×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

أم المؤمنين ( عائشة رضي الله عنها )

التحرير
بواسطة : التحرير
أم المؤمنين ( عائشة رضي الله عنها )
الجمعة 8/ 10/1431هـ



الحمد لله القاهر بقدرته , الظاهر عزته , الغالب بقوته , خلق الخلق على غير مثال , هو الأول ليس قبله شيء , و هو الآخر ليس بعده شيء , و هو الظاهر ليس فوقه شيء , و هو الباطن ليس دونه شيء , سبحانه جل ثناؤه , و تقدست أسماؤه , و أشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , و لا رب سواه , و لا نعبد إلا إياه , و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله , بعثه الله للعالمين هدىً و رحمة , و جعل رزقه تحت ظل رمحه , و العزة و النصر لمن أطاعه و اتَّبعه , و الذلة و الصغار لمن خالف أمره , صلى الله و سلم و بارك عليه , و على آله الطيبين الطاهرين , و على صحابته الغر الميامين , و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعـــــــد
فاتقوا الله حق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }الحشر18
عباد الله
حين يتطاول السفهاء على العظماء , وحين يتهم الأئمة الأتقياء , حين يظهر الحمقى يتكلمون بغير حياء , ويرمون بظلمهم بيوت الأنبياء , حين يخرج هؤلاء بلا رادع يردعهم , ولا دين يمنعهم , حينها تختلج الكلمات في الصدور , وتظل الأعين في محاجرها تدور , حرقة سكبت لها العبرات من العيون , وتنهدت من أجلها صدور الغيورين , فيا سبحان الله , كيف لأذان أن تسمع بيت النبوة يرمى بالإفك فلا تحرك ساكنا .
يا الله هاهم أهل الإفك والبهتان يعودون من جديد , فيرمون حصنا من حصون الإسلام , إنها أمنا أم المؤمنين , الصديقة بنت الصديق , القرشية التيمية المكية , زوجة سيد ولد آدم , وأحب نسائه إليه , وابنة أحب الرجال إليه , المبرأة من فوق سبع سماوات .
حين رميت بالإفك من المنافق اللعين تقول عن نفسها : وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم , ولا يرقأ لي دمع , حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي , وتأتي امرأة من الأنصار فتجلس معها وتبكي لبكائها , فيا من سمعت ما سمعت في أمنا , ماذا جرى لقلبك , وكيف صنعت عيناك
قال الأندلسي في ابيات رائعة يتحث فيها بلسان عائشة رضي الله عنها فيقول :
ما شأن أم المؤمنين وشأني هدي المحب لها وضل الشاني
إني أقول مبينا عن فضلها ومترجما عن قولها بلساني
يا مبغضي لا تأتي قبر محمد فالبيت بيتي والمكان مكاني
إني خصصت على نساء محمد بصفات بر تحتهن معاني
وسبقتهن على الفضائل كلها فالسبق سبقي والعنا عناني
وتكلم الله العظيم بحجتي وبراءتي في محكم القرآن
والله في القرآن قد لعن الذي بعد البراءة بالقبيح رماني
والله وبخ من أراد تنقصي إفكا وسبح نفسه في شاني
إني لمحصنة الإزار بريئةٌ ودليل حسن طهارتي إحصاني
من حبني فليجتنب من سبني إن كان صان محبتي ورعاني
والله أسأله زيادة فضله وحمدته شكرا لما أولاني
فاللهم ارض عنها وعن أبيها , وسامحنا على تقصيرنا في حقها , وتجاوز عن زللنا , ونسألك اللهم بعزك وجبروتك أن تنتقم من منتقصها , وأن ترد كيده في نحره , وأن تشفي صدورنا وتذهب غيظ قلوبنا يا رب العالمين .
عباد الله
ثبت في الصحيحين أن عمرو بن العاص رضي الله عنه سأل النبي  : أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال : عائشة . قال : فمن الرجال ؟ قال : أبوها .
إن هذه الصحابية الجليلة قد تتلمذت في مدرسة النبوة , مدرسة الإيمان , مدرسة الفرسان , تولاها في طفولتها شيخ المسلمين وأفضلهم , ورعاها في شبابها نبي البشرية , جمعت من العلم والفضل والبيان ما جعلها تخلف في التاريخ دويا تناقل أصداءه العصور .
وفي البيت المتواضع بدأت عائشة رضي الله عنها حياتها مع رسول الله  , ستظل هذه الحياة الطيبة حديث التاريخ .
وفي بيت الزوجية غدت عائشة رضي الله عنها معلما لكل امرأة في العالم على مر العصور , لقد كانت خير زوجة كريمة النفس , كريمة اليد , صبرت مع رسول الله  على الفقر والجوع حتى كانت تمر عليها الأيام الطويلة وما يوقد في بيت رسول الله  نار , إنما كان يعيشان على التمر والماء .
وها هي عائشة الكريمة التي لا يوجد في بيتها في أكثر الأحيان غير التمر والماء تقول جَاءَتْنِى مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِى كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِى شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ ».
ولما أقبلت الدنيا على المسلمين , أتيت مرة بمائة ألف درهم وكانت صائمة ففرقتها كلها , وليس في بيتها شيء , فلما أمست قالت : يا جارية , هلمي فطري , فجاءتها بخبز وزيت , ثم قالت الجارية : أما استطعتي مما قسمتي اليوم أن تشتري لنا لحما بدرهم نفطر عليه , قالت : لا تعنفيني , لو كُنتِ ذكرتني لفعلت .
وعن تميم بن سلمة عن عروة قال : لقد رايت عائشة رضي الله عنها تقسم سبعين ألفا , وإنها لترقع جيب درعها
لقد كانت عائشة رضي الله عنها زوجة اهتمت بالتلقي عن رسول الله  , فبلغت من العلم و البلاغة ما جعلها تكون معلمة للرجال , و مرجعاً لهم في الحديث و الفقه , قال الإمام الزهري رحمه الله لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل , و قال هشام بن عروة عن أبيه قال : لقد صحبت عائشة فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآية أنزلت , و لا بفريضة , و لا بسنة , و لا بشعر و لا أروى له , و لا بيوم من أيام العرب , و لا بنسب و لا بكذا و لا بكذا ...
وقيل لمسروق , هل كانت عائشة رضي الله عنها تحسن الفرائض ؟ قال : و الله لقد رأيت أصحاب محمد  الأكابر يسألونها عن الفرائض .
وعن أبي موسى قال ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما . رواه الترمذي
ولقد رفع الله منزلتها وأعلى شأنها ففي صحيح مسلم أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهَا « إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ ». قَالَتْ فَقُلْتُ َعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
وتقول عائشة رضي الله عنها - لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِى فَقَالَ « إِنِّى ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِى حَتَّى تَسْتَأْمِرِى أَبَوَيْكِ ». قَالَتْ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَىَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِى بِفِرَاقِهِ قَالَتْ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ ( يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) قَالَتْ فَقُلْتُ فِى أَىِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَىَّ فَإِنِّى أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَتْ ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ مَا فَعَلْتُ.
وكانت رضي الله عنها مثلا يحتذى وقدوة يقتدى بها في جهاد النساء ففي غزوة أحد خرج رسول الله  لقتال المشركين وخرجت عائشة مع النساء تسقي الجرحى وتحمل قرب الماء على عاتقها , لتفرغها في أفواه المجاهدين , وشاركت في غزوة الخندق رضي الله عنها وأرضاها .
ومن المواقف التي عاشتها أمنا الصديقة رضي الله عنها وأرضاها هو موقف الإفك , موقف التهمة الشنيعة التي اتهمت بها , ولقد كان لحادثة الإفك وقع أليم على قلب أم المؤمنين - رضي الله عنها ومرت عليها وعلى رسول الله  والبيت البكري الصادق أوقات قاسية حرجة , امتدت إلى شهر من الزمن حتى نزل القرآن بالبراءة للعفيفة الشريفة وقال لها رسول الله  : يا عائشة أما والله لقد برأك الله .
رأيتك وليغفر الله لك حرّة من المحصنات غير ذات غوائل
حصان رزان ما تزنُّ بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
مهذبة قد طيب الله خيمها وطهرها من كل سوء باطل
قال شيخ الاسلام بن تيمية : فأما من سب أزواج النبي  فقال القاضي أبو يعلى : من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف . وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم .
ولما حضرت عمر ابن الخطاب الوفاة قال لابنه عبد الله : انطلق إلى عائشة فقل : يقرأ عليك عمر السلام , ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا , وقل : يستأذن عمر ابن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه .
فدخل عليها عبد الله فوجدها قاعدة تبكي , فسلم عليه وأخبرها الخبر .
قالت : كنت أريده لنفسي , ولأوثرنه به اليوم على نفسي . ففرح عمر بالخبر وقال ما كلن شيء أهم إلى من ذلك المضجع وقال : يا عبد الله إذا قبضت فاحملوني على سريري ثم قف بي على الباب فقل يستأذن عمر بن الخطاب , فإن أذنت لي فأدخلني وإن ردتني فردني على مقابر المسلمين , فإني أخشى أن يكون إذنها لي لمكان السلطان . فلما حمل واستؤذن له أذنت له رضي الله عنها وأرضاها .
لقد كانت أم المؤمنين للدنيا قالية وعن سرورها لاهية وعلى فقد أليفها باكية , يقول عروة بن الزبير ابن اختها عن زهدها : ما كانت عائشة تستجد ثوبا حتى ترقع ثوبا أو تنكسه .
وكانت تحرص على قيام الليل ولا تدعه وتوصي بالمداومة عليه فعن عبد الله بن قيس قال : قالت لي عائشة : لا تدع قيام الليل , فإن رسول الله  كان لا يدعه وكان إذا مرض او كسل صلى قاعدا .
ومن مقولاتها (( لله در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء )) وقالت (( النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يُرقُ كريمته ))وقالت (( لا سهر إلا في ثلاثة : مصل أو عروس أو مسافر )) وفي شهر رمضان من السنة الثامنة والخمسين للهجرة ألم بها المرض , وفي ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلون من شهر رمضان توفيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وارضاها ولما سمعت أم سلمة بوفاتها قالت : والها لقد كانت أحب الناس إلى رسول الله  , ودفنت بالبقيع ليلا وهي يومئذ ابنة ست وستين سنة . وكانت قد أوصت بدفنها بالبقيع , رضي الله عن أم المؤمنين الصديقة العالمة , التقية الصوامة , عائشة بنت أبي بكر الصديق .
أقول ما سمعتم ...



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين نصروا دينه , ونصروا رسوله  ودافعوا عن أهل بيته إنه سميع مجيب.
أيها المؤمنون
إن المستقبل للإسلام قال عليه الصلاة والسلام بشر هذه الأمة بالسناء والدين و الرفعة و النصر و التمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب ) إنه حديث في وسط اليأس والإحباط الذي يشعر به الكثيرون اليوم من تكالب الأعداء وضعف المسلمين ولكن الله رحيم بعباده والفرج آت لاريب .
إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطئت المكاره وأطمئنت وأرست في أماكنها الخطوب
ولم ترى لانكشاف الضر وجه ولا أغنى بحيلته الأريب
آتاك على قنوط منك غوث يمن به اللطيف المستجيب
اسأل الله العظيم جلّت قدرته أن يهيأ النصر لهذه الأمة على جميع أعدائها وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعزّ فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
هذا وصلوا ....
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
بواسطة : التحرير
 0  0  5277