×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الصديق

التحرير
بواسطة : التحرير
الصديق
الجمعة 13/ 7/1431هـ


الحمد لله , نحمده و نستعينه و نستغفره , و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعملنا , من يهده الله فلا مضل له , و من يضلل فلا هادي له , و اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , و أشهد أن محمداً عبده و رسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً }الأحزاب70
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }الحشر18{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1
عباد الله
إذا قست القلوب , وجفت العيون , وبلي الإيمان في الصدور , كان حقا علينا أن نلين قلوبنا , ونسيل مدامع جفوننا , ونجدد الإيمان في صدورنا , ولعل السير تغذي شيئا من ذلك , وتبث روح الإيمان في النفوس من جديد , فسير الصالحين كازاد للأرواح , والغذاء للأبدان , فهيا لنقف مع سيرة رجل ملأ التاريخ بمواقفه , وأنزل الله فيه قرآن يتلى , وأحبه المصطفى (ص) حبا شديدا , فقد صحبه من بعثته إلى وفاته , لم يفارقه سفرا ولا حضرا , حتى قال فيه عليه الصلاة و السلام : ما لأحد عندنا يد إلا و قد كافأناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة و ما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر و لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا و إن صاحبكم خليل الله . صححه الألباني
لقد أحب الصديق محمدا عليه الصلاة و السلام حبا عظيما , فآمن به وكان من أوائل من آمنوا , و بذل لنصرة دين الله كل ما يملك وكان صابرا محتسبا , وأظهر إسلامه وألح على النبي (ص) على الظهور فقال عليه الصلاة والسلام إنا قليل فلم يزل يلح عليه حتى استجاب له , فخرج هو ومن آمن معه وكفار قريش في المسجد وقام أبو بكر في الناس خطيبا وداعيا إلى الله , فثار المشركون عليه وضربوه ضربا شديدا , ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين على وجهه , حتى ما يعرف وجهه من أنفه , فحمل إلى بيته وهم لا يشكون في موته , فلما أفاق قال : ما فعل رسول الله (ص) , فجعلت أمه تلح عليه أن يأمل أو يشرب شيئا , وجعل يقول ما فعل رسول الله (ص) , إنه حبه لرسول الله (ص) فقد نسي نفسه ونسي آلامه , ونسي جوعه وعطشه , ولا هم له غير السؤال عن محمد عليه الصلاة والسلام , فقالت أمه : والله مالي علم بصاحبك فقال : اسألي أم جميل بنت الخطاب , فلما جاءت أم جميل , وأخبرته بأن محمدا (ص) سالم معافا , قال : اين هو , قالت : في درا الأرقم , فقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أرى رسول الله (ص) فخرجتا به يتكىء عليهما , حتى أدخلتاه على رسول الله (ص) , فأكب عليه رسول الله (ص) فقبله وأكب عليه المسلمون , ورق له رسول الله (ص) رقة شديدة فقال أبو بكر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله , ليس بي بأس .
ولما اشتدت قريش في أذى المسلمين منهم من هاجر إلى الحبشة مرة أو مرتين فرارا بدينه , ثم كانت الهجرة إلى المدينة , فلما أراد الهجرة قال له عليه الصلاة والسلام : لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا , وعندما جاءه رسول الله (ص) ليخبره بأنه أذن له , كان عنده عائشة وأسماء فقال عليه الصلاة والسلام : أخرج عني من عندك , فقال : يا رسول الله : إنما هما ابنتاي , وما ذاك فداك أبي وأمي , فقال : إنه قد أذن لي في الخروج والهجرة , فقال ابو بكر : الصحبة يا رسول الله , قال : الصحبة , فبكى رضي الله عنه من شدة الفرح , قالت عائشة رضي الله عنها في هذا الشأن: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ , إنها قمة الفرح البشري , أن يتحول الفرح إلى بكاء.
ورد الكتب من الحبيب بانه سيزورني فاستعبرت أجفاني
غلب السرور علي حتى إنني من فرط ما قد سرني أبكاني
ويحدثنا عمر عن إنفاق أبي بكر فيقول : أمرنا رسول الله (ص) يوما أن نتصدق , فوافق ذلك مالا عندي , فقلت اليوم اسبق أبا بكر إن سبقته يوما , فجئت بنصف مالي , فقال رسول الله (ص) : ما أبقيت لأهلك , قلت : مثله , قال : وأتى ابو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده , فقال له رسول الله (ص) : ما أبقيت لأهلك , قال : أبقيت لهم الله ورسوله , قلت لا أسابقه إلى شيء أبدا .
وكان عليه الصلاة والسلام ينتصر لأبي بكر ومن ذلك أنه لما وقع بينه وبين ابن الخطاب شيء , فندم أبو بكر فسأل عمر أن يغفر له , فابى عليه , فذهب الى النبي (ص) فقال: يا رسول الله: إنه كان بيني وبين عمر شيء فأسرعت إليه - أي أخطأت عليه - ثم إني ندمت على ماكان مني فسألته أن يغفر لي، فأبى علي، فتبعته البقيع كله حتى تحرز بداره مني، وأقبلت إليك يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام : يغفر الله لك يا أبا بكر , يغفر الله لك يا أبا بكر , يغفر الله لك يا أبا بكر , فندم عمر وذهب لمنزل أبي بكر فلم يجده , فأتي النبي (ص) فوجده عنده , فلما راى النبي (ص) عمر جعل يتمعر وجهه , حتى أشفق أبو بكر , فجثا أبو بكر على ركبتيه ,فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم , والله أنا كنت أظلم , فقال عليه الصلاة والسلام : إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت , وقال أبو بكر صدقت , وواساني بنفسه وماله , فهل أنتم تاركو لي صاحبي , فهل تاركو لي صاحبي . فما أوذي بعدها . البخاري
ومن ذلك ما رواه ربيعة الأسلمي أنه وقع بينه وبين أبي بكر خلاف فقال أبوبكر كلمة كرهها , فطلب من ربيعة ان يرد عليه بمثلها لتكون قصاص فأبى ربيعة , فانطلق أبو بكر إلى رسول الله (ص) , فقال رجال من قوم ربيعة يقول ويستعدي عليك رسول الله , قال ربيعة : أتدرون من هذا ؟ هذا أبو بكر الصديق , هذا ثاني اثنين , هذا ذو شيبة المسلمين , إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب , فيغضب رسول الله (ص) لغضبه , فيغضب الله عز وجل لغضبهما فيهلك ربيعة , فتبعت أبا بكر حتى أتى النبي (ص) فحدثه الحديث , فرفع إلي رأسه فقال : يا ربيعه مالك ولصديق ؟ قلت يا رسول الله كان كذا وكذا , فقال لي كلمة كرهها فقال : قل لي كما قلت حتى يكون قصاصا فابيت , فقال رسول الله (ص) : أجل فلا ترد عليه , ولكن قل : غفر الله لك يا ابا بكر , فقلت : غفر الله لك يا ابا بكر , قال الحسن البصري : فولى ابو بكر رضي الله عنه وهو يبكي . رواه أحمد
كان مسابقا للخيرات مسارعا فيها فعن ابي هريرة رضي الله عنه في مسلم قال : قال رسول الله (ص) : من أصبح اليوم منكم صائما ؟ قال ابو بكر : أنا . قال : فمن تبع اليوم منكم جنازة ؟ قال ابو بكر : انا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال ابو بكر : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر : أنا . فقال رسول الله (ص) : ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة .
لازم النبي صلى الله عليه وسلم طوال إقامته بمكة، وصحبه في هجرته، ولازمه في المدينة، وشهد معه جميع الغزوات، أسلم على يديه، خمسة من العشرة المبشرين بالجنة، وهم عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف.
واشترى سبعة من المسلمين الذين كان يعذبهم الكفار بسبب إسلامهم، فأعتقهم، منهم بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعامر بن فهيرة، الذي صحبهما في هجرتهما إلى المدينة، ليخدمهما.
ولما أراد أن يُنفذ جيش أسامة، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، راجعه عمر وغيره من الصحابة، أن لا يُسير الجيش من أجل حاجتهم إليه، في قتال أهل الردة، ولكنه رضي الله عنه، صمم على تنفيذه وقال، والله لا أحل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أن الطير تخطفنا.
يقول عنه علي ابن أبي طالب (كنتَ أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأحسنهم صحبته وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم هدياً وسمتا، وأكرمهم عليه، خلفته في دينه أحسن خلافة حين ارتدوا، ولزمتَ منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنت كالجبل، لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله، أقرب الناس عندك أطوعهم لله وأتقاهم).
وسَأل مرة - أي علي بن أبي طالب - (أخبروني من أشجع الناس، فقالوا: أنت، قال: أما إني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا: لا نعلم. قال: أبو بكر، إنه لما كان يوم بدر، فجعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً، فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فوالله ما دنا منا أحدٌ إلا أبو بكر، شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يهوى إليه أحد إلا هوى إليه، فهو أشجع الناس).
قال علي رضي الله عنه: (ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، فذا يجبأه وهذا يتلتله، وهم يقولون، أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً؟ قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويجبأ هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، ثم رفع عليّ رضي الله عنه بردة كانت عليه، فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟فسكت القوم فقال: ألا تجيبونني؟ فوالله لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مثل مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن أيمانه. ..).
أما عن إنفاقه في سبيل الدين، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أجود الصحابة، قال الله تعالى: وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى قال ابن الجوزي: أجمعوا على أنها نزلت في أبي بكر.
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نفعني مالٌ قط، ما نفعني مال أبي بكر)) فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي في مال أبي بكر، كما يقضي في مال نفسه ". وأعتق سبعة كلهم يعذب في الله رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
عباد الله
و لما كان يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، اغتسل رضي الله عنه، وكان يوماً بارداً، فحمّ خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الصلاة.
وتوفى رضي الله عنه، ليلة الثلاثاء، بين المغرب والعشاء، ليلة ثلاث وعشرين من جمادى الثانية، سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وله ثلاث وستون سنة.
وكانت ابنته عائشة رضي الله عنها عند رأسه، فلما ثقل تمثلت بهذا البيت:
لعمرك ما يُغني الثراء عن الفتىإذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فكشف عن وجهه وقال: ليس كذلك، ولكن قولي: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد.
انظروا ثوبي هاذين فاغسلوهما وكفنوني فيهما، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت.
ودفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رأسه عند كتف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل معه في قبره عمر، وعثمان، وطلحة، وابنه عبد الرحمن.
وكان من بركته أن خلف على المسلمين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإن هذا من حسناته رضي الله عنهما وعن جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين.
بارك الله. .




الخطبة الثانية


الحمد لله ؛ أمر بالبر والتقوى ، وأرشد للخير والهدى ، أحمده على ما أنعم وأعطى ، وأشكره على ما أهدى وأسدى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى0 أما بعـد
هذه جهود أبي بكر في الإسلام وهذا عمله، وهذه ولايته، ولذلك فقد استحق عن جدارة قول النبي فيما رواه الترمذي: ((ما من صاحب يد إلا وقد كافأناه عليها إلا أبا بكر فإن له عند الله يدا يكافئه بها يوم القيامة )) ، وختم حياته أبا بكر عنه بالمسك بأن ولي عمر بن الخطاب الخلافة بعده فكانت خلافته عزًا وقوة للإسلام، وأوصى أبو بكر في حال موته، فقال: "أما قد ولينا أمر المسلمين فلم نأكل درهما، ولا دينارا، ولُكْنا خشن طعامهم في بطوننا، ولبسنا خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا شيء من فيء المسلمين، فانظروا ما زاد من مالي فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي "، فما تَرِكتُه يا ترى؟ ما تركة من كانت ميزانية الأمة تحت يديه ؟ لقد خلف عبدا حبشيا وبعيرا كان يسقي عليه وعباءة لا تساوي خمسة دراهم، فلما بعثوا بها إلى عمر بكى حين رآها حتى سالت دموعه، وقال: (رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده) .
نعم رحم الله أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وسائر صحابة رسول الله لقد ودع الصديق الأمة بعد أن جعل من نفسه مثلا للداعية والمجاهد والعابد والزاهد والخليفة والوالي.
عباد الله
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

بواسطة : التحرير
 0  0  2546