×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

ورحل فايز «الإنسان» والمواطن المثقف

د. على الجحني
بواسطة : د. على الجحني
image


الحمدلله على قضائه وقدره القائل (كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) والقائل (كل نفس ذائقة الموت).
لقد رحل الأستاذ فايز بن عبدالرحمن آل ظافر الشهري وهو صابر محتسب فقد كان - رحمه الله - قريباً إلى نفس كل من عرفوه، فتواضعه الجم، وكريم خلقه، وطيب نفسه، ولين جانبه، واستقامة سلوكه، وصفاء سريرته، ووفاؤه، وسعيه في قضاء حوائج المحتاجين، جعلته من نوادر الرجال الأفاضل. فماذا عسى أن يقال إزاء هول الفاجعة وضخامة المصاب؟!

حقاً إن فراقه أليم، والتفكير بأننا لن نراه بعد اليوم جسيما. لقد رحل وترك فراغاً، ويخفف منه رضا وسلوان هذه الجموع الغفيرة التي صلت على جثمانه وامتلأت بهم ردهات مسجد الراجحي بأبها، وهذه الجموع التي حضرت لمواراته الثرى، والتي جاءت لتقديم العزاء، والدعاء له بالرحمة والمغفرة متحدثة بسيرته، ونهجه العطر.

قبل أن أكتب هذه السطور وقفت مع نفسي متذكراً ما تحتفظ به الذاكرة عن الفقيد المربي، فإذا بي أمام قامة كبيرة من السجايا والشمائل والذكريات أكبر من أن تحتويها الأسطر، فسكبت عبراتي على أوراقي قائلاً: رحم الله ذلك الفارس العصامي، فقد كان من الرعيل الأول الذين كانت لهم صولات وجولات أبلوا فيها بلاء حسناً منذ أن كان جندياً في خندق الواجب الأمني إلى أن أصبح من كبار موظفي وزارة التربية والتعليم وهو يحمل الأمانة والمواطنة الحقة في كل منصب أسند إليه.

فقد تقاعد الفقيد بعد أن خدم أربعين عاماً، وحينها تفرغ للعبادة وإصلاح ذات البين، وأعمال البر، وصلة الأرحام، والقراءة حتى في ظروف مرضه، فقد عشق القراءة دون ملل أو كلل، وكم هاتفني ليقول لي بعد تحية الإسلام: هل قرأت الكتاب الجديد لفلان، وهل طالعت مقال كذا.. في صحيفة كذا.

والجدير بالذكر أن المرحوم كان قد أدرج اسمه ليكون في قائمة المرشحين لهذا العام في جائزة تنومة للإبداع والتميز في فرع «إصلاح ذات البين»، وقدر الله وما شاء فعل.

إذا مات ذو علم وتقوى

فقد ثلمت من الإسلام ثلمة

وقد تولى الإشراف والمتابعة على إنشاء مسجد الشيخ الألباني بتنومة على أحسن المواصفات، فكان شغله الشاغل، حيث أسهم فيه مع الخيرين بجهده ووقته، يتابع مراحل بنائه بنفسه، لحظة بلحظة حتى غدا لؤلؤة جميلة، ومعلماً بارزاً في سماء مدينة تنومة الزهراء.

قد أفلح من بنى المساجد

وقرأ القرآن قائماً وقاعد

إن فقيدا بحجم الفقيد يستحق منا، ومن أسرة التربية والتعليم الشيء الكثير، وأن يطلق اسمه على بعض شوارع مسقط رأسه؛ تخليداً لدوره في البناء وما قدمه لوطنه ومجتمعه، نجماً متوهجاً في سماء التعليم والإدارة وكفالة الأيتام، ومساعدة الفقراء والمساكين، والأعمال الاجتماعية المتنوعة، حفر اسمه في قلوب زملائه وأصدقائه وجيرانه والمدرسين الذين عرفوه وعلى امتداد مساحة الوطن بمداد من ذهب.

لعمرك ما الرزية فقد مال

ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الزرية فقد حر

يموت بموته خلق كثير

عرف عنه السعي في قضاء حوائج الناس، واستقبالهم في منزله هاشاً باشاً وبكرم حاتمي وأريحية مغداقة، لم يشغله بعد تقاعده إلا الأعمال الطيبة والمعاني الجميلة، وكان يستهجن ما يمارسه بعض المتقاعدين وأهل الشكوى الكيدية من مطالبات ومشاغبات ويتمنى أن يطبق عليهم عقوبات رادعة، إنه بحق مثالي أثناء عمله الرسمي مديراً لشؤون الموظفين، وبعد تقاعده.

أجل إنه فايز وله من اسمه أوفى نصيب، فقد فاز - وأيم الله - بحب هذا الكم الهائل من البشر الذين تقاطروا للاطمئنان على صحته في أثناء مرضه في المستشفى، وبعد نبأ وفاته مشيعين ومعزين فيه، فسبحان الحي الذي لا يموت.

كان النبي ولم يخلد لأمته

لو خلد الله خلقاً قبله خلدا

للموت فينا سهام غير خاطئة

من فاته اليوم سهم لم يفته غدا

عزاؤنا الحار إلى شقيقه الشيخ مردوم بن عبدالرحمن، وأبناء الفقيد النجباء وبناته، وإلى زوجته الصالحة الصابرة، وإلى أقاربه، وعشيرته وأصدقائه وزملائه في وزارة التربية والتعليم، وكل محب له، وأستغفر الله من زلة اللسان، أو ما ند به قلم، والحمدلله من قبل ومن بعد، ولا نقول إلا ما قد قيل: إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا أبا عبدالرحمن لمحزونون.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.


٭ تنومة - زهوان
بواسطة : د. على الجحني
 0  1  4091