×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

خواطر وذكريات مع فقيد الحركة الثقافية في تنومة

خواطر وذكريات مع فقيد الحركة الثقافية في تنومة

image

بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية المُشارك بجامعة الملك خالد في أبها
والمُشرف على اثنينية تنومة الثقافية
=-=-=
الحمد لله الذي جعل لنفسه البقاء ، وكتب على من سواه الموت والفناء ، والصلاة والسلام على رسول الله الكريم ، الذي صحَّ عند الإمام مُسلم أنه قال : \" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثٍ : صدقة جارية ، وعلمُ ينتفع به ، وولدُ صالح يدعو له \" ، وعلى آله الأخيار ، وصحابته الأبرار ، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا عزيز يا غفار ، أما بعد :
ففي صباح يوم الجمعة الموافق للحادي عشر من شهر صفر 1430هـ ، فقدت مدينة تنومة واحدًا من أبنائها البررة الذين نشهد لهم بحُسن الخُلق وجميل التعامل وكريم السجايا ، ولا نُزكي على الله أحدًا ؛ حيث انتقل إلى رحمة الله تعالى العم / فايز بن عبد الرحمن أحد أبناء قبيلة آل معافا ، إحدى قبائل الشعفين بتنومة بني شهر ، عن عمرٍ يُناهز ثلاثـا وستين سنة ، إثر معاناةٍ مع المرض الذي لم يُمهله طويلاً .
ولأنه كانت تربطني بالفقيد صداقةٌ حميمة ، ومحبةٌ كبيرةٌ في الله تعالى ؛ فقد رأيت أن من واجبي تسجيل بعض الخواطر والانطباعات العاجلة التي جالت في نفسي عندما سمعت خبر وفاته وانتقاله إلى الدار الآخرة ، سائلاً المولى عز وجل له العفو والمغفرة والرحمة ، والدرجات العُلى من الجنة ، ولأهله ومُحبيه الصبر والسلوان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وهنا أقول مُستعينًا بالله تعالى : تعود بداية معرفتي بالعم فايز ( رحمه الله وغفر له ) إلى بداية عام 1403هـ ، حيث كان صديقًا لسيدي الوالد / علي أبو عرَّاد ( رحمه الله وغفر له ) ، الذي طلب مني الذهاب إليه في مقر عمله بـوزارة المعارف ( آنذاك ) ، فكانت بداية معرفتي به في ذلك الوقت الذي كُنت حلاله أُتابع بين حينٍ وآخر طلب ابتعاثي إلى إحدى الجامعات الأمريكية لدراسة وتحضير شهادة الماجستير ، ويشهد الله أنه كان نعم الرجل ، حيث اهتم بمتابعة الموضوع ومراجعته ، والسعي في إكمال إجراءاته ، و كان له بفضل الله تعالى إسهامٌ كبيرٌ في تحقيقه فجزاه الله عني خير الجزاء ، وجعل ما قدّمه أجرًا وثوابًا في ميزان حسناته .
وأذكر أنني في أحد اللقاءات خلال تلك الفترة أهديته عددًا من مجلة ( تجارة الجنوب ) التي تحول اسمها فيما بعد إلى ( الجنوب ) ، والتي تصدر عن الغرفة التجارية بأبها ، وكنت مُحررًا ومُشرفًا على الصفحة الثقافية فيها عند بداية صدورها ، فكان ( رحمه الله ) سعيدًا جدًا بها ، وسألني عن كيفية الحصول على أعدادها ، فوعدته بإرسالها له شهريًا على عنوانه البريدي ، وهنا ظهرت ملامح السعادة على مُحياه ، وارتسمت ابتسامة الرضا على شفتيه ، وما ذلك إلا لحُبه للثقافة ، ولسعادته بالمجلة التي كانت صوت المنطقة الجنوبية الإعلامي الوحيد آنذاك .
ثم استمر التواصل بيننا باللقاء مرة ، وبالاتصال الهاتفي مرةً أُخرى حتى انتقل عمله من الوزارة بالرياض إلى إدارة التعليم للبنين في مدينة أبها ، والتي بقي فيها حتى تمت إحالته للتقاعد . وعندما عاد ليستقر في تنومة كان التواصل بيننا شبه مُستمرٍ ، ولاسيما في فترة الإجازات حيث كانت تجمعنا بعض الجلسات والمناسبات التي لم تكن تخلو من الحديث عن الكثير من آمالنا وهمومنا المُشتركة في كل مجريات الحياة داخل تنومة على وجه الخصوص .
وهنا أُحب أن ألفت النظر على أنه ( عفا الله عنه ) كان متابعًا جيدًا لما يُنشر ويُبث ويُعرض في مختلف وسائل الإعلام ، ولاسيما عن تنومة أو لأبناء تنومة ، ولا يمكن أن أنسى تلك الاتصالات الهاتفية التي كان يُسعدني بها عقب كل موضوعٍ يُنشر ، أو مادة إعلاميةٍ تُبث أو تعرض ، وما تشتمل عليه كلماته الصادقة من مشاعر البهجة والسرور ، وعبارات الثناء والتشجيع والإعجاب والنقد البناء الهادف الذي كان في مجموعه بمثابة الحافز القوي للاستمرار وبذل المزيد .
ومما يجدر ذكره والتنويه عنه أن العم فايز بن عبد الرحمن ( عفا الله عنه ) ينتمي إلى أُسرةٍ معروفة في تنومة ، وتتميز بمحبتها للثقافة وشغفها بالأدب الرفيع ؛ إذ إن شقيقه الأستاذ / مردوم بن عبد الرحمن شاعرٌ شعبيُ معروف في تنومة وما جاورها ، وأكبر أبنائه المُسمى ( عبد الرحمن ) حاصلٌ على شهادة الماجستير ، ويعمل مديرًا لوحدة القبول والتسجيل بكلية المعلمين في مُحافظة جدة ، وهو إلى جانب ذلك شاعرٌ فصيحٌ وموهوبٌ ، كما أن له من الأبناء ثلاثة آخرين هم : ( مردوم ) الذي يعمل ( مسَّاحًا ) في قطاع الشؤون البلدية والقروية بالرياض . و ( سلطان ) الذي يعمل مُعلمًا في إحدى مدارس بللسمر ، أما ( غازي ) فلا يزال طالبًا .
والعم فايز ( رحمه الله رحمة الأبرار ) واحدٌ من أبرز المعروفين والمشهورين بمحبة الثقافة وتذوق الأدب الرفيع ، فقد كان مُحبًا لمجالس الأدب والمُسامرات الثقافية التي كانت تجمعنا مع كوكبة المثقفين سواءً في النادي الأدبي بمدينة أبها ، أو في بعض المناسبات الثقافية والاجتماعية في تنومة الزهراء .
وكان ( غفر الله له ) يمتلك - وهذا رأيي الشخصي فيه - حاسة ثقافيةً عالية ، وذوقًا أدبيًا رفيعًا ، كما أنه كان صاحب اهتماماتٍ واضحةٍ ومُتابعاتٍ قديمة لشتى الميادين الثقافية شعرية كانت أو قصصية ، أو مقالية ، أو وطنية ، أو نحوها .
أما دعم العم فايز لاثنينية تنومة الثقافية منذ انطلاقتها عام 1423هـ فلا تخفى ولا تُنكر ؛ لأنه كان يعدها ملكًا للجميع ، وهنا أقول : إذا كان أهل الرياضة ومُحبيها يعُدون الجمهور اللاعب رقم ( 12 ) في منافساتهم الرياضية ؛ فإنني كنت أعُد العم فايز وحده ، الداعم رقم ( 1 ) لمختلف أنشطة وفعاليات اثنينية تنومة التي كانت تحظى بالكثير من عنايته ، واهتمامه ، ودعمه ، وتشجيعه المعنوي الذي تمثل في حضوره المُميز لمعظم - إن لم يكن كل - فعالياتها ، ولا يمكن أن أكون مُبالغًا حينما أقول إنه كان فصلاً ثابتًا فيها ، كما أنه كان يعُد حضوره لفعالياتها واجبًا لازمًا وضروريًا ضمن برنامجه الأسبوعي خلال فترة الصيف من كل عام .
وليس هذا فحسب ؛ فقد كان ذلك الحضور فاعلاً وإيجابيًا نظرًا لما كان ( يرحمه الله ) يمتاز به من ميزاتٍ تمثلت في ثقافته الواسعة ، وأدبه الجم ، ومُداخلاته الثرية ، وابتسامته الدائمة ، وآرائه وأفكاره الصائبة التي لم يكن يتردد في طرحها بكل هدوءٍ ورويةٍ ولباقة في كل مناسبةٍ نلتقي فيها .
وقد سعدُت - ولله الحمد - بتكريمه ( تكريمًا معنويًا ) في إحدى الاثنينيات التي نُظمت خلال موسم الصيف لعام 1428هـ ، وهو العام ( الخامس ) من عمر الاثنينية ، وشرُفت بتسليمه شهادة ( شكرٍ وتقديرٍ ) مساء الاثنين 30 / 7 / 1428هـ ، اعترافًا من الاثنينية بتشجيعه المستمر ، ومُشاركاته الإيجابية ، ودوره الفاعل والرئيس في خدمة نشاطاتها وحضور فعالياتها .
وبعد ؛ فقد مات العم فايز ، ولن نتمكن من رؤيته والأُنس به وبحضوره المُميز في فعاليات ( اثنينية تنومة ) في عامها السابع - بإذن الله تعالى - ، وسنفتقد بذلك أخًا كريمًا وداعمًا كبيرًا من أبناء تنومة الأفاضل ، ولكنني على يقينٍ تامٍ ( بإذن الله تعالى ) أن ذكراه الطيبة ستظل خالدةً في نفوس أبناء تنومة المنصفين ، الذين يُدركون تمامًا أن العم فايز بن عبد الرحمن ، وإن كان قد انتقل - إن شاء الله تعالى - إلى جوار ربٍ كريمٍ ، إلاّ أنه قد ترك في نفوس مُحبيه - وهم كثير ولله الحمد والشكر - أجمل الذكريات وأروع المواقف التي لا يملكون معها إلا رفع الأكف الطاهرة سائلين الله تعالى أن يغفر له ، وأن يعفو عنه ، وأن يرحمه برحمته الواسعة ، وأن يكون ممن جاء وصفهم في كتاب الله العظيم بقوله جل شأنه :  يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ  ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً  فَادْخُلِي فِي عِبَادِي  وَادْخُلِي جَنَّتِي  ( سورة الفجر : 27 - 30 ) .
- وختامًا : أبتهل إلى الله تعالى قائلاً :
- رحمك الله يا فقيد الثقافة والأدب في تنومة .
- وغفر الله لك يا صاحب القلب الكبير و العطاء الوفير .
- وأحسن الله عزاءنا جميعًا في مصابنا الجلل بفقدك الأليم .
- وجمعنا الله بك في مُستقر رحمته ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
أبها في 17 / 2 / 1430هـ .



image
image
 0  0  3947