معركة بدر الكبرى
معركة بدر الكبرى
الحمد لله لا شيء قبله ولا شيء بعده نصر عبده واعز جنده وهزم الأحزاب وحده أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله دعا وبلغ بشر وأنذر وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
عباد الله : شهر رمضان شهر القرآن والفرقان شهر كتاب الله منار الهداية ومنبع السعادة والطريق إلى الحسنى والزيادة
" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى والفرقان .." قرآن وفرقان يملأ العقول حكمة والقلوب طهارة والنفوس انشراحا وبهجة .
وفي شهر رمضان أيها المسلمون فرقان من نوع آخر ، فرقان بين الحق والباطل فرقان بدر (المعركة الكبرى) " إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التق الجمعان "
إنه يوم بدر التي كانت فرقانا في حساب الهزائم والانتصارات وأسبابهما إن ظواهر الأسباب كانت ترجح كفة قريش في عددها وعُددها وكان المسلمون قلة في ذلك " ولقد نصركم الله ببدر وانتم أذلة " يقود أهل الشرك والضلال الشيطان وجنوده " وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ..." في جانب أهل الإيمان معية الله وتأييده ومدد ملائكته " إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ..." في صفوف الكفار إبليس وفرعون هذه الأمة أبو جهل وفي صفوف الإيمان محمد وجبريل عليهما السلام في فريقان بدر ...... صفوف المشركين أمام جحافل الحق والإيمان.......... المصير الفاجع سبعون أكثرهم من صناديد الشرك ورؤسائه دارت عليهم كؤوس الردى فتجرعوها صاغرين وسقط في الأسر سبعون وفر البقية هاربين .
كانت الغزوة في السنة الثانية من الهجرة في يوم الجمعة السابع عشر من رمضان حين بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن عيرا لقريش قادمة من الشام فندب أصحابه لأخذها واستطاع قائدها أبو سفيان النجاة بها ولكن قريشا أصرت على الخروج بطرا ورئاء الناس وصدا عن سبيل الله حتى قال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نبلغ بدرا ونقيم فيها ثلاثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا .
وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن الله قد وعده إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا وأخذ من أصحابه الرأي والمشورة فقال قائل من المهاجرين :" امض لما أمرك الله فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك .
وقال قائل الأنصار وسيدهم سعد بن معاذ رضي الله عنه اضعن حيث شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وما أخذت أحب إلينا مما تركت وما أمرت فيه من أمر فأمرنا فيه تبعا لأمرك فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ برك الغماد لنسيرن معك ولئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك وما نكره أن تلقى العدو بنا غدا إننا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع من كلام المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم ثم قال : " سيروا وابشروا فوالله لكأني أنظر إلى مصارع القوم الآن " فسار إلى الموقع واختار المكان الأصلح بعد الاستشارة واستنزل نصر الله بالتضرع والدعاء فقال : " اللهم هذه قريش جاءت بفخرها وخيلائها وخيلها تحادك وتكذب رسولك الهم نصرك الذي وعدتني اللهم عهدك ووعدك اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد " .
وسجلت استغاثتهم في قرآن يتلى إلى يوم القيامة " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم .." وأغفى الرسول صلى الله عليه وسلم غفوة ثم خرج يقول : "سيهزم القوم ويولون الدبر " وأخذ كفا من حصى فرمى به الكفار وقال شاهت الوجوه "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " فهزمت جموع الكفر وولوا الأدبار وعندها فر الشيطان وقال إني أرى ما لا ترون من الملائكة إني أخاف الله والله شديد العقاب وقد أظهر السلمون في هذه المعركة صورا نادرة من التضحية والشجاعة فمن ذلك
عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرض الصحابة على القتال قال قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجلا فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة . فقال لعمير بن الحرام رضي الله عنه جنة عرضها السماوات والأرض فألقى تمرات كن معه وقاتل حتى قتل .
وسأله عوف بن الحارث فقال يا رسول الله ما الذي يضحك الرب من عبده فقال غمس يده في العدد حاسرا فنزع درعا كانت عليه فألقاها ثم أخذ سيفه وقاتل حتى قُتل .
وشهدت أرض بدر مصرع فرعون هذه الأمة أبو جهل فقال عبد الرحمن بن عوف إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن فقال لي أحدهما سرا: يا عم أرني أبا جهل فقلت يابن اخي فما تصنع به قٌال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سواده سوادي حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك ثم قال الآخر لي مثل ما قال لي الأول فرأيت أبا جهل فقلت لهما هذا هو أبو جهل فانطلقا عليه وجعلا يضربانه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيكما قتله فقال كل منهما أنا قتلته قال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السيفين وقال كلاكما قتله ولما انتهت المعركة قال صلى الله عليه وسلم من ينظر ما فعل أبو جهل فوجده عبد الله بن مسعود وهو في آخر رمق فقال هل أخزاك الله يا عدو الله قال أبو جهل لمن الدائرة اليوم قال لله ورسوله ووضع ابن مسعود رجله على عنقه ليقطع رأسه فقال أبو جهل لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا رويعي الغنم ثم قطع رأسه وأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام الله أكبر "الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده هذا فرعون هذه الأمة.
وأما أمية بن خلف فقد أخذه عبد الرحمن بن عوف أسيرا فلما رآه بلال قال : رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا وهو الذي كان يعذب بلالا في مكة ويأمر الغلمان بسحبه في رمضاء مكة ويقول أحد أحد .
فقال عبد الرحمن بن عوف أسيري يا بلال قال بلال لا نجوت إن نجوت ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف فأحاطوا به وضربوه بالسيف حتى قطعوه وشفي صدر بلال في الدنيا من ذلك الطاغية .
" ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ".
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد :
فإن يوم بدر يوم له وقعه في نفس كل مؤمن ومؤمنة وفيه من الدروس والعبر الشيء الكثير منها :
1- أنه لا أثر للقوة مهما اكتملت فيها الوسائل والعدد ومهما كانت القيادة والتخطيط لا أثر لذلك أمام قوة الإيمان وصحة التوحيد وصفاء العقيدة فقد كان عدد جيش المسلمين 370 رجلا وعدد جيش الكفار ألف مقاتل ومع ذلك لم تغن عنهم الكثرة شيئا قال تعالى " وأما عاد فاستكبروا في الأرض وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون " .
2- كيد الشيطان ومكره فقد قال لهم وهو في صورة سراقة بن مالك " لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى مالا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ". ويقول يوم القيامة لأتباعه "إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ..." .
3- الدعاء وفضله فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه حتى سقط رداؤه من على منكبيه فقال أبو بكر يا نبي الله حسبك مناشدتك ربك فإن الله منجز لك ما وعدك .
4- أن الظلم والتسلط ومحاربة الله ورسوله ستنتهي ويظهر الإسلام مهما كانت القوة التي تواجهه وأن الله سينتقم لأوليائه فهذا بلال يقتل بين يديه أمية بن خلف الذي كان يعذبه في مكة .
5- أن ما نعيشه اليوم من تسلط لأعداء الله على المسلمين إنما هو من عند أنفسنا ومما كسبت أيدينا ومما نقترفه من الذنوب فإذا أردنا نصرا كيوم بدر أو فتحا كفتح مكة فلنغير من واقعنا ولنراجع تمسكنا بديننا " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " وإن الله قد وعد عباده المؤمنين بالنصر والتمكين " يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم " فالواجب أولا أن ينتصر الإنسان على نفسه فيلزمها الاستقامة على منهج الله عندها ننتصر على أعدائنا فان لم نغير ما بأنفسنا فان الله غني سبحانه قال " وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " وعندها يكون هناك جيلا يستحق النصر .