انطباعات زائر (2)
عندما حاولت أن أستدعي ذكريات جميلة عشتها في منطقة تنومة توهجت في خاطري صور وضيئة غمرت بوهجها نفسي وخيالي وأيقظت في أعماقي إنطباعات هي غاية في الروعة والجلال والبهاء ، حفرتها على وجه الذاكرة ضيافة كرام الرجال ، وسحر الطبيعة الغناء العذراء ، وندارة الزمان ونضارة الحياة في ذلك المكان.
حللت أبها فما ملّت العين من تملّي جمالها وروائها ، وظننت أنها مركز دائرة الجمال ولبابة ، فلما تجولت حولها أيقنت أن محيط الدائرة له أيضا جماله وفتنته ، وأيقنت أن أبها هي بوابة فقط إلى عالم لا يقل عنها بهاء ، وربما كان ابهى ، وعلى طول الطريق من أبها إلى تنومة انطلقت بنا السيارة وسط مواطن وأسماء محفورة في ذاكرة التاريخ في بللسمر وبللحمر وبني شهر .
وكم رددتها الأصداء في أعماق الوديان وعلى صفحات الريعان وقمم الجبال وكم صفرت بها أصوات الريح أو همست بها أصوات حفيف الأوراق وحسيس الغصون ، كل شيء أخضر بديع ، جبال شاهقات تكسوها الأشجار سامقات باسقات ، وتحتضنها أرض إخضوضرت في كل مكان ، ولجمالها مهابة وجلال ووقار يختفي أحيانا تحت ظلالة شفيفة من الضباب الندي البارد كما رأيت في النماص وعندها يدور الجبل وكأنه وجه جميلة خضرة أخفت وجهها خلف خمار ضبابي فتان.
أما عندما حللنا بين الناس في تنومة فإننا فعلا جئنا أهلا ، ووطنا سهلا ولقينا رحبا لقد كانت الكلمة الأساسية في اللقاء هي أن الضيف ضيف الجميع ، وكانت الوجوه مشعاعة بالمودة واللطف تعكس ما في القلوب من الصدق والعاطفة ، وفي الدعوات التي تشرفت بحضورها دارت الأحاديث الطيبة عن بلادنا وعراقة حضارتنا ، ورفعة شانها ، وأهمية بروز المملكة العربية السعودية في التاريخ العربي الإسلامي الحديث ، ومع هذه الأحاديث الطيبة جاء الطعام الطيب كذلك وكله من إنتاج ارض بلادنا الطيبة ، وضمت الموائد الكريمة من العسل والسمن واللبن ما تفيض به البلاد ، وضمت الفواكه من شتى الأنواع التي تحفل بها البساتين الملاصقة للبيوت من عنب وتين ورمان وكانت أطعمة الفطور والغداء والعشاء كلها فواحة بنكهات البلاد وخيراتها الحسان ، دالة على نفوس كريمة معطاء .
وإكتمل فرحنا بحضور مناسبة اجتماعية عزيزة على النفوس وهي الزواج فاستمتعت حقيقة بالعرضة الشعبية والأفراح التي تقام في هذه المناسبة حيث تختلط أصوات الطلقات النارية من البنادق التاريخية مع أصوات الرجال الهازجين بالقصيد وتختلط روائح البارود مع روائح الطيب والعطر الفواح ، وتتلاءم فيها نقرات الدفوف مع حركات العرضة الممراح .
عندما استكتبني الأخ الصديق العقيد / محمد فراج الشهري لأسجل انطباعاتي عن زيارتي لمنطقة تنومة لم أكن أظن في نفس القدرة على إختزال تلك الذكريات في سطور وكلمات، وذلك ببساطة لأنها ذكريات تملوء نفسي وتخالطها وتتوهج في قلبي وتضيئه واني للقلم مهما برع ولمع أن يصب النفس في أشارات أو يفرغ الوهج في ومضات .
الدكتور / محمد السناني