×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

مُدمِنة التَسوق

مُدمِنة التَسوق

يمكن القول أن رسائل الجوال أصبحت أدباً اجتماعيا يصعب تجاهله فهي تعكس نبض المجتمع وبعض اتجاهاته ، وما لفت نظري منها تلك الرسائل التي تقارن بين المرأة السعودية والمرأة في بعض الأقطار المجاورة من خلال عبارات عاطفية من الزوجة لزوجها ، وتظهر المرأة السعودية في هذه الرسائل الأكثر جفافاً في عباراتها العاطفية . وعلى الرغم من فكاهية هذه الرسائل إلا أن هناك من يحمل مثل هذه القناعات بل ويُسّوق لها .
والحقيقة أن مجتمعنا يعاني من قصور في الإنفاق العاطفي ، فالبعض يكنز عواطفه ولا يبوح بمشاعر المحبة والشكر حتى لوالديه ، ولا نجد الأخ يعبر لأخته بعبارات رقيقة ، ولا نلاحظ الأب والأم يتحدثان أمام أبنائهم بالعبارات التي تشعر بالأمان والثقة والتحفيز.
أما الزوجين فإن أخطر ما يواجه حياتهما الزوجية هو تدني مستوى الإنفاق العاطفي ، وعندما نبحث عن أسبابه نجد أنه مؤصلاً في النفوس منذ الصغر ؛ نتيجة تراكم معاملات وثقافة عاطفية محدودة التفاعل التلقائي المرن ، فأصبح من الصعب أن يتجاوز الفرد في حالات كثيرة هذه العاطفة المؤصلة ، إلى جانب أن المؤسسات والاجتماعية والتعليمية لم تقم بدور نوعي في التنمية الاجتماعية والأسرية و إكساب ثقافة ومهارات الاتصال الجيد منذ الصغر .
وهناك صفة مُعطِّلة للرواء أو الرواج العاطفي وهي العناد والمكابرة ، فأصبح كثير من الأزواج يرى في الرفق بالقوارير أو المعاملة العاطفية لهن مبالغة في الدلال وانتقاص للمكانة ، وهذه مكابرة واضحة وفهم قاصر لمفهوم القوامة في الإسلام .
فعادة ما نجد من الزوج التحفظ والاختزال لعبارات لا تُكلف شيئاً عندما يهديها إلى زوجته وإذا أراد أن ينطقها فكأنه ينتقص من كبريائه وشموخه ويتنازل عن كرامته أو يجرحها ، حتى أن هناك من يُعّطل بعض عواطفه ولا يبوح بها إلا وقت الشدائد أو زمن الاحتضار .
وفي ظل هذا الفقر أو الجوع العاطفي وَجدَ إعلام الإسفاف والابتذال والجمَال المزّور فرائس جاهزة فسّوق لها مشاهد وصور عاطفية تعصَبَ وعاش في وهمها وخيالاتها الكثير ولم يبق أمامهم إلا المطالبة باستقدام أو تصنيع مثل هذه العواطف.
إن في مجتمعنا رصيد من الثقافة العاطفية المباحة والمميزة ففي كل منطقة من بلادنا نلاحظ ونلمس ألفاظ وعبارات لو تمَّعنا في معانيها لوجدناها نموذج في العطاء العاطفي وتنبض بالمحبة والخيرية من مواطن القوة والسمو ولكن .. شاعر الحيّ لا يُطرب.
والمشكلة لدينا ليست في غياب العواطف عن النفوس ولكن في تفعيل وممارسة هذه العواطف خاصة بين الزوجين ؛ لأن عدم تفعيلها قد يؤدي إلى إشباع الفراغ العاطفي بممارسات سيئة ، وليس أدل على ذلك من سوق المعاكسات المتنامي والذي غالباً ما تكون نهايته بالابتزاز والسفر المتكرر إلى الخارج ، كما أنه يؤدي إلى تفشي حالات الطلاق والعنف الأسري وتمريض المشكلات ويزيد من محطات الخلافات ومضاعفة الملفات السلبية في النفوس ، إضافة إلى تأثيره على الأبناء وكل هذا يؤثر على تقدم المجتمع وإنتاجيته.
وفي هذا المجال يذكر بعض الباحثين أن هوَس الشراء لدى بعض السيدات يرجع إلى شعورهن بعدم الاهتمام أو انتقاما من أزواجهن ، وأن إدمان التسوق سببه شعور المرأة بالجوع العاطفي .فعندما يعمل الزوج نهاراً وينشغل ليلاً مع أصدقائه أو أمام التلفاز أو الكمبيوتر ، فتشعر الزوجة بالإهمال ، وتجد في السوق رفيقاً يساعدها على تفريغ مشاعرها السلبية.
لقد أصبح من الضروري عَسف النفوس وترويضها على تفعيل عواطفها الإيجابية المباحة والتي بها بعد ذكر الله يطيب العيش وتُحل المشكلات في زمن الضغوطات والعجائب.
أخيرتان :
- قال صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله).
- من لم يسعَد في بيته لن يسعد في مكان آخر ، ومن لم يُحبه أهله لن يُحبه أحد.

زهير عبدالله الشهري
مشرف تربوي وأكاديمي سعودي
Zheer.alshehri@gmail.com
 0  0  3222