×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الحياة الزوجية السعيدة

التحرير
بواسطة : التحرير
الحياة الزوجية السعيدة
الجمعة 19/ 3/1431هـ

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فمن اتقى ربه علا، ومن أعرض عنه غوى.
أيها المسلمون، الأسرة أساس المجتمع، منها تفترق الأمم وتنتشر الشعوب. نواةُ بنائها الزوجان، ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ [الحجرات:13]. والأسرة هي المأوى الذي هيأه الله للبشر يستقر فيه ويسكن إليه. وفي الزواج إعمار للكون وسكن للنفس ومتاع الحياة، بقيامه تنتظم الحياة ويتحقق العفاف والإحصان، يجمع الله بالنكاح الأرحام المتباعدة والأنساب المتفرقة. وعد الله فيه بالغنى والسعة في الرزق ولا خُلف لوعد الله: إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النور:32].
وهموم الزوجين عديدة ومتشعبة، ولكن حسن العشرة وطيب المودة يبددها، وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19]. وفي الأسرة عتاب ومودة، سخط ورضا، والرجل يرفعه الأدب ويزكيه العقل ، يعفو عن الخطأ ويتجاوز عن الزلل، والمرأة خلقت من ضلع أعوج، وبمداراتها والصبر على ما يكرهه منها تستقيم الأمور، يقول المصطفى : ((استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً)) متفق عليه(1).
ومن كرُم أصله لان قلبه، وزوجتك هي حاملة أولادك، وراعية أموالك، وحافظة أسرارك. اخفض الجناح معها، وأظهر البشاشة لها، فالابتسامة تحيي النفوس وتمحو ضغائن الصدور، والثناء على الزوجات في الملبس والمأكل والزينة جاذب لأفئدتهن، وقد أباح الإسلام الكذب مع الزوجة لزيادة المودة لها. والهدية بين الزوجين مفتاح للقلوب، تنبئ عن محبة وسرور، والتبسط معها ونبذ الغموض والكبرياء من سيما الحياة السعيدة، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ـ أي في الأنس والسهولة ـ فإن كان في القوم كان رجلاً). وكن زوجاً مستقيماً في حياتك تكن هي بإذن الله أقوم، ولا تمدن عينيك إلى ما لا يحل لك، فالمعصية شؤم في بيت الزوجية .
وكن لزوجتك كما تحب أن تكون هي لك في كل ميادين الحياة، فإنها تحب منك كما تحب منها، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي). واستمع إلى نقد زوجتك بصدر رحب وبشاشة خلق، فقد كان نساء النبي يراجعنه في الرأي فلا يغضب منهن، ومن علو النفس أن لا يأخذ الزوج من مال زوجته شيئاً إلا برضاها، فمالها ملك لها، وأحسن إليها بالنفقة بالمعروف ولا تبخل عليها، وتذكر أن زوجتك تود الحديث معك في جميع شؤونها فأرعِ لها سمعك، فهذا من كمال الأدب، ولا تعُد إلى دارك كالح الوجه عابس المحيّا، فأولادك بحاجة إلى عطفك وقربك وحديثك، فألن لهم جانبك، وانشر بين يديهم أبوتك، ودعهم يفرحون بتوجيهك وحسن إنصاتك، فقد كان النبي إذا رأى ابنته فاطمة قال لها: ((مرحباً بابنتي))، ثم يجلسها عن يمينه أو شماله. رواه مسلم. والحنوُّ على أهل البيت شموخ في الرجولة، يقول البراء رضي الله عنه: دخلت مع أبي بكر رضي الله عنه على أهله فإذا ابنته عائشة مضجعة قد أصابتها حمى، فرأيت أباها أبا بكر يقبل خدها ويقول: كيف أنت يا بنية؟ رواه البخاري.
والقيام بأعباء المنزل من شيم الأوفياء، قيل لعائشة رضي الله عنها: ماذا كان يعمل رسول الله في بيته؟ قالت: كان بشراً من البشر، يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه. رواه أحمد.
والكرم بالنفقة على أهل بيتك أفضل البذل، ولا يطغى بقاؤك عند أصحابك على حقوق أولادك، فأهلك أحق بك، ولا تذكِّر زوجتك بعيوب بدرت منها، ولا تلمزها بتلك الزلات والمعايب، واخف مشاكلك أنت وزوجتك عن الأبناء، ففي إظهارها تأثير على التربية واحترام الوالدين، والغضب أساس الشحناء، وما بينك وبين زوجتك أسمى أن تدنسه لحظه غضب عارمة. وآثر السكوت على سخط المقال، والعفو عن الزلات أقرب إلى العقل والتقوى، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (النساء عورة، فاستروهن بالبيوت، ودَاووا ضعفهن بالسكوت).
إن حق الزوجة على الزوج عظيم، أُسرت بالعقود وأوثِقت بالعهود. الزوجات يكرمهن الكريم، ويعلي شأنهن العظيم، تقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي يكثر ذكر خديجة رضي الله عنها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة!! رواه البخاري.
والزوجة الحاذقة تجعل قلبها لزوجها سكناً، وتجعل في نفسها له طمأنينة، وفي حديثها معه ابتهاجاً وزينة، تصحبه بالقناعة وطيب المعاشرة بحسن السمع والطاعة في غير معصية، تعترف بجميل الزوج وفضله، وتقوم بحقوقه، تؤمن بعلوِّ منزلته وعظيم مكانته، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها))، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج".
المرأة الصالحة إن رأت زوجها جنح ذكرته بالله، وإن رأته يكدح للفانية ذكرته بالآخرة الباقية، تعينه على نوائب الدهر، لا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً في غير معصية الله، تعين زوجها على بر والديه، فمن تحت يديهما نشأ، وعلى أنظارهما ترعرع، تطلب رضا ربها برضا زوجها.
والعفة محور الحياة الكريمة، وزينة الزوجة قرارُها في دارها، تقول عائشة رضي الله عنها: (إن خيراً للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يروها).
عبادَ الله
إن من بواعِثِ المشكِلات الأسَرِيّة ومسبِّباتها النظرةُ القاصِرَة للحياة الزوجيّة وعدمُ الإدراك الصحيح لمقاصِدِ النكاحِ الشرعيّة السامية التي من أهمِّها حصولُ الإعفافِ للزوجَين والسّكن الفطريُّ لبعضهما وإقامةُ البيت المسلِم والتعاوُن على البرِّ والتقوى وتربيةُ الذرّيّة الصالحة التي تعبُد الله وتطيعه، فإذا استحضَر الزوجان هذه المعانيَ لم يلتفتا إلى القشورِ أو القصور .
ولو حصَل خطأ دنيويّ قدَّراه قدره وتذكّرا قولَ الله عز وجل: وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237]، حتى ولو كان نَقصًا في أحدِ الزوجين فإنّ النبيَّ يقول: ((لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة إن كرِه منها خُلُقا رضيَ منها آخر)) رواه مسلم.
و من بواعث المشكلات النظرةُ القاصِرة للجَمال، خصوصًا ما بلِيَ بهِ الزّمن مِن كثرةِ النّظر في الأفلام والقَنَوات الفضائيّة والمجلاّت من صُوَر النّساء الفاتنات أو صوَر أشباهِ الرجال القاصدين الفِتنَة، فلا تُرضِي رجلاً زوجتُه لأنّه يرَى في الصورةِ أجملَ منها، فكيف يقارن العفيفة التي رضيها له زوجة ؛ بالفاسقات , أفلا يعتقِد أنه يوجَد أجملُ ممّن في هذه الصورة؟! فبابُ المقارنةِ لا ينتهي. فهل يجوز لمسلمٍ يؤمن بالله واليوم الآخر يعلم أنه ملاقي الله ويطمَع في جنّتِه ويخشى نارَه، هل يجوز له أن يفضِّل على امرأتِه المؤمِنة العفيفةِ امرأةً رآها في التّلفاز أو المجلّة , أو على صفحات الانترنت يحدثها ليل نهار , فيترك العفيفة , ويعاملها بقسوة وغلظة , ولا تسمع منه كلاما يطيب خاطرها , بل القسوة نصيبها , و الجفاء حظها , و الهجران مآلها , و الفاسقة التي تظهر مفاتنها له ولغيره , لها الكلام الطيب , و الحديث العسول , إن هناك أقوام يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير , من أجل شهوة عابرة , ونظرة قاصرة , فلا يحسبون للمستقبل حساب , ولا يخافون من رب الأرباب , فهل ينتظرون غير العقاب .
إنَّ القنواتِ الفضائيّةَ والمجلاّتِ و المواقع الإباحية التي تعرِض صوَرَ النساءِ والرّجالِ في أكمَلِ زينةٍ قد فتَحَت على المسلِمين بابَ شرٍّ عظيم، فأصبحَت المواصَفاتُ للزّواج فضائيّة، فلا تُرضِي الرجلَ امرأةٌ، وإذا وجَد من تناسِبه ثمّ رأى في صورةٍ غيرَها تركها، وهكذا، لا يمكِن أن يقنَعَ ولو تزوَّج نساءِ البلد، مِن هنا ندرِك الحكمةَ العظيمةَ من قولِ الله عزّ وجلّ: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30، 31]، وكذلك يقال للمرأةِ التي تَبني أحلامًا ورديّة للحياةِ على ضوءِ ما تربّت عليه من أفلامٍ ومسلسَلات، ثم تُصدَم بواقعِ الحياة جاهلةً أنَّ ما تربّت عليه أو تربَّى عليه الزوجُ ما هو إلاَّ مجرَّد تمثيليّات وصوَرٍ وخيالات وعُصارة أفكارِ فسّاقٍ ومنحطِّين|.
إنَّ الأفلامَ والمسلسَلاتِ وما تبثُّه القنواتُ من حِواراتٍ لم يقتصِر شرُّها على إثارةِ الشَّهوات، بل أفسدَت أخلاقَ الناس وتعاملاتِهم في بيوتهم، وقرَّرت في نفوسِ مشاهديها مبادئَ خاطئةً عن الحياةِ الزوجيّة والتعامل الأسريّ، وقلبَت المفاهيمَ، وحسَّنت المنكرَ، وقبَّحت المعروفَ، وفتحَت على البيوتِ أنواعًا من المشكِلات لم تكن موجودةً من قبل. إنَّ ما تقومُ به هذه الوسائلُ الإعلاميّة هو منَ التخبيب الذي حرَّمه النبيّ وهو إفساد المرأة على زوجِها وإثارتها عليه.
فليحذر الرجل العاقل من أن يسلم عقله لفاسقات وفاسقين , يقنعونه بآرائهم , ويفتنونه بمناظرهم , فيقع أسير توجهاتهم , وطوع إرادتهم .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية


الحمد لله على إحسانه، والشكر على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
أيها المسلمون، في النساء فئة أخرص الحياءُ لسانها عن الشكوى، صرخاتها مكتومة في أعماق جروح قلبها، تعيش صراعاً نفسياً في مجتمعها، تبيت مع القلق والحزن، يؤرقها الهم والفكر، تعيش مع زوج ليس بزوج , حياته لغيرها , وحبه ليس لها , وسلوته ليست معها , لا حظ لها منه غير المسمى , فهي بين جدران بيته أسيره , إن أخرجت شكواها هدمت بيتها , وضيعت أبناءها , فهي ساكتة وعلى آلامها صابرة , فاتقوا الله في النساء فقد قال عليه الصلاة و السلام في صحيح مسلم : ( اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) . رواه مسلم
وجعل عليه الصلاة و السلام من المقياس لمعرفة خيار الناس , معاملة الرجل لنسائه , فمن كانت معاملة للنساء حسنة كان من خيار القوم , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا , وخياركم خياركم لنسائهم .رواه الترمذي .
عبد الله
هلا جعلت البيت مسكنا مريح , تأوي إليه لتستريح , تملأ أرجاءه حبا وحنان , تطهره من المعاصي , فتسعد وتسعد زوجتك ويهنأ أبناؤك , فاتق الله ثم اتق الله ثم اتق الله فيمن ولاك الله أمرهم .
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم...
بواسطة : التحرير
 0  0  2614