هموم تربوية -3 -
هموم تربوية 3
في مقالين سابقين انتهيت لعدد من أهم وأبرز المشاكل المترتبة على تعرض الأطفال لمحتوى إباحي بغض النظر عن مصدر هذا المحتوى، وقد يتساءل البعض وما هو الحل أمام هذه الأخطار المحدقة وتلك اللنوافذ المشرعة داخل كل منزل؟
إن مجرد تشخيص المشكلة والتعرف عليها والاعتراف بها يعد بداية الطريق نحو الحل، أما دس الرأس في التراب والتعامي والتغافل عن القيام بالدور المنوط بكل أفراد المجتمع - وخاصة الآباء والأمهات والمربين والمربيات - فلن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة، تماما مثل كرة الثلج التي تبدأ صغيرة ثم تأخذ في التوسع حتى تسحق كل ما يعترض طريقها، ويصبح التعامل معها أصعب بكثير في المراحل المتأخرة من نموها.
فبعد أن علمنا أن هناك مشكلة، يجب علينا التنادي لوضع الحلول، وأن نُجَيِّشَ المجتمع ومؤسساته المدنية والرسمية للتصدي لا أقول للتقنية- ولكن لامتصاص الآثارالمترتبة على هذه التقنية، وحصر الآثار السلبية في أضيق الزوايا، إذ القول بعدم وجود آثار سلبية البتة فيه تجنٍّ ومبالغةٌ في تناول الموضوع كما أن القول بأن التقنية كلها ذات آثار سلبية أيضا فيه مبالغة في الجانب الآخر.
هنا بعض المقترحات، وهي اجتهاد مني وقد يرى غيري غيرَها، فلست أزعم شمولها بل قد يخفى علي جوانب تظهر لدى المربين والمختصين والباحثين أكون أنا قد أغفلتها،
أولا: المدارس يجب أن تنمي جانب الرقابة والتربية الذاتية لدى الناشئة مع الحذر كل الحذر من التعزيز السلبي للسلوك، فلا نحذٍّر الأطفال مما قد لا يعلمه بعضهم أو أكثرهم، فيذهبوا للبحث عنه ومحاولة اكتشافه، وأيضاً تعزيز السلوك السلبي عند من يمارسه بشكل لا إرادي! بل يكون التوجيه بمحاولة ملء الفراغ الممكن حصوله عند الطفل إذا ما جلس أمام الشاشة، بنشر قوائمَ بمواقعَ هادفةٍ تكون بمثابة المفضلة للطفل، ويكون بناء هذه المفضلة جماعياً بحيث يدلي كل الطلاب بدلوهم مع توجيه المعلمين لهم وتصويب أو تصحيح ما قد يجدونه من أخطاء، وربما يكون بتوفير محتوى جيد وموجه للأطفال الذين لديهم أجهزة اتصال متنقل كالجوالات، ويكون هذا المحتوى منوعاً بين الترفيه والعلوم والمعارف المختلفة، بحيث لايبقى لدى الطفل وقت ومكان فارغ للبحث عن أو الحصول على المحتوى السيء.
ثانيا: الأسرة تحمل على عاتقها عبئاً كبيراً إلى جانب المدرسة في القيام بدورها مع أبنائها، ولو أن البيت قام بدوره كما يجب، لتقلصت كثير من المشاكل وسوف أجعل تركيزي هنا على دور الأسرة أكثر من غيرها، لأنها هي المحضن الأول والملاذ الأخير للطفل، وأيضا سأحاول التركيز على خدمة الإنترنت أكثر من غيرها، وسوف يكون ذلك من خلال عدد من الجوانب:
1. من أهم ما يجب التنبه له في هذه القضية تحديداً وغيرها من القضايا التربوية، هو كسر الحاجز النفسي بين الأبناء ووالديهم، وإذابة جبال الثلج المتكونة بين الآباء وأبنائهم، وجعل الأمور في البيوت مبنية على البساطة في العلاقة والحب والمكاشفة والمصارحة، فإن هذا سيختصر على الأسرة طريقاً طويلاً وشاقاً للوصول إلى قلب الطفل.
2. يجب أن يتم ترشيد توفير الأجهزة والخدمات التقنية لأطفالنا قدر المستطاع، وعدم التساهل في هذا الموضوع، فلا يُمَكَّنُ الطفل من اقتناء كل جديد في السوق، بحجة مواكبة العصر! بل تقسم احتياجات الطفل ويُفَرّق بين ما هو حاجي وضروري وكمالي، وفي واقع الأمر، فإنني أستغرب كثيرا عند مشاهدة أجهزة البلاك بيري مثلا في أيدي الصغار، وأتوجس أيضا عندما أشاهد مجموعة من الصغار قد تحلقوا وقوفاً بعد خروجهم من أداء الصلاة! وهم يشاهدون جوال أحدهم ويتبادلون هذه المقاطع وتلك! ولعل الذين يستغربون هذا التوجس عندي - وقد يتهمونني بالوسواس - يقومون بزيارة لإحدى المدارس المجاورة ويسألون فقط عن بعض وليس كل محتوى الأجهزة وشرائح الذاكرة التي يتم مصادرتها من حين لآخر من الطلاب.
3. أيضاً يجب ترشيد وصول الأطفال في البيوت إلى الإنترنت، فلا يكون هذا الأمر متاحاً أمام الطفل بشكل مفتوح، فلابد من وضع قواعد صارمة من حيث أوقات التعامل مع الإنترنت، فيكون هناك وقت محدد لجلوس الطفل أمام الإنترنت، وينبغي أن يكون هذا الوقت أثناء وقت ذروة الحركة في البيت، وليس آخر اليل أو وقت قيلولة الوالدين مثلاً!
4. ينبغي تعويد الطفل منذ البداية على مشاركته الاطلاع على أي محتوى يريد الوصول إليه وأن يكون هناك مقعدان متلازمان: مقعد للطفل، ومقعد آخر بجواره لأحد الوالدين على الأقل، حتى يحس الطفل بالأمان، ويشعر بالفراغ في حال بقي المقعد الثاني شاغراً، وأن يكون هذا التواجد من الوالدين إيجابياً، بحيث يتبادل مع الطفل الحديث عن المواقع التي يزورها، والهدف من زيارة هذا الموقع أو ذاك، وتزويده أيضا ببعض المواقع الهادفة التي تساعده على قضاء وقته بشكل أكثر فعالية أمام الجهاز، ومشاركته الاطلاع على بريده إن كان له بريد، وهذا لايتنافى مع خصوصية الطفل، لأن دائرة الخصوصية تتسع في حال الأطفال كثيراً حتى تكاد تكون شبه معدومة لتبدأ هذه الدائرة بالضيق كلما كبر الطفل واقترب من مرحلة المراهقة وبالتالي مرحلة الشباب.
5. من المناسب أن يتعود أهل البيت من حين لآخر على عدم توفر الإنترنت بشكل دائم، فقد ينتهي الاشتراك مثلاً ويتعمد الأب عدم التجديد لفترة يراها مناسبة، لكسر عادة الجلوس أمام الجهاز، وهذه الطريقة ناجحة حتى مع الكبار أنفسهم.
6. من الأمور الهامة جداً، هو توفير برامج حماية الأطفال ومرشحات المواقع، والتي تقوم على القوائم البيضاء، بمعنى كل شيء محجوب ما عدا ما يسمح به الأبوين أو يقومان بمراجعته، وعدم ترك موضوع الترشيح للشركات المقدمة للخدمة التي تعتمد في الغالب على فكرة القوائم السوداء كل شيء مسموح إلا ما هو موجود في هذه القوائم -، وهناك الكثير من البرامج التي تقوم بهذه المهمة، وقد وجدت بعضها على الإنترنت بشكل مجاني، والبعض الآخر بمقابل، ولكني أرى هذا المقابل يستحق ماندفعه فيه مقابل حماية أطفالنا، وهذه البرامج تتفاوت من حيث ميزاتها، فمنها ما يضبط المحتوى إضافة إلى الوقت، فيسمح بالتصفح لمدة ساعة كل يوم مثلاً أو أقل أو أكثر، ويمكن تحديد هذه الساعة بوقت معين أو جعلها مفتوحة في أي وقت ومتى ما استهلك الطفل هذه الساعة يقوم البرنامج بمنع الوصول للإنترنت.
7. من أهم وأنجع الأمور تنمية مبدأ الرقابة الذاتية لدى الناشئة، فمتى ما نشأ الطفل على استشعار هذا المبدأ وأنه يجب أن يكون رقيب نفسه، فقد اختصرنا على أنفسنا الكثير الكثير من الوقت في متابعته.
8. كل ما سبق لا يغني عن جانب مهم جدا يغفله الكثير وينسون منه مع دوامة الحياة ومشاغلها، وهو الدعاء أن يحفظ الله الأبناء، وأن يكلؤهم بعينه التي لاتنام.
حفظ الله على أبناء المسلمين أخلاقهم وحماهم من كل مكروه.
إن مجرد تشخيص المشكلة والتعرف عليها والاعتراف بها يعد بداية الطريق نحو الحل، أما دس الرأس في التراب والتعامي والتغافل عن القيام بالدور المنوط بكل أفراد المجتمع - وخاصة الآباء والأمهات والمربين والمربيات - فلن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة، تماما مثل كرة الثلج التي تبدأ صغيرة ثم تأخذ في التوسع حتى تسحق كل ما يعترض طريقها، ويصبح التعامل معها أصعب بكثير في المراحل المتأخرة من نموها.
فبعد أن علمنا أن هناك مشكلة، يجب علينا التنادي لوضع الحلول، وأن نُجَيِّشَ المجتمع ومؤسساته المدنية والرسمية للتصدي لا أقول للتقنية- ولكن لامتصاص الآثارالمترتبة على هذه التقنية، وحصر الآثار السلبية في أضيق الزوايا، إذ القول بعدم وجود آثار سلبية البتة فيه تجنٍّ ومبالغةٌ في تناول الموضوع كما أن القول بأن التقنية كلها ذات آثار سلبية أيضا فيه مبالغة في الجانب الآخر.
هنا بعض المقترحات، وهي اجتهاد مني وقد يرى غيري غيرَها، فلست أزعم شمولها بل قد يخفى علي جوانب تظهر لدى المربين والمختصين والباحثين أكون أنا قد أغفلتها،
أولا: المدارس يجب أن تنمي جانب الرقابة والتربية الذاتية لدى الناشئة مع الحذر كل الحذر من التعزيز السلبي للسلوك، فلا نحذٍّر الأطفال مما قد لا يعلمه بعضهم أو أكثرهم، فيذهبوا للبحث عنه ومحاولة اكتشافه، وأيضاً تعزيز السلوك السلبي عند من يمارسه بشكل لا إرادي! بل يكون التوجيه بمحاولة ملء الفراغ الممكن حصوله عند الطفل إذا ما جلس أمام الشاشة، بنشر قوائمَ بمواقعَ هادفةٍ تكون بمثابة المفضلة للطفل، ويكون بناء هذه المفضلة جماعياً بحيث يدلي كل الطلاب بدلوهم مع توجيه المعلمين لهم وتصويب أو تصحيح ما قد يجدونه من أخطاء، وربما يكون بتوفير محتوى جيد وموجه للأطفال الذين لديهم أجهزة اتصال متنقل كالجوالات، ويكون هذا المحتوى منوعاً بين الترفيه والعلوم والمعارف المختلفة، بحيث لايبقى لدى الطفل وقت ومكان فارغ للبحث عن أو الحصول على المحتوى السيء.
ثانيا: الأسرة تحمل على عاتقها عبئاً كبيراً إلى جانب المدرسة في القيام بدورها مع أبنائها، ولو أن البيت قام بدوره كما يجب، لتقلصت كثير من المشاكل وسوف أجعل تركيزي هنا على دور الأسرة أكثر من غيرها، لأنها هي المحضن الأول والملاذ الأخير للطفل، وأيضا سأحاول التركيز على خدمة الإنترنت أكثر من غيرها، وسوف يكون ذلك من خلال عدد من الجوانب:
1. من أهم ما يجب التنبه له في هذه القضية تحديداً وغيرها من القضايا التربوية، هو كسر الحاجز النفسي بين الأبناء ووالديهم، وإذابة جبال الثلج المتكونة بين الآباء وأبنائهم، وجعل الأمور في البيوت مبنية على البساطة في العلاقة والحب والمكاشفة والمصارحة، فإن هذا سيختصر على الأسرة طريقاً طويلاً وشاقاً للوصول إلى قلب الطفل.
2. يجب أن يتم ترشيد توفير الأجهزة والخدمات التقنية لأطفالنا قدر المستطاع، وعدم التساهل في هذا الموضوع، فلا يُمَكَّنُ الطفل من اقتناء كل جديد في السوق، بحجة مواكبة العصر! بل تقسم احتياجات الطفل ويُفَرّق بين ما هو حاجي وضروري وكمالي، وفي واقع الأمر، فإنني أستغرب كثيرا عند مشاهدة أجهزة البلاك بيري مثلا في أيدي الصغار، وأتوجس أيضا عندما أشاهد مجموعة من الصغار قد تحلقوا وقوفاً بعد خروجهم من أداء الصلاة! وهم يشاهدون جوال أحدهم ويتبادلون هذه المقاطع وتلك! ولعل الذين يستغربون هذا التوجس عندي - وقد يتهمونني بالوسواس - يقومون بزيارة لإحدى المدارس المجاورة ويسألون فقط عن بعض وليس كل محتوى الأجهزة وشرائح الذاكرة التي يتم مصادرتها من حين لآخر من الطلاب.
3. أيضاً يجب ترشيد وصول الأطفال في البيوت إلى الإنترنت، فلا يكون هذا الأمر متاحاً أمام الطفل بشكل مفتوح، فلابد من وضع قواعد صارمة من حيث أوقات التعامل مع الإنترنت، فيكون هناك وقت محدد لجلوس الطفل أمام الإنترنت، وينبغي أن يكون هذا الوقت أثناء وقت ذروة الحركة في البيت، وليس آخر اليل أو وقت قيلولة الوالدين مثلاً!
4. ينبغي تعويد الطفل منذ البداية على مشاركته الاطلاع على أي محتوى يريد الوصول إليه وأن يكون هناك مقعدان متلازمان: مقعد للطفل، ومقعد آخر بجواره لأحد الوالدين على الأقل، حتى يحس الطفل بالأمان، ويشعر بالفراغ في حال بقي المقعد الثاني شاغراً، وأن يكون هذا التواجد من الوالدين إيجابياً، بحيث يتبادل مع الطفل الحديث عن المواقع التي يزورها، والهدف من زيارة هذا الموقع أو ذاك، وتزويده أيضا ببعض المواقع الهادفة التي تساعده على قضاء وقته بشكل أكثر فعالية أمام الجهاز، ومشاركته الاطلاع على بريده إن كان له بريد، وهذا لايتنافى مع خصوصية الطفل، لأن دائرة الخصوصية تتسع في حال الأطفال كثيراً حتى تكاد تكون شبه معدومة لتبدأ هذه الدائرة بالضيق كلما كبر الطفل واقترب من مرحلة المراهقة وبالتالي مرحلة الشباب.
5. من المناسب أن يتعود أهل البيت من حين لآخر على عدم توفر الإنترنت بشكل دائم، فقد ينتهي الاشتراك مثلاً ويتعمد الأب عدم التجديد لفترة يراها مناسبة، لكسر عادة الجلوس أمام الجهاز، وهذه الطريقة ناجحة حتى مع الكبار أنفسهم.
6. من الأمور الهامة جداً، هو توفير برامج حماية الأطفال ومرشحات المواقع، والتي تقوم على القوائم البيضاء، بمعنى كل شيء محجوب ما عدا ما يسمح به الأبوين أو يقومان بمراجعته، وعدم ترك موضوع الترشيح للشركات المقدمة للخدمة التي تعتمد في الغالب على فكرة القوائم السوداء كل شيء مسموح إلا ما هو موجود في هذه القوائم -، وهناك الكثير من البرامج التي تقوم بهذه المهمة، وقد وجدت بعضها على الإنترنت بشكل مجاني، والبعض الآخر بمقابل، ولكني أرى هذا المقابل يستحق ماندفعه فيه مقابل حماية أطفالنا، وهذه البرامج تتفاوت من حيث ميزاتها، فمنها ما يضبط المحتوى إضافة إلى الوقت، فيسمح بالتصفح لمدة ساعة كل يوم مثلاً أو أقل أو أكثر، ويمكن تحديد هذه الساعة بوقت معين أو جعلها مفتوحة في أي وقت ومتى ما استهلك الطفل هذه الساعة يقوم البرنامج بمنع الوصول للإنترنت.
7. من أهم وأنجع الأمور تنمية مبدأ الرقابة الذاتية لدى الناشئة، فمتى ما نشأ الطفل على استشعار هذا المبدأ وأنه يجب أن يكون رقيب نفسه، فقد اختصرنا على أنفسنا الكثير الكثير من الوقت في متابعته.
8. كل ما سبق لا يغني عن جانب مهم جدا يغفله الكثير وينسون منه مع دوامة الحياة ومشاغلها، وهو الدعاء أن يحفظ الله الأبناء، وأن يكلؤهم بعينه التي لاتنام.
حفظ الله على أبناء المسلمين أخلاقهم وحماهم من كل مكروه.
بقلم الأستاذ
علي بن غالب الشهري
علي بن غالب الشهري