المزاجية وتأثيرها على السلوك
المزاجية وتأثيرها على السلوك
للمزاج والمزاجية في حياتنا دور كبير , حتى ليبدو الأمر كأنه قانون , ربما يسد فراغاً مهماً في سيادة القانون , ولا أعني القانون السائد في عرف المحامين , بل أتوسع أكثر ليشمل قانوني النواميس , والأخلاق الإنسانية . على أنني لا أدرك سر هذا المزاج الذي يتحكم بنا , فأنت ترى النهر ينساب رائعاً عذباً جميلاً والدنيا بخير , ثم ينقطع بلا سابق إنذار أو يحوّل مجراه ليروي أرضاً أخرى ويصب في مكان آخر , وهكذا دواليك , يستمر النهر بالتقلب حتى لا تعود قادراً على معرفة مجراه الأصلي , ناهيك عن أن تكون قادراً على الوصول إلى منبعه , فهو سر من الأسرار لا يعرفه إلا الراسخون في العلم . هل نتحدث عن مثال ؟ لا بد أن لديكم فيضاً من أمثلة على هذا المزاج المتقلب العكر , قد يبدأ أوله في بيوتكم ليمتد بالتأكيد إلى أماكن عملكم , ولا ينتهي عند حد , وحتى بعض بائعينا الكرام لا يروق لهم أن نشتري منهم , فهم يريدون أن يبيعوا على مزاجهم , يختارون الزبون , وكذا البضاعة , وإلا فلا ضرورة للبيع , ومن لم يعجبه فليشرب البحر . أنت موظف نشيط بعون الله , ومديرك حلو سلس اليوم , لكنه فجأة يقلب ( خلقته ) , ولا تعرف كيف تداريه . أما الأكثر شيوعاً فهو أن يكون مقلوب الخلقة دائماً لا تعرف ما الذي يبسطه ويرضيه وما الذي يغضبه , وعلى هذا يبقى مصيرك معلقاً بين يديه ربما عمراً طويلاً , فهو هو ذات المدير , وأنت أنت ذات الموظف الذي لا يعرف أماناً ولا ترقية . أنت تلميذ صغير في المدرسة , وفيك براءة الدنيا , لكن حتى المعلمة ( الكبيرة الناضجة ) تحقد عليك لأنها حاقدة على أمك أو أبيك أو وضعك أو وضعها الاجتماعي أو الطبقي , ولا تعرف سراً لهذا الصراخ المتكرر في وجهك , الصراخ غير المبرر ولا المقنع , بمجرد أن تفتح فمك . أنت رجل خدوم وقلبك للناس , وهم لا يوفرون فرصة يطلبون فيها مساعدتك , ولا يتركون لك وقتاً ترتاح به ويكثرون مجاملتك , حتى إذا ما ضعفت أو قصرّت يوماً ولم تستطع خدمتهم قلبوا لك ظهر المجن أو تركوك في مهب الريح . نعم أنت طيب ومحبوب ما دمت تعطي , حتى إذا ما احتجت أو طلبت حتى حقوقك , صرت العدو الأول , وبلا سبب منطقي . أنت جار لا يعرف الجيران صوتك ولا يرونك لانشغالك إلا نادراً , ومع ذلك لا يقصرون في إزعاجك بكل وسيلة ممكنة , وكأنك تأكل خيرات مزارعهم أو من عرق جبينهم . أنت طبيب , أنت مهندس , أنت عسكري , أنت من أنت , أنت محكوم لأمزجة الآخرين دون أن تعرف سبباً منطقياً لأية مزاجية عجيبة تخضع لها , وما لك إلا الصبر والسلوان . والمصيبة أن ذات العدوى تنتقل إلى أطفالنا الذين يتعلمون منا الكذب والمراوغة . هل هو البطر ؟ هل هو الطفر ؟ هل هي الغيرة ؟ هل هو اللاضمير؟ هل هي المصلحة ؟ هل هو الضغط الذي يولد الانفجار حتى قبل أن يفتح الولد أو التلميذ أو المشتري أو الموظف أو المراجع فمه ؟ لا أدري .. ولا أعرف سبيلاً لمعاقبة أمثال هؤلاء سوى معاملتهم بالمثل حينما يحتاجون , وهذا عين ما يفعله البشر في بلادنا , ينتقمون من بعضهم شر انتقام حينما تحين لهم الفرصة , لا بل تراهم يتربصون ببعضهم , بانتظار وقوع المعني , حتى تقع فوق رقبته السكاكين , وعلى رأسه العصي . على أنني أعرف سبيلاً هاماً يريحكم من كل وجع الرأس هذا , هو اللامبالاة وعدم الاكتراث , فلا يهمك إن راجعك المراجع في وقته أو مات , ولا يهمك إن باعك البائع أو لم يبعك , فلا بد لدورة الأيام أن تدور , ولا بد أن هناك بدائل جيدة إن عرفت كيف تستغل قدراتك . أما أن تبقى خاملاً لا تفكر , فتبقى مرؤوساً إلى الأبد لمدير فاسد , أو مشترياً صغيراً من بائع بلا ضمير , فالذنب ذنبك لا شك , فكم من مصادر بديلة وأحسن . لكن يبقى الأصل أصلاً والحق حقاً , وأعني أن الحل كله في التربية ومكارم الأخلاق , هذه التي لا بديل لها إطلاقاً , فما الذي ينفع في أن ننتظر عمراً حتى ننتقم سوى حرق الأعصاب ؟ لهذا فإننا كلنا مدعوون إلى تبني الفضيلة في حياتنا , بدءاً من صدر الوالدة الحنون (بعيداً عن لبن الأبقار ) وانتهاء بأكبر مسؤولية نتولاها في حياتنا , إذ لا رادع سوى الأخلاق , ومن ماتت أخلاقه مات...
عقيد م / محمد بن فراج الشهري
alfrrajmf@hotmail.com
alfrrajmf@hotmail.com
[/B][/CENTER]