×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

صدق محبة المصطفى (ص)

التحرير
بواسطة : التحرير
صدق محبة المصطفى (ص)
الجمعة 14/ 6/1431هـ


الحمد لله رب العالمين؛ خلق خلقه فدبرهم، وشرع لهم من الدين ما يصلحهم [صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ] {البقرة:138} نحمده على هدايته، ونشكره على رعايته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله؛ اصطفاه الله تعالى للعالمين رسولا، وزاده رفعة وتفضيلا، فهو صاحب الحوض والفضيلة والشفاعة والوسيلة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، خير صحب وآل، والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {المائدة:35}.
أيها المسلمون
إن الحديث يحلو عن العظماء من الناس، ولكن هناك حديث خاص لا يجاريه أي حديث في روعته وحلاوته والطرب به والشوق إليه، حديث عن رجل ملأ حبه قلوب المؤمنين ، واصطفاه الله على الناس أجمعين، فجعله أكرمهم وأحبهم إليه، إنه رسول الله (ص) الذي تشتاق إليه النفوس، وبذكره ترق وتلين القلوب، وعند الحديث عنه تتشوف النفوس المؤمنة إلى رؤيته والالتقاء به في الجنان، والموعد حوضه الشريف حيث ينتظر المؤمنين، يأتون إليه غرًا محجلين عن باقي الأمم، كي يشربوا من حوضه الشريف شربه هنيئة لا يظمؤون بعدها أبدا.
عباد الله
أشواقنا نحو الحجاز تطلعت كحنين مغترب إلى الأوطان
إن الطيور و إن قصصت جناحها تسمو بهمتها إلى الطيران
كان الظلام و لم يكن غيره , و كان الحق للقوة , و كانت الظلم سائد . و لكن هذا كله تغير ببعثة محمد (ص) .
لما أطل محمد زكت الربى و أطل في البستان كل هشيم
تعالوا في هذا اليوم , لنطرب الآذان بحديث عن حب المصطفى (ص) , فلا نجاة لمن لا يحبه , و لا فلاح لمن لا يقدمه على نفسه و ماله و ولده فعن عبد الله بن هشام قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال عمر : فإنه الآن لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله علي و سلم : ( الآن يا عمر ) .
عباد الله
إن الرعيل الأول كانوا مع الرسول (ص) ، و عرف أولئك أن يأخذوا الإيمان والخلق والعبادة من نبيهم ومن هديه، فارتقوا في درجات سلم العبودية، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه.
لما أدرك الصحابة نعمة بعثة الرسول (ص) بينهم قام في قلوبهم من حبه الشيء العظيم، فعَمَرَ ذكره والثناء عليه قلوبهم ومجالسهم، ما إن يسمعوا بلالاً يردد من خلفه بصدق: (أشهد أن محمدًا رسول الله) فيكررونها حارّة من قلوبهم، فتترجم حية في واقع حياتهم، فهذا مهتمّ بأمر سواكه، وهذا مهتمّ بنعله، وهذا مهتمّ بوضوئه وطهوره، وهذا يصلح له دابته، وهذا يحفظ له ماله وقوته، وهذا يبادر إليه فيستضيفه، وهذا وهذا، وتجاوز بهم الحب إلى أن يقتسموا شعره إذا حلقه، ويتوضؤون بفضلة وضوئه
قال عروة بن مسعود: يا قوم، والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك، فما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا ، والله ما يحدّون النظر إليه تعظيمًا له، وما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فيدلك بها وجهه وصدره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه.
وها هم يرحلون في طلب حديثه وذكره وكلامه الشهور الطويلة من أجل تجديد العهد بحديثه وجرسه في أسماعهم وصداه في قلوبهم.
نعم، لقد شهد أولئك النفر والصحب الكرام حق الشهادة أن محمدًا رسول الله، فأحبوه صدق المحبة، كان الرجل منهم ما إن يخلو بأهله فيذكر أنه قد يفترق عن حبيبه ورسوله في الآخرة حتى يُرى أثر ذلك في وجهه، فتصيبه الهموم والأحزان. كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم شديد الحب له قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه يعرف الحزن في وجهه فقال له : " ما غير لونك " ؟ فقال : يا رسول الله ما بي من مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك
ثم إني إذا ذكرت الآخرة أخاف ألا أراك لأنك ترفع إلى عليين مع النبيين
وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك وإن لم أدخل الجنة لم أرك أبدا فنزل قوله تعالى : وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:69، 70]. وما فرح الصحابة فرحًا مثل فرحهم عندما جاء ذلك الأعرابي فقال: يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولمّا يلحق بهم، قال عليه الصلاة والسلام: ((المرء مع من أحب))، قال أنس: فأنا أحب النبي وأبا بكر وعمر.
نعم، بمثل هذا كان يحدّث الرجل منهم نفسه، وذلك لتمام المحبة لهذا النبي ، كان الواحد منهم يحدث نفسه: هذه مجالسنا معه في الدنيا، فهل ـ يا ترى ـ نكون معه في الجنة؟! هذا السؤال كان يشغل جانبًا كبيرًا من مشاعر وأحاسيس ووجدان أولئك المؤمنين الصادقين.
لقد شهدوا حق الشهادة أن محمدًا رسول الله، فأحبوه صدق المحبة، محبة أخرجتهم من ملذاتهم ومراداتهم إلى مراده هو وما يأمر به وينهى عنه، فلم يبق في قلوبهم تعظيم لأحد من الخلق أو توقير فوق تعظيم وتقدير رسول رب العالمين . جادوا بأموالهم في سبيل دينه ودعوته، جادوا بأنفسهم في سبيل الذب عنه.
تجود بالنفس إذا ضن البخيل بهاوالجود بالنفس أقصى غاية الجود
كان الشيخ الهرم الكهل الذي فني وذهبت قوته وأقبل ضعفه وذهبت صحته وأقبل مرضه كان يتمنى أن لو كان شابًا يقاتل ويناضل عن رسول الله .
بل إن ذكره يهيج مشاعرهم بعد وفاته , فهذا بلال بعد وفاة المصطفى (ص) يركب راحلته، ويقصد المدينة، ويأتى قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده، فأقبل الحسنّ والحسين فجعل يضمّهما ويقبّلهما، فقالا له: يا بلال، نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذّنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في السّحر، يالها من ساعة ما أجملها , فهل يستجيب بلال لهذا الطلب , ألم يكن بلال قد تراك الأذان بعد وفاة الرسول (ص) كيف كانت مشاعرك يا بلال
دماءٌ مزجناها بحب محمدٍ وأكبادنا من شوقها تتوقد
ولكن بلال استجاب لمطلبهم ، وصعد بخطى مترددة فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه على عهد رسول الله (ص) , وشرع في الأذان ،وسمع أهل المدينة صوتا له في نفوسهم ذكريات , لقد رجع بهم إلى أيام هي أحلى الأيام , لقد ثارت مشاعرهم , لقد ذكرهم بمحمد (ص) فلّما أن قال: الله اكبر الله أكبر، ارتجّت المدينة، فلّما أن قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، زاد تعاجيجها، فلّما أن قال: أشهد أن محمداً رسول الله، خرج العواتق من خدرهنّ؛ فقالوا: أبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فما رؤي يوماً أكثر باكياً وباكية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم.
والله ما ذرأ الاله ولا برا بشرا ولا مَلَكاً كأحمدَ في الورى
فعليه صلى الله ما قلم جرى وجلا الدياجي نورهُ المتبَسِّمُ
فبربه صلوا عليه وسلموا
أيها المؤمنون
لقد سار على نهج الصحابة من أتى بعدهم من الصالحين ,قال مصعب بن عبد الله : كان مالك إذا ذكر النبي (ص) يتغير لونه و ينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه , فقيل له يوماً في ذلك , فقال لو رأيتم ما رأيت ما أنكرتم علي ما ترون , و ذكر مالك عن محمد بن المنكدر
و كان سيد القراء (( لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه )) , و لقد كنت أرى جعفر بن محمد و كان كثير الدعابة و التبسم فإذا ذكر عنده النبي (ص) اصفر لونه , و ما رأيته يحدث عن رسول الله (ص) إلا على طهارة , و كان الحسن رحمه الله إذا ذكر حديث حنين الجذع و بكائه يقول : يا معشر المسلمين , الخشبة تحن إلى رسول الله (ص) شوقاً للقائه؛ فأنتم احق أن تشتاقوا إليه .
و كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي (ص) فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم , و قد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله (ص) , و كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا ذكر عنده النبي (ص) بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع
نزف البكاء دموع عينك فاستعر عيناً لغيرك دمعها مدرار
قال عمرو بن ميمون : اختلفت إلى ابن مسعود سنة فما سمعته يقول : قال رسول الله (ص) ( و ذلك تورعاً منه أن يقول على رسول (ص) ما لم يقل )
, إلا أنه حدّث يوماً فجرى على لسانه : قال رسول الله (ص) , ثم علاه كرب , حتى رأيت العرق يتحدر عن جبهته , ثم قال : هكذا إن شاء الله , أو فوق ذا , أو ما دون ذا , ثم انتفخت أوداجه , و تربد وجهه و تغرغرت عيناه .
الروح والملأ الملائِك حوله للدين والدنيا به بُشَراءُ
لي في مديحك يا رسولُ عرائسٌ تُيِّمْنَ فيك وشاقهن جِلاءُ
أنت الذي نظم البريةَ دِينُهُ ماذا يقول وينظم الشعراءُ
صلى عليك الله ما صحب الدجى حادٍ وحنَّت بالفلا وجناءُ
أقول ما سمتعم ..



الخطبة الثانية


الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
عباد الله
لا توجد منةٌ لإنسان مهما بلغ مثل منّة الرسول على هذه الأمة، فما من بيت إلا ونالته من بركة هذا النبي الكريم أشياء وأشياء. رُئي الإمام أحمد رحمه الله في المنام بعد موته، فسُئل عن حاله، فقال: "لولا هذا النبي الكريم لكنا مجوسًا". قال ابن رجب رحمه الله: "وهو كما قال، فإن أهل العراق لولا رسالة محمد لكانوا مجوسًا، وأهل الشام ومصر لولا رسالته لكانوا نصارى، وأهل جزيرة العرب لولا رسالته لكانوا مشركين عباد أوثان". وكان أيوب السختياني وهو من كبار التابعين يبكي كثيرًا ويقول: "لولا هذا النبي لكنا كفارًا". وهذا عبيدة بن عمرو يقول له محمد بن سيرين: إن عندنا من شعر رسول الله شيئًا من قِبل أنس بن مالك، فقال: لأن يكون عندي منه شعرة أحبُّ إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض. قال الذهبي رحمه الله: "وهذا القول من عبيدة هو معيار كمال الحب، وهو أن يؤثر شعرة نبوية على كل ذهب وفضة بأيدي الناس". ومثل هذا يقوله هذا الإمام بعد وفاة النبي بخمسين سنة. وقد كان ثابت البُناني إذا رأى أنس أخذ يده فقبلها، ويقول: "يدٌ مست يد رسول الله ".

لقد كان عليه الصلاة و السلام رحمة للانسان
فهو رحمة للشيخ الكبير , إذ سهل له العبادة , وأرشده لحسن الخاتمة .
وهو رحمة للشاب , إذ هداه إلى أجمل أعمال الفتوة وأكمل خصال الصبا , فوجه طاقته لأنبل السجايا وأجل الأخلاق .
هو رحمة للمرأة , إذ أنصفها في عالم الظلم , وحفظ حقها في دنيا الجور , وصان جانبها في مهرجان الحياة , وحفظ لها عفافها وشرفها ومستقبلها .
هو رحمة لنا جميعا
فهنيئا لمن استجاب لأوامره , وانتهى عن زواجره , والويل لمن عصى أوامره , ووقع فيما نهى عنه .
هذا وصلوا ...

بواسطة : التحرير
 0  0  2561