×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الظلم

التحرير
بواسطة : التحرير
الظلم
23 / 1 / 1429هـ


الحمدُ للهِ , خلقَ الخلقَ بقدرتهِ , و قضى فيهم بعدلهِ و حكمتهِ ,
و أحاطهم بعنايتهِ و رحمتهِ , أحمدهُ و أشكرهُ , و أتوبُ إليهِ وأستغفرهُ , و اشهدُ أن لا إله إلا اللهُ و حدهُ لا شريكَ لهُ , لا يخرجُ شيءٌ عن أمرهِ , و لا يستعصي أمرٌ على قدرتهِ , فما شاءَ سبحانهُ كان , و ما لم يشأ لم يكن { بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الملك1 {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }فاطر41
و اشهد أن نبينا محمداً عبدُ اللهِ و رسولهُ , عرفَ اللهَ تعالى حقَ المعرفةِ , فعظمهُ و خشيهُ و اتقاهُ , فكان اتقى الخلقِ للهِ تعالى , و أكثرهم خضوعاً و إجلالاً لعظمتهِ تبارك و تعالى . كان عليه الصلاةُ و السلام يطيلُ الركوعَ في صلاتهِ ذلاً للهِ تاعلى و تعظيماً , و كان يقولُ في ركوعهِ : (( سبحان ذي الجبروتِ و الملكوتِ و الكبرياءِ و العظمة )) صلى اللهُ و سلمَ و باركَ عليهِ و على آلهِ و أصحابهِ و التابعينَ لهم بإحسانٍ على يومِ الدين .

أما بعـــــــــد
فأوصيكم أيها الناسُ و نفسي بتقوى اللهِ تعالى , فاتقوهُ حقَ التقوى واستمسكوا بالعروةِ الوثقى .
اتقوا من بيدهِ ملكوتُ كلِ شيءٍ و هو يجيرُ و لا يجارُ عليهِ , ارجوا رحمتهُ و خافوا عذابهُ , و احذروا نقمتهُ , فإنهُ عزيزٌ ذو انتقام {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ{12} إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ{13} وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ{14} ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} البروج .
اتصف بالكبيرياءِ و العظمةِ, و الملكِ و الجبروتِ , قال أبو هريرةَ رضي اللهُ عنهُ : قال رسول الله (ص) : (( يقبضُ اللهُ تباركَ و تعالى الأرضَ يومَ القيامةِ , و يطوي السماءَ بيمينهِ , ثم يقولُ : أنا الملكُ , أين ملوكُ الأرضِ )) متفق عليه .
و عن ابن عمرَ رضي اللهُ عنهما قال : قالَ رسولُ اللهِ (ص) :
(( يطوي اللهُ عزَّ و جلَّ السماوات يومَ القيامةِ , ثم يأخذهنَّ بيده اليمنى , ثم يقول : أنا الملكُ , أين الجبارونَ ؟ أين المتكبرونَ ؟ ثم يطوي الأرضَ بشمالهِ , ثم يقول : أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ))متفق عليه .
و من نازعَ اللهَ تعالى في العظمةِ و الكبرياءِ و الجبروتِ , فقد استوجبَ عذابَ اللهِ تعالى , كما قال سبحانهُ في الحديثِ القدسي : (( الكبيراءُ ردائي , و العظمةُ إزاري , فمن نازعني واحداً منها قذفتهُ في النارِ )) رواه أبو داود .
و قد دلت شواهدُ التاريخِ , و واقعُ البشرِ على هذهِ السنةِ الكونيةِ
فمن نازعَ اللهَ تعالى في الكبرياءِ و العظمةِ و الملكِ و الجبروتِ أهلكهُ اللهُ عزَّ و جلَّ , و سلطَ عليهِ من خلقهِ من لم يحتسب
{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ }المدثر31
إن البشرَ ضعفاء , إذا اغتنوا طغوا {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى{6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}العلق و إذا طغوا تكبروا , و إذا تكبوا تجبروا , و إذا تجبروا ظلموا ؛ و إذا ظلموا افسدوا { وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ
الفَسَادَ }البقرة205
و من أعظمِ الفسادِ : الفسادُ الذي ينشأُ من العلوِ و الاستكبارِ , العلوُ على الهِا تعالى و على شريعتهِ , و العلوُ على الخلقِ ,
و الاستكبارِ عن قبولِ الحقِ .
لقد قامتْ في الأرضِ حضارات , و انتشرتْ أمم , فشيدتْ عمراناً عظيماً , و خلَّفت تراثاً كبيراً , و لكنها استكبرتْ و ظلمتْ , فأخذها اللهُ أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ , فما بقي من حضارتهم و عمرانهم إلا آثارَ تدل الأجيالَ على شدةِ باسهم و قوتهم , و ما كانت قوتهم لتدفعَ عنهم عذابَ اللهِ تعالى {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً }فاطر44
لقد غدا الظلمُ سنةً من سننِ هلاكِ الأجيالِ , و سبباً في سقوطِ الحضاراتِ , و إبادةِ المدنياتِ , و إزالةِ الدولِ و الحكوماتِ .
ظلمت عادٌ و ثمود , و قومُ نوحٍ و قومُ لوطٍ , و فرعونُ و هامانُ و قارونُ , فأين هم ؟ و أين ممالِكُهُم , و أين عُمرانُهُم ؟
أهلكهم اللهُ تعالى بالغرقِ , و الخسفِ , و الريحِ , و الصيحةِ , و عذبهم بأنواعِ العذابِ و أنزلَ بهم ألواناً من العقوباتِ { وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }الرعد11 فأين هي دولةُ اليونانِ التي قال فيلسوفهم : (( إن اليونانيينَ ينبغي لهم أن يعاملوا الأجانبَ بما يعاملونَ به البهائم )) لقد آلت إلى الانقراض , و سلط اللهُ عليها الرومان , فاستباحوها و ورثوها , و لم تقم لهم بعدها قائمة , و لم يكن الرومانُ أحسنَ حالاً من اليونان , إذ طغوا و كفروا و ظلموا , فبادت حضارتهم كما بادَ غيرهم . إنها سنةٌ كونيةٌ , و آيةٌ ربانيةٌ {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ{100} وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ{101} وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} هود
أقول ما سمعتم و استغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين فاستغفروه و ارجوه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية

الحمد للهِ حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيهِ كما يحبُ ربنا و يرضى ,
و أشهدُ أن لا إله إلا اللهُ و حدهُ لا شريكَ لهُ , و أشهدُ أن محمداً عبدهُ و رسولهُ , صلى اللهُ و سلمَ و باركَ عليهِ و على آلهِ و أصحابهِ , و من اهتدى بهادهم على يومِ الدين .
أمابعـــد
فإن دورانَ الأيام , و تعاقبَ العوام , لا يبدلُ سنةَ اللهِ في الظالمين , و لا يغير شرعتهُ في المفسدينَ المتكبرين , فالظلمُ ظلمٌ في أيِّ وقتٍ و في أيِّ مكان , و ما يفعله قتلةُ الأنبياء بإخواننا في فلسطين , لهو من أعظمِ الظلمِ , و والله لن ينفع يهود حصارهم و بغيهم و عدوانهم , فإن الله ينصر المؤمنين , و ينتقم من الطغاة الكافرين , ففرعون كان يقتل المواليد من بني إسرائيل لدفع أمر الله تعالى , و لكن الله تعالى أتاه من حيث لم يحتسب , فتربى عدوه في بيته , و أكل طعامه , و شرب شرابه , ثم كان هلاكُهُ على يده , فالظلم مبيد الأمم و مقوض الحضارات .
و ما حضارة اليهود إلا نموذجاً للبيغي و العدوان , و علامة للظلم و الطغيان , قامت على أشلاءِ المظلومين , و تغذت من دماء المساكين , و تربعت على جماجم المضطهدين .
قامت على الظلم , و تغذت من الظلم , و لا زالت تسير من ظلم إلى ظلم , فعاقبة الظلم على الخسار , و مآل أهله على البوار .
فصبراً يا أهل الرباط , فإن نصر الله قريب و اذكروا الذين خلوا من قبلكم{ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }البقرة214
هذا و صلوا و سلما على من أمركم الله بالصلاة و السلام عليه فصلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليماً مزيداً إلى يوم الدين . اللهم اعز الإسلام و المسلمين ... اللهم انصر إخواننا في فلسطين , اللهم انصرهم في غزة . اللهم ارفع عنهم حصار البغي و العدوان , اللهم ألهمهم الصبر و السلوان , اللهم كن معهم ناصراً و معينا , يا رب العالمين , اللهم اكف بلادنا شر الفتن ما ظهر منها و ما بطن , اللهم وفق ولي امرنا لما تحب و ترضى ....
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرلين والحمد لله رب العالمين .

بواسطة : التحرير
 0  0  2613