غازي القصيبي : سيد مرحلة وعنوان إبداع
غازي القصيبي: سيد مرحلة وعنوان إبداع
لم يكن كسائر شعراء عصره بل كان وثّاباً نحو منصات الأمسيات الشعرية منتهزاً كل فرصة للظهور ليجعل منها ألقاً ومحطة إعجاب ، وكان شعاره دوماً في كل مرة يُعاتب فيها لأجل ذلك ( زد غباً تزدد حبا ) ، تميز بعبقرية فذة وإمكانات فطرية وفقه الله لتطويرها خلال فترة توليه العديد من المهام والمسؤوليات ، ساعده في ذلك أن قيّض الله له بعض المواقف المكانية واللحظات الزمنية الهامة في تاريخ الوطن أحسن التعامل معها خاصة في الفترة التي تلت توليه منصب وزير الصحة ، وهي الفترة التي فيها ذاع صيته وبزغ نجمه كرجل محنك وقيادي لامع ، وأصبح حينها مادة متكررة في أروقة الصحافة ، وأكثر الشخصيات في عصرنا الحديث إثارة للجدل .
بالرغم من موجة الحداثة التي اجتاحت الأدب العربي خلال الفترة التي شب فيها هذا الرجل إلا أنه آثر الوفاء للشعر التقليدي الذي عرفناه من خلال دواوين تراثنا الأدبي ، ولطالما رأيناه يعدو في مضمار الأدب متجاوزاً كل الحواجز المفتعلة على الصعيد الشخصي والفكري بتمسكه الضاري بجسد ونكهة القصيدة الكلاسيكية ، بل إنه كان من أكثر المصرحين بعبثية بعض تجارب التحديث العصرية التي تبناها مجموعة من شعراء الحداثة كالسيّاب ونازك و إبراهيم جبرا ، والذين أسسوا ما يعرف في الشعر المعاصر بالتجربة التموزية ، ولم يتوقف عند هذا الحد بل كان من أوائل المناوئين لفكرة وكتاب أدونيس [ الثابت والمتحول ] والذي ربط فيه التقدم والنهضة بالتخلي عن الدين وثوابته ، كل هذه المواقف التي تجلت في تمسكه بالشكل التراثي للقصيدة العربية ورفضه القاطع لكل مظاهر الحداثة وضعته تحت مقصلة النقاد المنحازين للحداثة كالغذامي الذي وصفه بأنه نصف شاعر ونصف روائي ونصف كاتب . كما كان له موقفاً صلداً من أفكار عبدالله القصيمي ونصر أبو زيد ، ورأى في بعض أفكارهم انخلاعاً عن الدين وتنكراً للقرآن ، وقد دعاهم في أكثر من مناسبة للرجوع عن تلك الأفكار والتوبة والاستغفار .
ولم يحفل يوماً بالقومية العربية رغم تمسكه بعروبته لأنه يرى في العروبة ما لا يرى في القومية ، فالعروبة كما وصفها في بعض مقالاته بأنها لغة وحضارة حقيقية تظل باقية ما بقي العرب ، وأما القومية فقد كان يراها تهيم بعيدا عن الواقع ، وتقوم على خلط الحقائق بالأوهام ، ولا يمكن أن تعيش ، وإن عاشت فستعيش مشوهة تسيء للعروبة أكثر مما تحسن إليها .
هذه الشخصية .. أجزم أنها لن تتكرر .. وأجزم أنه سيأتي يوماً ما ويقول أحدهم ليتني عاصرت الزمن الذي ظهر فيه هذا الرجل ، فقد نأى بشعره عن مدرسة الحداثة ؛ فكان مرمى أقلامهم ، وسنّه في وجه التطرف والإيغال الفكري المنكفئ على ذاته ؛ فكان قذفه والتحريض عليه باباً من أبواب دخول الجنة ، فلا العبثية الحداثية تمكنت منه ، ولا المدرسة الدينية تمكنت منه ، ولا دعاة التحرر تمكنوا منه ، بل صاحب شعر خالص وأدب ممتع ، ورأي متجرد من الإيديولوجيات ، وهو القائل عن نفسه " لا التزام عندي إلا بعدم الالتزام " ، أخطأ كما يخطئ البشر ، وأصاب كما يحق لغيره أن يصيب ، أكثر المحاربين جلداً وصبراً على أتون حرب التصنيفات ، وحرب التأويلات ، وحرب الخوض في النيات ، لعل ذلك الكر والفر كان قدره حتى أذن الله له بالرحيل تاركاً لنا فرسه وريشة قلمه قرينتا إثبات على مرحلة أدبية وفكرية وثقافية لا بطل فيها غيره ، وكل من يقف عندها يقول : رحمك الله يا غازي القصيبي .
بالرغم من موجة الحداثة التي اجتاحت الأدب العربي خلال الفترة التي شب فيها هذا الرجل إلا أنه آثر الوفاء للشعر التقليدي الذي عرفناه من خلال دواوين تراثنا الأدبي ، ولطالما رأيناه يعدو في مضمار الأدب متجاوزاً كل الحواجز المفتعلة على الصعيد الشخصي والفكري بتمسكه الضاري بجسد ونكهة القصيدة الكلاسيكية ، بل إنه كان من أكثر المصرحين بعبثية بعض تجارب التحديث العصرية التي تبناها مجموعة من شعراء الحداثة كالسيّاب ونازك و إبراهيم جبرا ، والذين أسسوا ما يعرف في الشعر المعاصر بالتجربة التموزية ، ولم يتوقف عند هذا الحد بل كان من أوائل المناوئين لفكرة وكتاب أدونيس [ الثابت والمتحول ] والذي ربط فيه التقدم والنهضة بالتخلي عن الدين وثوابته ، كل هذه المواقف التي تجلت في تمسكه بالشكل التراثي للقصيدة العربية ورفضه القاطع لكل مظاهر الحداثة وضعته تحت مقصلة النقاد المنحازين للحداثة كالغذامي الذي وصفه بأنه نصف شاعر ونصف روائي ونصف كاتب . كما كان له موقفاً صلداً من أفكار عبدالله القصيمي ونصر أبو زيد ، ورأى في بعض أفكارهم انخلاعاً عن الدين وتنكراً للقرآن ، وقد دعاهم في أكثر من مناسبة للرجوع عن تلك الأفكار والتوبة والاستغفار .
ولم يحفل يوماً بالقومية العربية رغم تمسكه بعروبته لأنه يرى في العروبة ما لا يرى في القومية ، فالعروبة كما وصفها في بعض مقالاته بأنها لغة وحضارة حقيقية تظل باقية ما بقي العرب ، وأما القومية فقد كان يراها تهيم بعيدا عن الواقع ، وتقوم على خلط الحقائق بالأوهام ، ولا يمكن أن تعيش ، وإن عاشت فستعيش مشوهة تسيء للعروبة أكثر مما تحسن إليها .
هذه الشخصية .. أجزم أنها لن تتكرر .. وأجزم أنه سيأتي يوماً ما ويقول أحدهم ليتني عاصرت الزمن الذي ظهر فيه هذا الرجل ، فقد نأى بشعره عن مدرسة الحداثة ؛ فكان مرمى أقلامهم ، وسنّه في وجه التطرف والإيغال الفكري المنكفئ على ذاته ؛ فكان قذفه والتحريض عليه باباً من أبواب دخول الجنة ، فلا العبثية الحداثية تمكنت منه ، ولا المدرسة الدينية تمكنت منه ، ولا دعاة التحرر تمكنوا منه ، بل صاحب شعر خالص وأدب ممتع ، ورأي متجرد من الإيديولوجيات ، وهو القائل عن نفسه " لا التزام عندي إلا بعدم الالتزام " ، أخطأ كما يخطئ البشر ، وأصاب كما يحق لغيره أن يصيب ، أكثر المحاربين جلداً وصبراً على أتون حرب التصنيفات ، وحرب التأويلات ، وحرب الخوض في النيات ، لعل ذلك الكر والفر كان قدره حتى أذن الله له بالرحيل تاركاً لنا فرسه وريشة قلمه قرينتا إثبات على مرحلة أدبية وفكرية وثقافية لا بطل فيها غيره ، وكل من يقف عندها يقول : رحمك الله يا غازي القصيبي .
بقلم
عبد الرحمن ظافر الشهري
عبد الرحمن ظافر الشهري