الحوثيين
الحوثيين
الجمعة 25/11/1430هـ
الجمعة 25/11/1430هـ
الحمد لله العليم الحكيم؛ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وبيَّن دينه لعباده فمنهم من اهتدى، ومنهم من استكبر عنه فغوى، نحمده على هدايته ورعايته، ونشكره على ولايته وكفايته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ما تقرب إليه المتقربون بشيء أحب إليه مما افترضه عليهم، ولا ابتعد المبتدعة عن دينه بشيء أكثر من بدعتهم [أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ] {الشُّورى:21} وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ ابتلاه ربه وابتلى به، وأنزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء، فهو مستودع في الصدور قبل كتابته في الألواح والقرطاس، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ خيار هذه الأمة وأبرارها، ولا يطعن فيهم إلا فجارها، وطعنهم في الصحابة رضي الله عنهم طعن في النبي (ص) كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى:«إنما هؤلاء قوم أرادوا القدح في النبي (ص) فلم يمكنهم ذلك؛ فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء؛ ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين» وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واقدروه حق قدره، واعرفوا فضله عليكم، ورحمته بكم، وإحسانه إليكم [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ] {فاطر:3}.
عباد الله
حديثنا اليوم عن قومٍ ؛ النفاق سجيتهم , والكذب مذهبهم , و الدجل ديدنهم , حديثنا عن قوم قالوا : إن أرض الكعبة قالت من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فج عميق وجعلت حرم الله وأمنه فأوحى الله إليها أي أوحى الله إلى الكعبة بزعمهم - أن كفي وقري مافضل ما فضلتك به فيما أعطيت كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر ولولا تربة كربلاء ما فضلتك و لولا أرض كربلاء ما خلقتك و لا خلقت البيت الذي به افتخرت فقري و استقري و كوني ذنباً متواضعاً ذليلاَ مهيناً غير مستنكف و لا مستكبر لأرض كربلاء و إلا سخت بك و هويت بك في نار جهنم . قالها صاحب بحار الأنوار .
هذا مذهبهم في بيت الله الحرام , في أشرف بقعة على وجه الأرض .
حديثنا عن قوم قالوا : إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة و أفضل من عشرين عمرة و حجة . قال صاحب فرع الكافي .
إن أصحاب هذه العقائد لهم تاريخ أسود , لعلنا نقف على بعض أطرافه , قال ابن كثير في البداية و النهاية في خبر قتل القرامطة للحجاج : خرج ركب العراق وأمير هم منصور الديلمي فوصلوا إلى مكة سالمين، وتوافت الركوب هناك من كل مكان وجانب وفج، فما شعروا إلا بالقرمطي قد خرج عليهم في جماعته يوم التروية، فانتهب أموالهم واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقا كثيرا، وجلس أمير هم أبو طاهر لعنه الله على باب الكعبة، والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في الشهر الحرام في يوم التروية، الذي هو من أشرف الايام، وهو يقول:
أنا بالله وبالله أنا 0000 يخلق الخلق وأفنيهم أنا
فكان الناس يفرون منهم فيتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئا.
بل يقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيقتلون في الطواف، وقد كان بعض أهل الحديث يومئذ يطوف، فلما قضى طوافه أخذته السيوف، فلما وجب أنشد وهو كذلك:
ترى المحبين صرعى في ديارهم * كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
فلما قضى القرمطي لعنه الله أمره وفعل ما فعل بالحجيج من الافاعيل القبيحة، أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم، ودفن كثيرا منهم في أماكنهم من الحرم، وفي المسجد الحرام.
قال ابن كثير : ويا حبذا تلك القتلة وتلك الضجعة، وذلك المدفن والمكان، كأن ابن كثير يقول يا قوم لا تجزعوا , ولا تخافوا , وبحبل الله استمسكوا ثم واصل حديث فقال :ومع هذا لم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصل عليهم لانهم محرمون شهداء في نفس الامر.
وهدم قبة زمزم وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها، وشققها بين أصحابه، وأمر رجلا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتلعه، فسقط على أم رأسه فمات إلى النار.
فعند ذلك انكف الخبيث عن الميزاب، ثم أمر بأن يقلع الحجر الاسود فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده وقال: أين الطير الابابيل، أين الحجارة من سجيل ؟ ثم قلع الحجر الاسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم (1)، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد ألحد هذا اللعين في المسجد الحرام إلحادا لم يسبقه إليه أحدا ولا يلحقه فيه، وسيجاريه على ذلك الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد. وإنما حمل هؤلاء على هذا الصنيع أنهم كفار زنادقة .
وأما أخبارهم في عصرنا الحاضر فمن يجهلها , هل ستنسينا الأيام تلك الأحداث في مكة المكرمة , من مظاهرات خبيثة , وأعمال في الأنفاق شنيعة , وقتل من على الجسور مهيب , وما يدعون إليه اليوم أشد وأنكى.
عباد الله
لقد ازدادت خطورة هذه الفرقة الباطنية البدعية في القرن العاشر الهجري حين أقام الصفويون دولتها في خراسان وما حولها، وعظم خطرهم على الإسلام أكثر وأكثر بقيام ثورتهم الخمينية .
إن الإمامة هي الأصل الذي بنت عليه هذه الفرقة الباطنية دينها .
ويؤكد المجلسي -وهو من كبار أئمتهم- على أن من أنكر أحداً من أئمة الشيعة لم ينفعه إقراره بسائر الأنبياء؛ ولذلك كفَّروا كل المخالفين لهم في الإمامة، واستحلوا دماءهم وأعراضهم، وأجازوا المكر بهم وخداعهم، ثم طبقوا هذه المعتقدات عملياً في القديم والحديث.
لقد قام مذهب الإمامية على تكفير أهل القبلة كلهم بغض النظر عن معتقداتهم وأفكارهم ما داموا يخالفون عقيدة الإمامة عندهم؛ ولذلك كفروا كل الصحابة رضي الله عنهم إلا ثلاثة أو أربعة.
بل أعلن أحد كبار علمائهم أن انفصال الشيعة عن المسلمين إنما كان بسبب الإمامة فقال:«لم نجتمع معهم على إله ولا نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد (ص) نبيه، وخليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا» .
وأما تكفيرهم لآل البيت وهم يدعون أن مذهبهم مذهب آل البيت ويخدعون بذلك العامة وجهلة المثقفين؛ فإنهم يكفرون كل زوجات النبي (ص) ، وهن رضي الله عنهن أخص آل بيته، ويختصون عائشة رضي الله عنها بالقذف بالزنا، ويوردون فيها من نصوص التكفير والقدح أكثر من غيرها مع أنها أحب نساء النبي (ص) إليه، ولا يعترفون ببراءة الله تعالى لها في القرآن وفي فعلهم هذا تكذيب لصريح القرآن. يقول ابن كثير رحمه الله تعالى:«أجمع أهل العلم قاطبة على أن من سبها ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في الآية فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن».
وقد نال أعمام النبي (ص) وبني عمه نصيبهم من طعن الرافضة وتكفيرهم، فزعموا أن العباس بن عبد المطلب عم النبي (ص) هو المراد بقول الله تعالى [وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا] {الإسراء:72} ويخصون ابنه عبد الله حبر الأمة وترجمان القرآن بنصوص اللعن والشتم.
وأما بنات النبي (ص) اللائي هن بضعة منه فلا يستثنونهن من عموم تكفيرهم للصحابة وللأمة إلا ما ورد عنهم من استثناء فاطمة رضي الله عنها، وأقبح من ذلك إنكار بعضهم أن يكون للنبي (ص) بنات سوى فاطمة، وهذا طعن في النبي (ص) وفي آل بيته الطاهرين.
فمن كفَّروا صحابة النبي (ص)، وكفروا زوجاته أمهات المؤمنين، ورموا أفضلهن بالفاحشة، وكفروا سائر قرابة النبي (ص) وآل بيته الطيبين الطاهرين، وطعنوا فيهم إلا عدداً قليلاً جداً لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، أتراهم يتورعون عن تكفير سائر المسلمين ولعنهم والكيد لهم، ورحم الله من قال من السلف:«لا يغلّ قلب أحد على أحد من أصحاب رسول الله (ص) إلا كان قلبه على المسلمين أغلّ»
عباد الله
لقد سمعنا طرفا من أخبارهم لنعلم أن القوم يقاتلون مستندين على عقائد , يقاتلون لتحقيق أهداف في المستقبل , فهم كاليهود لا يرضيهم سلام , ولا يبحثون عن وئام , ذكرنا أخبارهم لا لنخاف ونجبن , بل لنتشجع ونتوكل على الله , ونعطي الموضوع حقه , فلا نبالغ فنخاف , ولا نثبط فنأمن فلندع الحوار الهادئ الذي لا يقدم ولا يؤخر فالقوم يتربصون بالمسلمين الدوائر، ويسعون جادين في إزالة ممالكهم، وإسقاط حكوماتهم .
ولنعلم أن حربنا مع الحوثيين حرب عقائد , ليست حرب حدود , ولا حرب مواقع , بل حرب تبذل فيها الأرواح , وتزهق فيها الأنفس ؛ لرفع كلمة لا إله إلا الله , لا نقاتلهم حمية ولا وطنية , ولا نقاتلهم قتال جاهلية , بل نجاهدهم لله وبالله .
عباد الله
تذكروا و ذكروا من وراءكم من المرابطين بفضل رباطهم , وليستشعروا أنهم يقاتلون في سبيل الله , ولقد أعد الله للمجاهدين منازل عالية وفضلهم على سائر العباد فقال : { وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً }النساء95
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله ؟ قال : لا تستطيعونه , فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول : لا تستطيعونه , ثم قال : مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر عن صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله .
فلنرفع هذه الكلمات , وليعلم الجميع أننا نقاتل في سبيل الله , والله أعلم بمن يقاتل في سبيل , نقاتل لتبقى كلمة لا إله إلا الله مرتفعة , برغم أنوف الحاقدين , فهنيئا لمن رابط على تلك الحدود , وهو يرتجي ما عند الله , يحتسب قيامه وقعوده , سهره ونومه , يحتسب حراسته وقتاله .
ولو يعلمون ما أعد الله لمن اتصف بهذه الصفات , لهانت عليهم تلك اللحظات , ولرضيت أنفسهم بما هم عليه من المكرمات .
حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين من كيدهم وشرهم، وردهم على أعقابهم خاسرين.
أقول ما تسمعون وأستغفر...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله قد أطلتكم أيام عظيمة هي أفضل أيام الدنيا كما صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أفضل أيام الدنيا أيام العشر)). أقسم الله بها في كتابه واقسامه بشيء دلالة على مكانته عنده: والفجر وليال عشر وهي عشر ذي الحجة فيها يوم عرفة الذي قال فيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة))(1)[1] و صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما العمل الصالح في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة)) وفي رواية: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة)) قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)) فأي فضل هذا وأي موسم للخيرات وأي باب لجمع الحسنات يا له من موسم يفتح للمتنافسين ويا له من غبن يحق بالقاعدين والمعرضين فاستبقوا الخيرات يا عباد الله وسارعوا إلى مغفرة من الله وجنة عرضها السماوات والأرض , وبادروا بالتوبة والرجوع , فنحن اليوم أحوج إلى التوبة واللجوء إلى الله منا إلى الطعام والشراب , فالعدو متربص , والذنوب أثقلتنا , والنصر لا ينال بغير الإقبال على الله , فلننصر إخواننا الذين على الجبهة ؛ بالتوبة والإنابة , وفعل الطاعات وترك المحرمات , والدعاء لهم والتضرع بين يدي الجبار , لعل الله أن يرفع هذا الخطب , ويحمي البلاد والعباد من شر كل فاسد حاقد .
هذا وصلوا ...اللهم إنا نسألك نصراً عاجلاً غير آجل , اللهم رد كيد الكائدين في نحورهم , واشدد وطأتك على المعتدي يا رب العالمين .
اللهم احفظ اخزاننا المرابطين على الثغور وثبت أقدامهم واربط على قلوبهم اللهم سدد رميهم وصوب رأيهم ... اللهم ارحم قتلانا وتقبلهم شهداء عندك يا رب العالمين , اللهم اشف جرحانا وعافهم يا رب العالمين