×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

بر الوالدين

التحرير
بواسطة : التحرير
بر الوالدين

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونثني عليه الخير كله ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله بعثه بالهدى ودين الحق فبلغ البلاغ المبين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
أيها المسلمون جبلت النفوس على حب من أحسن إليها وتعلقت القلوب بمن كان له فضل عليها وليس أعظم إحسانا ولا أكثر فضلا بعد الله سبحانه وتعالى من الوالدين حيث قرن الله حقهما بحقه وشكرهما بشكره وأوصى بهما إحسانا بعد الأمر بعبادته "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا "
لله سبحانه نعمة الخلق والإيجاد وللوالدين بإذنه نعمة التربية والإيلاد فيقول ابن عباس رضي الله عنهما ثلاث آيات مقرونات بثلاث آيات لا تقبل واحدة بغير قرينتها
"وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول" فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه
وقوله " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه
وقوله " أن اشكر لي ولوالديك "فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه
فرضى الله في رضى الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين والعجب كل العجب من عقوق الأبناء والتهاون بحقوق الوالدين
فيا عجبا لمن ربيت طفلا ألقمه بأطراف البنان
اعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني
أيها المسلمون : إحسان الوالدين وفضلهما سابق .. تأملوا حال الصغر وتذكروا ضعف الطفولة " رب ارحمهما كما ربياني صغيرا "حملتك في أحشائها تسعة أشهر وهنا على وهن حملتك كرها ووضعتك كرها ولا يزيدها نموك إلا ثقلا وضعفا وعند الوضع رأت الموت بعينها ولكن لما بصرت بك إلى جانبها سرعان ما نسيت آلامها وعلقت فيك جميع آمالها وأرضعتك من ثديها لبنا وغسلت بيمينها عنك الأذى وآثرتك على نفسها بالغذاء وصيرت حجرها لك مهدا وأنالتك إحسانا ورفدا فان أصابك مرض أو شكاية أظهرت من الأسف فوق النهاية وأطالت الحزن والنحيب وبذلت مالها للطبيب ولو خيرت بين حياتك وموتها لطلبت حياتك بأعلى صوتها هذا وكم عاملتها بسوء الخلق مرارا فدعت لك بالتوفيق سر وجهارا فلما احتاجت عند الكبر إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك فشبعت وهي جائعة ورويت وهي قانعة وقدمت عليها اهلك وأولادك بالإحسان وقابلت إياديها بالنسيان وصعب لديك أمرها وهو يسير وطال عليك عمرها وهو قصير ستعاقب في دنياك بعقوق البنين وفي أخراك بالبعد عن رب العالمين يناديك بلسان التوبيخ والتهديد (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) (الحج : 10 )وأما أبوك فأنت له مجبنة مبخلة يكد ويسعى ويدفع عنك صنوف الأذى وينتقل في الأسفار يجوب الفيافي والقفار ويتحمل الأخطار ينفق عليك ويصلحك ويربيك هذان هما والداك وتلك هي طفولتك وصباك فلماذا التنكر للجميل وعلام الغلظة والفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عبد الله بن عمر قال اقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الجهاد والهجرة ابتغي الأجر من الله قال " فهل من والديك احد حي" قال نعم بل كلاهما قال " فتبتغي الأجر من الله " قال نعم قال " فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما "وفي الصحيحين أيضا من حديث المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله حرم عليكم ثلاثا وكره لكم ثلاثا حرم عليكم عقوق الامهات ووأد البنات ..... وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال "
دخل أعرابي على احد الخلفاء وهو يصيح ويبكي فقال له الخليفة مالك قال ولدي جعت ليشبع وظمئت ليروى وعندما كبر عقني وعصاني وضربني ثم انشأ يقول
وربيته حتى إذا ما تركته أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه
تغمط حقي ظالما ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه
ولنعلم أيها الإخوة أن للوالدين دعوة مستجابة يرفعها الوالدان إلى الله عندما يكون مظلوما وتغلق في وجهه الأبواب وتسد جميع السبل فيقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين
ذكر المقدسي رحمه الله في كتاب التوابين أن شابا اسمه منازل بن لاحق كان له والد يعظه ويذكره فقال له الوالد يوما من الأيام يا ولدي احذر هفوات الشباب فان لله سطوات ما هي من الظالمين ببعيد فما كان من ذلك الولد العاق إلا أن رفع يده وضرب أباه فحلف الوالد أن يأتي بيت الله ويتعلق بأستار الكعبة ويدعو على ولده العاق وذهب إلى مكة وتعلق بأستار الكعبة وقال
يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا عرض الهامة من قرب ومن بعد
إني أتيتك يا من لا يخيب من يدعوه مبتهلا بالواحد الصمد
هذا منازل لا يرتد عن عققي فخذ بحقي يا رحمن من ولدي
وشل منه بحول منك جانبه يا من تقدس لم يولد ولم يلد
فما فرغ الوالد من دعائه حتى أصيب ولده بالشلل وعندها أحس منازل بذنبه وأدرك خطيئته فجعل يسترضي والده ويطلب منه أن يسامحه والوالد صاحب قلب رحيم فعفا عن ولده وطلب منازل من والده أن يدعوا له من المكان الذي دعا عليه فيه أي في الحرم فوافق والده وبينما هما يسيران في الطريق على ناقة لهما وهما في واد الأراك قريبا من مكة طار طائر من شجرة ففزعت الناقة فسقط الوالد من عليها ووقع على حجارة فمات منها فدفنه في ذلك الوادي وواصل منازل سيره إلى الحرم وفي ظلمة الليل وقد هجع الناس قام يناجي مولاه ارحم الراحمين ورب العالمين فيقول
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم يا كشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا وأنت عينك يا قيوم لم تنم
هب لي بجودك فضل العفو عن جرمي يا من إليه أشار الخلق في الحرم
إن كان عفوك لا يدركه ذو سرف فمن يجود على العاصين بالكرم
وكان في الحرم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال لابنه الحسن يا بني اذهب إلى صاحب هذا الصوت لعلك أن تأتيني به فوجده الحسن واتى به إلى علي بن أبي طالب فسأله عن حاله فاخبره خبره فدعا له علي بن أبي طالب وقال لولا أن أباك أراد أن يدعوا لك ما دعوت لك فشفاه الله وأصبح سليما معافى
أيها الشاب كأني بك وقد دخلت بيتك يوما ولكنه يوم غير اليوم السابق له انه يوم عدت فيه من المقبرة وقد أودعتها أباك أو أمك فتبحث في جنبات البيت عن ذلك القلب الرحيم والأمومة الحانية فلا تحس منهم أحدا ولا تسمع لهم ركزا كنت البارحة بجوارهما وأما اليوم فلا لقاء إلا في عرصات القيامة فهل تسترد غائبا أو توجد مفقودا فهما الآن يعيشان معك
أيها الشاب الم تسأل اليتيم ما فعل به اليتم يرى نفسه انه يعيش عالة يتكفف الناس أعطوه أم حرموه
ثم اعلموا أيها الإخوة أن الجزاء من جنس العمل ومن بر والده بره أبناؤه ومن عَق عُق وكما تدين تدان
خرج رجل بابيه إلى الصحراء وعندما وصلا إليها قال الوالد يا ولدي لماذا خرجت بي إلى هذا المكان قال الولد إني أريد أن أذبحك لقد أتعبتني وسئمت من خدمتك قال اتركني يا ولدي قال لا لابد من ذبحك قال إن كنت لابد فاعل فاذبحني عند تلك الصخرة قال الولد وما ضرك أن أذبحك هنا أو هناك قال اذبحني عندها فقد ذبحت أبي هناك ولك والله يا بني بمثلها
أيها الإخوة إن العار والشنار والويل والثبور يفجأ الوالدان بالتنكر للجميل كان يتطلعان إلى الإحسان ويؤملان الصلة بالمعروف فإذا بذلك الولد قد تناسى ضعف طفولته وأعجب بثيابه وفتوته وغره تعليمه وثقافته وترفع بجاهه ومرتبته وكأني بالوالدين وقد تمنيا أن لو كانا عقيمين تئن لهما الفضيلة وتبكي من اجلهما المروءة لقد اقبلا على الشيخوخة والكبر وتقدما نحو العجز والهرم بعد أن صرفا طاقتهما وصحتهما وأموالهما في تربيتك وإصلاحك فأي جزاء قدمته وأي معروف صنعته قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الإسراء : 23 )
أقول ما تسمعون .....



الخطبة الثانية


الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وعلى اله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أما بعد
فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن من البر أن يتعهد الرجل أصدقاء والديه ويحسن كرامتهم ويفي بحقهم فقد قال عليه الصلاة والسلام "إن من ابر البر صلة الرجل أهل ود أبيه "
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هل بقي علي من بر أبوي شيء ابرهما به بعد وفاتهما ؟ قال " نعم الصلاة عليهما وإنفاذ عهدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما من بعدهما "
فاستيقنوا هذا رحمكم الله فالبر بجميع وجوهه زيادة في العمر وكثرة في الرزق وصلاح في الأبناء فمن بر والديه بره أبناؤه والعقوق خيبة وخسارة وخذلان وقد قيل أن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقا ليعجل له العذاب وان الله ليزيد عمر العبد إذا كان بارا ليزيده برا وخيرا
اللهم اغفر لنا ولآبائنا وامهتنا واجزهم عنا خير الجزاء اللهم جازهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا اللهم كفر عنهما سيئاتهما وأبدل سيئاتهما حسنات واجعل جنة الفردوس مأواهما يا ارحم الراحمين اللهم اغفر لنا تقصيرنا في حقهما واجعل ذلك رفعة في درجاتهما اللهم ارزقنا بر والدينا يا حي يا قيوم
بواسطة : التحرير
 0  0  2762