غزة تغلي على صفيح ساخن والعالم يشيح بوجهه عن المأساة
غزة تغلي على صفيح ساخن والعالم يشيح بوجهه عن المأساة
ــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــ
حينما اعتقدت أمريكا أن بإمكانها نبذ حركة حماس وتحييدها في قطاع غزة والانحياز لحركة أخرى ترى أنها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني والشريك الحقيقي في عملية السلام مع إسرائيل إنما هو نتيجة لمعرفتها المسبقة بتوجه كل حركة على حده ولديها يقين من أن هناك فريق يسعى لتحرير فلسطين وهو مالا تحبذ التعامل معه وفريق يعمل من أجل السلطة فحسب مع الرضى بما يقرره العدو من مصير لهذه القضية فقامت باقتراح قيام انتخابات فلسطينية عامة لعلها تؤدي إلى تهميش حركة حماس كلياً حتى تستطيع مواصلة نسج خيوط اللعبة المخطط لها من خلال دق إسفين الخلافات بين مختلف الفصائل الفلسطينية أثناء الانتخابات لمعرفتها أيضاً من أنها سوف تؤدي إلى الإنشغال بالسلطة والصراع من أجلها بعيداً عن الموضوع الأهم في الصراع مع إسرائيل , وحينما كسبتها حماس بإرادة الشعب رغم العراقيل التي قوبلت بها من بعض القيادات الفلسطينية وشروط أمريكا وإسرائيل إلا أن ذلك لم يثني غالبية الشعب الفلسطيني عن إختيار حركة حماس من خلال التصويت لها في الدوائر الانتخابية في كافة مناطق الحكم الذاتي وكان ذلك مفاجئاً لحركة فتح التي خاضت الإنتخابات كحق مشروع لها أساساً ولكن تحت ظل الديموقراطية التي سعى إليه الفلسطينيون وفرضت نفسها عن قناعة وحينما فازت حركة حماس بأغلبية مطلقة من الناخبين الفلسطينيين حينها لم يرق الأمر للولايات المتحدة وقامت بالتعاون مع إسرائيل وأعوانها في الغرب وبعض العناصر داخل البيت الفلسطيني على هز سلطة حركة حماس وحاولت إذلالها من خلال فرض المزيد من الحصار وتشجيع إسرائيل على اعتقال رموزها وعلى رأسهم رئيس المجلس التشريعي وبعض نواب المجلس وبعض الوزراء في السلطة المنتخبة من كتلة حماس وتقييد تحركاتهم على الحدود والمعابر عند الدخول والخروج من قطاع غزة خلاف قرار إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية عدم التعامل معهم وأوهمت العالم ان الحركة هي السبب في إفشال مشروع السلطة الوطنية المؤلفة من الكتل السياسية برئاسة حماس والمصالحة الوطنية التي أعقبت تلك الأحداث الدرامية التي تعرضت لها حكومة إسماعيل هنية من بعض الرموز المحسوبة على السلطة الفلسطينية والتي أدت في نهاية المطاف إلى إقصاء الحكومة المنتخبة بقرار رئاسي أعقبه تشكيل حكومة طوارئ مؤقتة وإختفاء مفجر الخلاف بين الحركتين السياسيتين في فلسطين وتحميل الحكومة المقالة كل تبعات إنهيار الأوضاع في الأراضي الفلسطينية دون النظر إلى الأسباب الحقيقية التي حالت دون قيامها بالدور المنتظر منها خلال فترة حكمها الذي كفله لها قانون الإنتخابات الفلسطيني وبمباركة من الولايات المتحدة وإسرائيل وسقطت الأقنعة وأدينت حماس بعد ذلك داخلياً وخارجياً بحكاية الإنقلاب على الشرعية مع أنها صاحبة الحق في تشكيل الحكومة من خلال الأغلبية النيابية الذي تشكل بموجبه المجلس التشريعي بموجب قانون الطوارئ الذي طبق سريعاً على حماس بهدف إنتزاع السلطة منها تحت ذريعة تسيير الأمور حتى يحين موعد قيام إنتخابات عامة في الأراضي الفلسطينية وهو مالم يحصل حتى الآن وحوصرت على إثره في غزة الحكومة المنتخبة من الشعب الفلسطيني رغم أنها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني خلال فترة حكمها المقررة وكان من المفترض أن تحترم إرادة الشعب في إختيار من يراه والتعامل معه بواقعية في هذه المرحلة الحرجة فهو يئن أصلاً تحت رزحة الاحتلال والحكومة سواءً من فتح أو حماس أو غيرها من الفصائل الفلسطينية ليس لها أهمية لدى المحتل سوى من يجد فيه رضوخاً لمطالبه فهو يتعامل معه كما هي لعبة القط والفأر كما أن عدم قدرة أي من الحكومات المتعاقبة في السلطة الفلسطينية بدءً بالرئيس الحالي للسلطة محمود عباس وإنتهاءً برئيس حكومة الطوارئ الحالية على تحقيق أي مكاسب للشعب الفلسطيني تعطي إنطباعاً أن لا جدوى من وجود سلطة في ظل الاحتلال واللافت في الأمر أن المفاوض الفلسطيني في عملية السلام خلال فترة التفاوض لم يقدم سوى التنازلات دون الحصول على أي مكاسب تذكر للشعب الفلسطيني مقابل مكاسب كبيرة للمحتل منها كسب المزيد من الأراضي وأستطاع إختراق الصف العربي بشكل منفرد مع بعض الدول وإقامة علاقات ديبلوماسية غير قابلة للنقض تحت أي ظرف في وقت يزيد فيه القتلى من الفلسطينين ويتشردون في كل مكان من العالم ويزج بأعداد كبيرة منهم في سجون الإحتلال والعالم العربي ينظر إلى الوضع المأساوي هناك نظرة المتفرج دون إكتراث بما يحدث للشعب الأعزل من قتل وتشريد إلا من حالات شجب ونداءات ضعيفة لا تشكل أساساً قوياً لحشد الرأي العام الدولي للتعاطف مع القضية الفلسطينية على الأقل في هذه المرحلة الهزيلة من مشوار الصراع العربي الإسرائيلي مع أن هناك أناس من بني جلدة المحتل قد ذهبوا بكل جرأة إلى الأراضي المحتلة وخاضوا غمار البحر وتجشموا عناء السفر ووعثائه لمؤازرة المغلوبين على أمرهم في قطاع غزة بدافع إنساني وتضامناً مع أبنائها لمعرفتهم بالحقيقة التي غفل عنها كثير من العرب وهي صمود أهلها ومرابطتهم تحت جبروت الإحتلال الإسرائيلي الظالم الجائر وهاهي العديد من المنظمات الدولية الغير حكومية ترفض الهمجية البربرية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة ولعل الموقف الذي إتخذه الرئيس الفنزولي هوقو شافيز من طرد سفير إسرائيل قد جاء متوافقاً مع مقتضى العرف والحالة الإنسانية التي تتجسد داخل الإنسان بغض النظر عن إنتمائه العقدي أو السياسي وكان من المفترض أن يستثمر هذا الموقف النبيل من جانب العرب للحصول على مواقف مشابهة من دول أخرى ولتحذو حذوه بعض الدول العربية التي لازالت تتمسك بعلاقاتها الوطيدة مع إسرائيل رغم همجية العدوان وعدم تقدير تلك المواقف من جانب المحتل وعدم جدية مجلس الأمن في التعامل مع القضايا العربية التي إنعقد من أجلها كثيراً ولكنه لم يوفق يوماً ما في نصرة أي منها لهيمنة قوى الشر عليه,فمتى يعي العرب عموماً والفلسطينيون خصوصاً أن المسألة ليست تفاوضية مهما أبدت السلطات الإسرائيلية من إهتمام بهذه المفاوضات, فهي لاتعترف أساساً بالمواثيق والمعاهدات الدولية منذ نشأتها حتى الآن وهي إمتداد للحالة التي عاش عليها اليهود على مر التاريخ من نقض للعهود حيث يقول الحق تبارك وتعالى ((( أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لايؤمنون))) وهذه الآية وماقبلها وما بعدها نزلت في حق اليهود لتؤكد على عدم جديتهم وعدم ثقتهم بمن يتعاملون معه ودلائل مؤكدة على عدم صدقهم في الإلتزام بالمواثيق التي يقطعونها على أنفسهم لأنهم حينما يفاوضون ويقبضون ثمن مفاوضاتهم يتنصلون من أي إلتزام وأسهل الطرق لديهم هو إجراء انتخابات مبكرة وتنصيب حكومة وكنيست جديدين أولى مهامها إنكار الالتزامات السابقة مع الجانب الفلسطيني والتنصل منها ولو فكر الفلسطينيون في التنصل من إلتزاماتهم مع الجانب الإسرائيلي لوجدوا أمامهم قراراً فورياً ملزماً من مجلس الأمن في أقل من (24) ساعة وهكذا هي الخطط والتكتيكات التي تتخذها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عقود خلت ,والشيئ المثير هنا هو أن التنازلات الفلسطينية في نظر إسرائيل وأمريكا والأمم المتحدة ومنظماتها وجمعيتها العامة ومجلس الأمن تعتبر ملزمة للفلسطينيين ولا تعتبر ملزمة لإسرائيل في حالة تخليها عنه من منطلق أحقية كل حكومة إسرائيلية قادمة أن تستقل بسياستها ونهجها التفاوضي مع العرب عموماً ومع الفلسطينين خصوصاً وهو ما استغلته إسرائيل بهدف تمييع الموقف الفلسطيني وإطالة امد المفاوضات وكلما دعت الحاجة لوجود موقف فلسطيني جاد جاءت القوة العسكرية الإسرائيلية لتعبر عن حالة موقفها العدواني تجاه الفلسطينين , ومن أكبر التحديات التي يواجهها العرب في الوقت الحالي هو ترسانة إسرائيل النووية التي تحظى برعاية كاملة من أمريكا والدول الغربية ويستطيع أي مسؤول غربي صغيراً كان ام كبيراً أن يؤكد على احقية إسرائيل في إمتلاك السلاح النووي للدفاع عن النفس وضمان عدم الإخلال بميزان القوى في الشرق الأوسط خلاف الرعاية الأمريكية المطلقة وضمانها لأمن إسرائيل ولكن بالنسبة للعرب فهو خط احمر لايجب تجاوزه وهو ما تقف خلفه أمريكا وحلفائها في الغرب من أجل الحيلولة دون إمتلاك الكثير من دول العالم لهذه القدرة النووية حتى وإن كانت لأغراض سلمية من خلال حمل الدول على التوقيع على إتفاقية الحد من إنتشار السلاح النووي ولكنها في الوقت نفسه تحمي إسرائيل بما لديها من صلاحيات حق النقض (الفيتو) أو من خلال عدم إستطاعة الوكالة الدولية إلزامها بذلك بحجة عدم توقيعها على الإتفاقية الدولية للحد من إنتشار الأسلحة النووية وهو ما مهد الطريق أمامها لامتلاك ماتريده من ترسانة نووية موجهة ضد الشعوب العربية على وجه الخصوص وضد الإنسانية بوجه عام .
عبد الله محمد فايز الشهري
(مشرف قسم المقالات)
(مشرف قسم المقالات)