لعنة الرقم
قالب تحركت في سكونه الصور وسكنت في ضوضائه المشاعر ، استوت عنده البدايات والنهايات ، و به تحاذت السهول مع الذرى الشاهقات ، إنه الرقم الذي شكل فينا هويته الجمودية ، وتحكم في مصائرنا الوجودية ، هو الذي لا يكترث لتباين المذاقات وتعدد المشارب والثقافات، وهو الذي لا يفرق بين شذا الورود ورائحة احتراق الجلود ، أصم لا يسمع العويل والغناء أو القذف والثناء ، أبكم لا يتكلم إلا رمزاً ، لكنه يُسمع من به صمماً ، تراه أخرقاً حينما ترجوه حاذقاً وتراه حاذقاً حينما تظنه أخرقا ، كالشبح له أوصال في كل الأرجاء ، وما من مكان إلا و له فيه قصة تغرد تارة للفرح وللحزن تارات أخر . إنه الرقم الذي يُرجع البشر كل الفضل له فيما وصل له العالم من تقانة وتقدم ، ولم أر شخصاً واحدا يجرؤ على تعريته وكشف دوره الخفي فيما آلت إليه أمتنا من صراعات وحروب ، فمذ انتشله الإنسان من غيابة الذهن ليصبح سيد الواقع وهو يعيث بنا أيما وعث لاسيما بعد أن التحق به الصفر البغيض ، الصفر الذي لا أظن أحداً في هذه الدنيا يحفل وبه ويرغب أن يكون رفيقه وسيد جيبه ، وحده الرقم الذي رحب به ، وسعد بصحبته .
لقد كان الناس يسومون الأوزان بكلمتين فقط هما ( ثقيل وخفيف ) حسب مقتضى الحال ، وإن زاد الوزن أو نقص بشكل مفرط لا يزيدون في وصفهم ذلك بغير ( ثقيل جداً ) أو( خيف جداً ) ، دون إمعان في حساب أو تقدير ، وذلك الشأن كان شأن بقية المعايير في المساحات والأطوال والأحجام والأهم منها جميعاً الأموال ، لكن عندما دخل الرقم في تقديرها وحسابها اختلفت الأمور وتعقدت المسألة ، وأول الفرحين باكتشاف الرقم هو إبليس اللعين ، وأخاله أكثر خلق الله معرفة بأهمية الرقم في تذكية الطمع والجشع وشهوة التملك والبخل والحسد ، فالطامع الجشع يسوءه أن يملك غيره المال وهو لا يدرك عدده فما حاله بعد أن يعلم مقداره وقيمته رقماً ، لا شك أن مع كل رقم يربو لدى غيره يربو معه في صدره معيار طمعه وجشعه ، وهو ما ينطبق تماما على البخيل وصاحب الحسد .
والعجيب أن العرب كانت أكثر الأمم احتفاء بالرقم ، وفي محاضن الحضارة الإسلامية ربا وتربب وسما وتشعب حتى أضحى عِلماً لا يتقن ترويضه إلا هم ، ومع هذا كانت المنطقة الإسلامية أكثر بلاد الأرض اكتواءً بلظى الرقم وجذوته ، أولم يسوق الغرب آلته المدمرة ذات يوم لأشلاء الكيان العربي الممزق وهيمن على مقدراته من أجل رقم ؟ أليس الرقم من زرع السرطان الصهيوني في جسد الأمة ولازالت أورامه تنهكه حتى يومنا الحاضر ؟ ألم ينفرد المشروع التطبيعي الصهيوني ببعض الأقطار العربية من أجله فأحدث شرخا استعصى على عتاة السياسة العربية تضميده وإعادة ترميمه إلي الآن ؟ أوليس للرقم الدور الطاغي في احتلال العراق لدولة الكويت مما زاد من عمق التشرذم العربي وقض أركان جداره ؟ ومن هو الذي حمى ولا زال يحمي الأنظمة العربية التي تدعي الديمقراطية من التهاوي .. أليست قدرتهم وسطوتهم على التلاعب برقم الناخب وحقه في الاختيار ؟ وما الذي يدعو بعض الأنظمة الإقليمية كالنظام الإيراني للهيمنة على العراق والخليج العربي ، والسعي الحثيث لامتلاك السلاح النووي الهالك للحرث والنسل ؛ أليس الرقم ورفيف سحره تحت آبار النفط والذي يتوارى خلف مزاعمها السلمية ورغبتها في مقارعة إسرائيل ؟ ألم تصل حماس لسدة السلطة جراء الرقم ، فأثار حنق العالم عليها مع أنها كانت عملية ديمقراطية نزيهة شهد بنزاهتها مدّعو صناعتها المتباهون بابتكارها ، ومن كان يقف وراء انقسام الفلسطينيين وانشقاق صفهم ؛ ألم يكن الرقم وبريق أموال المعونات الدولية .. ألم يفتك ذاك الرقم بالقضية ، وأحال ولاء القوم له بدلاً من قدسية المقاومة وهاجس التخلص من رجس المحتل ؟ بلى والله إنه الرقم الذي فتقهم وطواهم على ذواتهم وأحالهم إلي شقين كل شق يتآمر على شقيقه .
والحادي عشر من سبتمبر ألم يكن كذلك رقم ؟ فكم من عين بكت عند أعتابه؟ وكم في المقابل من ضحكة جلجلت في كهوف الغدر والظلم رأت ولا زالت في أشلاء ذلك الرقم باباً تحفه الفضيلة من كل جانب ؟ وكم تجرعت الشعوب المسلمة المسالمة الدم والألم من قدح القاذفات الغربية بعد هذا الرقم ؟ وفي المقابل كم ربت رؤوس المال الداعم للصناعات الحربية وأنبتت من الدولارات بعد ذلك الرقم ؟ ومتى سمعنا عن امرأة قتلت لأنها محجبة قبل ذلك الرقم ، ومتى رأينا التطاول على خاتم الرسل وأكرم البشر في الصحف الغربية قبل ذلك الرقم .
وأكذوبة أنفلونزا الخنازير ألم تكن لأجل رقم ؟ وذاك التحاشد حول ماكينة سينجر ألم يكن من أجل رقم ؟ والغريب أن بعض تلك الأرقام تلبستنا من دون أن تترك لنا حتى اختيار خاناتها ، ولا أدل على ذلك من السجل المدني الذي ولدتنا أمهاتنا لنلفيه جاثماً أمامنا يتربص بنا ، فلا يدع لنا مجالا حتى للتعوذ بالله من شره ، فغدا مقدماً على أسمائنا في كل ركن من أركان هذه الدنيا ، بل لا أبالغ أن قلت أن بعض الدوائر لا تكترث حتى لأسمائنا سواء كنا أزيد من زيد أو أعمر من عمرو ، ولا أستبعد أن يأتي زمن ينسى فيه المرء اسمه واسم والده وولده ، وحينما يعرف الآخرين عن نفسه يقول أنا المواطن الذي أحمل الرقم كذا والكل يعرفني ، وأبي هو صاحب الرقم ذائع الصيت كذا ، ولي من الأبناء من رقمه كذا ، وقد يصنع لعائلته شجرة من الأرقام يسميها شجرة العائلة الرقمية . ومن فرط ما نحن فيه من لوثة الأرقام لم يعد رقم السجل المدني هو الوحيد في لوحة البشر الرقمية ، بل تعداه الأمر إلي عالم من اللوغريتمات المعقدة ، والتي تتطلب من الفرد ذاكرة قوية ناصعة النقاء حتى يتمكن من تدارك ربعها على الأقل ، مع حتمية اصطحابه مفكرة جيبية ذات سعة تخزينية عالية ؛ تستطيع استيعاب كل تلك الأرقام ، ففي المراكز الصحية لك سجل ، وفي المشفى العام لك سجل ، وفي المستوصفات الخاصة لك أرقام ، وفي العمل لك رقم ، حتى البطالة جعلت منك رقماً بائساً ، لكنه رقم يقبع خارج الإطار ... لقد كان الناس يسومون الأوزان بكلمتين فقط هما ( ثقيل وخفيف ) حسب مقتضى الحال ، وإن زاد الوزن أو نقص بشكل مفرط لا يزيدون في وصفهم ذلك بغير ( ثقيل جداً ) أو( خيف جداً ) ، دون إمعان في حساب أو تقدير ، وذلك الشأن كان شأن بقية المعايير في المساحات والأطوال والأحجام والأهم منها جميعاً الأموال ، لكن عندما دخل الرقم في تقديرها وحسابها اختلفت الأمور وتعقدت المسألة ، وأول الفرحين باكتشاف الرقم هو إبليس اللعين ، وأخاله أكثر خلق الله معرفة بأهمية الرقم في تذكية الطمع والجشع وشهوة التملك والبخل والحسد ، فالطامع الجشع يسوءه أن يملك غيره المال وهو لا يدرك عدده فما حاله بعد أن يعلم مقداره وقيمته رقماً ، لا شك أن مع كل رقم يربو لدى غيره يربو معه في صدره معيار طمعه وجشعه ، وهو ما ينطبق تماما على البخيل وصاحب الحسد .
والعجيب أن العرب كانت أكثر الأمم احتفاء بالرقم ، وفي محاضن الحضارة الإسلامية ربا وتربب وسما وتشعب حتى أضحى عِلماً لا يتقن ترويضه إلا هم ، ومع هذا كانت المنطقة الإسلامية أكثر بلاد الأرض اكتواءً بلظى الرقم وجذوته ، أولم يسوق الغرب آلته المدمرة ذات يوم لأشلاء الكيان العربي الممزق وهيمن على مقدراته من أجل رقم ؟ أليس الرقم من زرع السرطان الصهيوني في جسد الأمة ولازالت أورامه تنهكه حتى يومنا الحاضر ؟ ألم ينفرد المشروع التطبيعي الصهيوني ببعض الأقطار العربية من أجله فأحدث شرخا استعصى على عتاة السياسة العربية تضميده وإعادة ترميمه إلي الآن ؟ أوليس للرقم الدور الطاغي في احتلال العراق لدولة الكويت مما زاد من عمق التشرذم العربي وقض أركان جداره ؟ ومن هو الذي حمى ولا زال يحمي الأنظمة العربية التي تدعي الديمقراطية من التهاوي .. أليست قدرتهم وسطوتهم على التلاعب برقم الناخب وحقه في الاختيار ؟ وما الذي يدعو بعض الأنظمة الإقليمية كالنظام الإيراني للهيمنة على العراق والخليج العربي ، والسعي الحثيث لامتلاك السلاح النووي الهالك للحرث والنسل ؛ أليس الرقم ورفيف سحره تحت آبار النفط والذي يتوارى خلف مزاعمها السلمية ورغبتها في مقارعة إسرائيل ؟ ألم تصل حماس لسدة السلطة جراء الرقم ، فأثار حنق العالم عليها مع أنها كانت عملية ديمقراطية نزيهة شهد بنزاهتها مدّعو صناعتها المتباهون بابتكارها ، ومن كان يقف وراء انقسام الفلسطينيين وانشقاق صفهم ؛ ألم يكن الرقم وبريق أموال المعونات الدولية .. ألم يفتك ذاك الرقم بالقضية ، وأحال ولاء القوم له بدلاً من قدسية المقاومة وهاجس التخلص من رجس المحتل ؟ بلى والله إنه الرقم الذي فتقهم وطواهم على ذواتهم وأحالهم إلي شقين كل شق يتآمر على شقيقه .
والحادي عشر من سبتمبر ألم يكن كذلك رقم ؟ فكم من عين بكت عند أعتابه؟ وكم في المقابل من ضحكة جلجلت في كهوف الغدر والظلم رأت ولا زالت في أشلاء ذلك الرقم باباً تحفه الفضيلة من كل جانب ؟ وكم تجرعت الشعوب المسلمة المسالمة الدم والألم من قدح القاذفات الغربية بعد هذا الرقم ؟ وفي المقابل كم ربت رؤوس المال الداعم للصناعات الحربية وأنبتت من الدولارات بعد ذلك الرقم ؟ ومتى سمعنا عن امرأة قتلت لأنها محجبة قبل ذلك الرقم ، ومتى رأينا التطاول على خاتم الرسل وأكرم البشر في الصحف الغربية قبل ذلك الرقم .
بقلم
عبد الرحمن ظافر الشهري
عبد الرحمن ظافر الشهري