخين حرصا على جنينها أو رضيعها الذي يعاني من أزمة ربوية تنفسية .
لقد شهد عصرنا قفزات (تطورية) هائلة لم تكن تخطر على بال .. أشبه ما تكون بانفلات حيوان متوحش من عقاله .. فصار ما كان عيبا في الأمس مقبولا .. ورضخ الناس لرغباتهم . ولما يسمى بالأمر الواقع . صرت ترى آنسات و(سيدات) يفتخرن بأنهن لايصلحن لقلي بيضة أو طبخ الرز . لابل يستنكرن أعمال المنزل جميعها . وكأنها عيب أو حرام أو تخلف !
ما شد اهتمامي هو قصاصة من هوليود على لسان الممثلة (مورين اوهارا) عام 1975م تقول فيها : " أن اغلب فتيات اليوم جاهلات بالزواج وواجباته ، لكن اللوم لايقع عليهن بل على الآباء والأمهات والأنظمة التعليمية.. فالفتاة تصبح ستة عشر عاما في الدراسة ثم تتزوج وتترك وظيفتها فإذا هي جاهلة كزوجة لا علم لها ولا خبرة .. زد على ذلك أن الأبوين يصوران الزواج كحدث سعيد لايتخلله سوى البسمات والضحكات .. بدلا من أن يفهماها أن الحياة الزوجية تتطلب امرأة مدبرة وزوجة طائعة ومربية فاضلة ومدخرة حريصة ، والعجيب أن فتيات العصر يعتقدن أن من مظاهر المدنية الحديثة الافتخار بأنهن لايستطعن عمل شيء حتى فنجان قهوة .. وهذا من مظاهر الخيبة .. كما أن معظم الفتيات يعتقدن أن المثل الأعلى هو الزوج مشبوب العاطفة وسيم الوجه أنيق الملبس مموج الشعر بارع الرقص ، ولايهم بعد هذا أن كان قويم الأخلاق ومقدرا للمسئولية وعارفا بالواجبات الزوجية هذا في الغرب فكيف ببنات الإسلام ؟ .
في الواقع لايمكن أن اعبر عن حال بعض فتياتنا اليوم بأحسن مما عبرت عنه الممثلة الأمريكية عنه قبل حوالي نصف قرن.. ولعله من المثير أن نقارن من جديد حال المرأة الغربية اليوم مع حالنا .. حيث تتحمل المسئولية مبكرة جدا بغض النظر عن الاعتبارات الأخلاقية الفارقة ما بيننا وبينهم لقد صارت المرأة كالرجل هناك وربما اخشن .. فعليها أن تستيقظ في الصباح الباكر وتذهب بلباسها وزينتها وأولادها .. فهي مجبرة على العمل كالرجل .. أما عن الاحترام الخاص بها فلا يوجد ما يجبر الرجل هناك على معاملتها بطريقة خاصة لا في العمل ولا في الطريق أو في المنزل.. ولماذا يعاملها بطريقة مختلفة ؟ أخوها على حرمتها أو شرفها مثلا ؟ فهموم الشرف والعرض مختلف هناك . والحرية المطلقة هي كل ما يعنيهم .. الحرية في اللباس والطعام والدين واختيار الشريك .. لهذا لاتوجد غيرة حقيقية على الأنثى فما أسرع ما تترك بعلها أو صاحبها متى ما طرأ على بالها وكذلك يفعل الرجل دون أن يفكر بأية عواقب تالية لهدم البيت والتي تطال الأولاد أكثر ما تطال .
وعلى العكس في بلادنا .. ورغم كل شيء فالمرأة محترمة إلى ابعد الحدود .. لها حقوق نظرية كثيرة ولها حقوق عملية .. لها خصوصية المرأة وحرمتها واحترامها .. ولها الحق في الحفاظ على اسم عائلتها .. هذا الحق الذي اختفى في أوربا وأمريكا تماما . والذي طالبت المرأة الألمانية به من فترة قريبة .
أن هذا الوضع المزري لبعض نسائنا قد يكون نتيجة حتمية لما سبق وذكرناه عن حال الرجل .. أو قد يكون سببا له .. فإذا ما أردنا علاجا ناجعا لابد من تشخيص صحيح لمرض نتمنى ألا يصبح كالوباء . وأن لا ينتشر في مجتمعاتنا أكثر مما نرى .. إن شاء الله .
عقيد م / محمد بن فراج الشهري
alfrrajmf@hotmail.com