×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

فرض السلام : أم إستهلاك الكلام


فرض السلام : أم إستهلاك الكلام

وأنا أودَّع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد لقاء صحفي جمعنا قبل أسبوعين في قصر المؤتمرات بجدة.قال لي الرئيس: جريدة البلاد «قديمة» يا أخ ناصر أليس كذلك؟
قلت: نعم أبا مازن لكنها ليست أقل عمراً من القضية الفلسطينية. عندها ضحك الرجل بصوت عالٍ ومعه صائب عريقات المسؤول عن ملف المفاوضات مع إسرائيل وعقب الرئيس على كلامي بقوله: نحن نعاني منذ عام 48 قلت أيضاً نحن شركاء في هذه المعاناة يا فخامة الرئيس.
قبل كلام الوداع كنا قد تحدثنا عن مستقبل المفاوضات ومدى قبول إسرائيل بشروط السلطة الفلسطينية وفي مقدمتها إيقاف بناء المستوطنات وكذلك مدى نجاح العملية السلمية في ظل وجود الخلافات مع حركة حماس.
فقال: إنه لا يمكنني الجلوس مع الجانب الإسرائيلي دون الشروط المعلنة وهي بنود ترتكز على مرجعية اللجنة العربية الرباعية ولن أتنازل على الإطلاق عن هذه الشروط. وحين كان حديث أبي مازن عن حماس شعرت أن الرجل يتكلم بألم عن حالة الانشقاق مؤكداً في الوقت ذاته على انه لم يتخل بأية حال من الأحوال عن أبناء شعبه في غزة مشيراً إلى أن الصواريخ المتواضعة التي يرتهن إليها البعض هناك ليست هي الوسيلة التي يمكن من خلالها الحصول على المطالب الفلسطينية وحسم النزاع. وبالأمس أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن تحديد موعد الثاني من سبتمر القادم لبداية المفاوضات المباشرة بين فلسطين واسرائيل في واشنطن بحضور الرئيس الأمريكي باراك أوباما وملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس المصري حسني مبارك. وقد تضمن مشروع الإعلان استمرار المفاوضات لمدة عام!! وهنا يمكن القول إن الأمريكيين والإسرائيليين قد تركوا من خلال إطالة مدة المفاوضات فرصة لإسرائيل لممارسة «التمييع» والالتفاف على الطرح من ناحية والعودة من الناحية الأخرى إلى المربع الأول وتهميش الاتفاقات الموقعة ومنها إيقاف بناء المستوطنات وتقويض مشروع حل الدولتين.
كما أن الباب سيظل مفتوحاً أمام الإسرائيليين وكذلك الأمريكيين لبلورة الحالة السياسية في المنطقة بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق سواء في شكلها الجزئي الذي حصل أمس الأول أو الانسحاب الكامل المقرر في العام 2011 للميلاد على أن تطورات الملف النووي الإيراني كان حاضراً في استراتيجية تحديد زمن المفاوضات بين كل من فلسطين وإسرائيل. وهي فترة قد تعيد خلط الأوراق وتعمل على تغيير المشهد السياسي في المنطقة على أن تبادل الأدوار في تل أبيب من أهم الممارسات الإسرائيلية سواء من خلال الانتخابات الزمنية المحددة أو اختراق الاتفاقات المبدئية لأطروحات السلام من خلال «انتخابات مبكرة». إذن فإن الصورة واضحة في مفاوضات قادمة لم تكن الأولى ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة خاصة بعد التجارب التي خاضها الطرفان برعاية أمريكية أكدت واشنطن حينها أن المستوطنات تشكل عقبة في طريق السلام ثم عادت المساعدات الأمريكية بعد ذلك تنهال على إسرائيل من أجل بناء المستوطنات.
ولو عدنا إلى الوراء قليلاً لوجدنا كيف يتم تحريك المساعي الأمريكية ومتى . لنجد أن رونالد ريجان قد رفع شعار مساعٍ مهمة لحل قضية الشرق الأوسط وكان يهدف من ذلك تطمين العرب أمام مشروعه للسعي في تفكيك القوة العالمية الثانية المتمثلة في الاتحاد السوفيتي السابق.
في حين نجح كارتر في إخراج دولتين مهمتين من الصراع العسكري مع إسرائيل هما مصر والأردن.
أما «البوشان» فقد عمل الأوَّل على إقامة ما كان يسميه بالحوار الجاد في مدريد لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وكان ذلك تمهيداً لمواجهة العراق ورسالة تطمين في نفس الوقت من خلال القضية الفلسطينية لكن ذلك هو الآخر تمهيداً لغزو العراق. والآن يشعر أوباما بخطر تطورات الملف النووي الإيراني في المنطقة. فكان لابد أن يسجل موقفاً نحو عملية السلام وهي رسالة لا تقل أهمية عن الرسائل الأمريكية السابقة!!
إنه قادر على اختراق «عقبة» اللوبي الصهيوني داخل صناعة القرار الأمريكي ويسجل المشهد الأخير في مسلسل الصراع العربي الإسرائيلي؟ أم أن صفقة الطائرات الأخيرة من طراز أف 28 و35 المتطورة كانت مقابل موافقة الإسرائيليين على الدعوة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات فقط بصرف النظر عن الالتزام بالنتائج؟
سؤال ستجيب عليه المرحلة القادمة على أنني أتمنى أن التقي الرئيس أبو مازن بعد عام وقد تم حل القضية الأولى.


ناصر الشهر ي
مدير تحرير صحيفة البلاد السعودية
 0  0  2818