الذب عن أعراض المجاهدين
الذب عن أعراض المجاهدين
الجمعة 19/ 1/1430هـ
الجمعة 19/ 1/1430هـ
الحمد لله العليم الحكيم؛ ابتلى عباده بالإسلام والكفر، وبالإيمان والنفاق، وفتن بعض بعضهم ببعض؛ ليبين كاذبهم من صادقهم، وحتى يتميز خبيثهم من طيبهم [أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ] {العنكبوت:2-3} نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على إحسانه وعطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله علانيته وسره، هو أهل أن يحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أوذي في الله تعالى فصبر حتى ظفر، وحورب من أجل دينه فثبت حتى انتصر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ نصروا دين ربهم عز وجل فنصرهم، وبذلوا له سبحانه أموالهم فأغناهم، واعتزوا بإيمانهم فأعزهم ومكن لهم، فبوأهم الأرض في الدنيا، وجزاء الآخرة أوفى، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعرفوا فضل ربكم عليكم فاشكروه، واقدروا دينكم قدره فالزموه، وأيقنوا بوعد الله تعالى لكم تجدوه [قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِالله وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] {الأعراف:128}.
أما بعد
فيا عباد الله
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح منتنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ما هذه الريح هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين . رواه أحمد
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال بعض الرواة تعني قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته قالت وحكيت له إنسانا فقال ما أحب أن حكيت لي إنسانا وأن لي كذا وكذا . رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي حديث حسن صحيح
وعن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنهما أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه فقال يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أكثر خطإ ابن آدم في لسانه . رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح.
عباد الله
هذه هي الغيبة ؛ فما أعظمها , و ما أكثر مفاسدها , فهي كبيرة من الكبائر , و كلما كان الذي يقع الناس في عرضه أحب إلى الله , كلما كانت الغيبة أعظم , و وبالها أكبر , و كلما كانت الغيبة في أمر يحبه الله و رسوله , كلما كان الخطب أشد , فكيف ينتقص من أقوام يفعلون ما أمرهم الله به , و يبذلون جهدهم في رضى الله .
قال الإمام ابن حجر إن الغيبة تختلف عظماً و ضدهُ بحسَب اختلاف مفسدتها . و قد جعلها من أوتي جوامع الكلم عَدِيلَةَ غصب المال , و قتل النفس بقوله (ص): كل المسلم على المسلم حرام , دمه و ماله و عرضه . و الغصب و القتل كبيرتان إجماعاً , فكذا ثلم العرض . انتهى ( نظرة النعيم مجلد 11 ص 5164 ) .
أيها المسلمون
لقد أخذت كثير من وسائل الإعلام تظلل الحقائق , و تسدل الستار على أعين الناس , فيرون حسناً ما ليس بحسن , و يذمون الحق و أهله , و يذبون عن دعاة الفسق و رواده .
أصحبت تقال كلمات تقشعر لها الجلود , و توجل لها القلوب
, و لربما كان قائلها لا يلقي لها بالا , و قد قال عليه الصلاة و السلام: وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً ، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ. رواه البخاري
أصبح يذم و يمقت من يبذل نفسه رخيصة لله , ينتقد المجاهدون في أرض الرباط , ينتقد من بذل نفسه رخيصة لتكون كلمة الله هي العليا , ينتقد من ضحى بكل ما يملك , أقوام ضحوا بأموالهم , و بأنفسهم , و بأهلهم , ضحوا براحتهم و اطمئنانهم , ضحوا بكل دنياهم , يقتلون و يشردون , يجوعون و يحاصرون , و لكنهم ثابتون , وفي طريقهم سائرون , و يرجون من إخوانهم في مشارق الأرض و مغاربها نصرتهم و لو بالكلمة , بالكلمة التي بخل بها البعض اليوم , و أبدل كلمة النصر لهم و المؤازرة ؛ بانتقادات لاذعة , و وجهات نظر لا حظ لها من الواقع , يقول : إن السب فيما يجري هو عناد حماس , و لو أنهم رضوا بالهدنة , لو أنهم لم يدخلوا في هذه الحرب الشرسة , لكان الحال غير الحال , و لما قتل من قتل , و لكنا نقول له و لغيره ألم يقل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }آل عمران156
و نقول كما قال الله {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }التوبة51
فوالله إن اليهود هم خونة العهود , و إذا تمكنوا لم يرحموا {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً }التوبة8
فهل نفعت مع يهود اتفاقيات , هل نجحت معهم العهود و المواثيق , ما بالنا إذا أتت الأزمة أنستنا ما قبلها , هل سننسا ستين عاماً مضت , ملئت بالاتفاقيات , و إزدحمت بالمعاهدات , مؤتمر في جنيف , و اتفاقيات لوضع حد نهائي للنزاع العربي الإسرائلي , و مشرع إعلان الدولة الفلسطينية , و مؤتمر مدريد , و اتفاقية أوسلو , و ختمت بمؤتمر أنابوليس , فأين ذهبت هذه المعاهدات , لقد ذهبت أدراج الرياح , و لن يقف اليهود , و لن يتراجع اليهود , إلا بوقوف أهل الحق في وجوههم , يجاهدونهم بأموالهم و أنفسهم , ببذل الغالي و النفيس لتكون كلمة الله هي العليا , لن يتوقف اليهود إلا بمواقف الأبطال , كمواقف أهل غزة اليوم , مواقف برز فيها الثابتون , و تبين المرجفون الكاذبون , تبين الذين باعوا أنفسهم لله , و ظهر الذين نكصوا على أعقابهم ,و ليعلم الفرار , الذين يقولن لو أطاعونا ما قتلوا أن الله يقول {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً }الأحزاب16
إن القتلى , الذين نراهم بالمئات , ليسوا كأي قتلى , بل إنا نحتسب على الله ؛ أن يجعلهم شهداء في سبيله , فقد قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ الأَيَّامُ دُوَلٌ وَإِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ. قَالَ فَقَالَ عُمَرُ لاَ سَوَاءً قَتْلاَنَا فِى الْجَنَّةِ وَقَتَلاَكُمْ فِى النَّارِ. و نحن نقول لليهود لا سواء قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار بإذن الله .
فو الله إني أحذر نفسي و إياكم من أن نقع في أعراض أولائك الأبطال , أوليس من حقوقهم علينا أن نذب عن أعراضهم بدلا من الوقوع فيها , ألم يكفهم ما هم فيه من البلاء , أليس من حقهم أن ننصرهم في مجالسنا و مجامعنا , فإن عز علينا ذلك فلا اقل من كف الألسن , و اسمعوا يا رعاكم الله إلى أحاديث من مشكاة النبوة , أحاديث لا وصف لها و لا أبلغ من ذكرها .
فإذا جلست في مجلس , و بدأ الكلام في ذم موقف المجاهدين , فتذكر هذا الحديث عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ ، أُرَاهُ قَالَ : بَعَثَ اللهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ ، حَبَسَهُ اللهُ.على جِسْرِ جَهَنَّمَ ، حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ. حسنه الألباني
إذا سمعت من يقع في أعراضهم , و ينتقصهم و يذمهم , فتذكر هذا الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة . رواه الترمذي وقال حديث حسن
وفي لفظ قال من ذب عن عرض أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة .
إذا راودتك نفسك , هل أذب عنهم , هل أسكت , وما دخلي أنا , و لماذا أوقع نفسي في الحرج فتذكر هذا الحديث , عن جابر وأبي طلحة بن سهل أن رسول الله (ص) قال : ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته و ما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته . حسنه الألباني
و قال عليه لصلاة والسلام : من نصر أخاه بالغيب نصره الله في الدنيا والآخرة . ( صححه الألباني ) .
إذا كنت تريد أن يرد الله عن وجهك النار , فتذكر هذا الحديث عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة . ( صححه الألباني )
و قال عليه الصلاة و السلام :من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار . ( صححه الألباني )
و أظن هذه الأحاديث كافية لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .
أقول ما تسمعون و استغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين فاستغفروه و ارجوه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين..
أما بعد
فيا عباد الله
إن هذه الأحداث بعثت الحياة في قلوب ميتة , و حركت قلوباً ساكنة , و جرحت قلوباً متألمة , فهي فرصة لنا جميعا لنعود إلى الله , فرصة للتوبة , فرصة للأوبة , فرصة لتغير الحال .
ألم نكن نشكوا من قسوة قلوبنا , فألانتها هذه الأحداث , ألم نكن نشكوا من جفاف مدامعنا , فأسالتها هذه الجراح , أوليست القلوب مقبلة على الله , أفلا نستغل هذا الإقبال , فهل من عودة إلى ارحم الراحمين , هل من رجوع لرب العالمين , فما أجمل حياة التائبين , و ما أسعد أيام المقبلين على رب العالمين , نعم و الله ما أجملها , كيف لا ! و التائب مقبل على رب رحيم , غفور كريم .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربه عزَّ وجلَّ أنه قال: "أذنب عبدٌ ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال الله تبارك وتعالى: أذنبَ عبدي ذنباً فعلم أن له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي ربِّ، اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ؛ اغفر لي ذنبي. فقال تعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. قد غفرتُ لعبدي" وفي رواية لمسلم: "فليفعل ما شاء"(91).
و قال الله في الحديث القدسي: يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا , يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . هذا و صلوا و سلموا .....