×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

منزلة العلم

التحرير
بواسطة : التحرير
منزلة العلم
الجمعة 10/10/1429هـ


الحمد لله [الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ] {العلق:4-5}، نحمده على نعمه، ونشكره على آلائه ومننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظيم في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته [ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ] {الأنعام:103}.وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ نقل الله تعالى به هذه الأمة الخاتمة من الجهل إلى العلم، ومن الضلال إلى الهدى، ومن دركات الشر إلى درجات الخير [لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ]{آل عمران:164} صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ] {البقرة:48}.
عباد الله
قص الإمام أبو حاتم شيئاً مما لقيه أثناء رحلته في طلب العلم
قال : لما خرجنا من المدينة من عند داود الجعفري , ركبنا البحر و كنا ثلاثة أنفس , أبو زهير المروزي شيخ كبير , و آخر نيسابوري و كانت الريح في وجوهنا , فبقينا في البحر ثلاثة أشهر , و ضاقت صدورنا , و فني ما كان معنا من الزاد , و بقيت بقية , فخرجنا إلى البر , فجعلنا نمشي أياماً على البر , حتي فني ما كان معنا من الزاد و الماء , فمشينا يوماً و ليلة لم يأكل أحد منا شيئا , و لا شربنا , و اليوم كمثل , و اليوم الثالث , كل يوم نمشي إلى الليل , فإذا جاء المساء صلينا و ألقينا بأنفسنا حيث كنا , و قد ضعفت أبداننا من الجوع و العطش و العياء , فلما أصبحنا اليوم الثالث جعلنا نمشي على قدر طاقنا , فسقط الشيخ مغشياً عليه , فجئنا نحركه , و هو لا يعقل , فتركناه , و مشينا أنا و صاحبي النيسابوري قدر فرسخ أو فرسخين , فضعفت , و سقطت مغشياً علي , و مضى صاحبي و تركني , فلم يزل يمشي حتي بصر بقوم من بعيد فلوح لهم فجاءوه و سقوه , فقال لهم : رفيقين لي قد ألقوا بأنفسهم مغشيا عليهم , فجاءو إلنا و سقونا و أطعمونا , فهل رجع أبو حاتم و صاحبيه , هل ضعفت هممهم هل خارقت قواهم , بل واصلوا مسيرهم حتى نالوا مطالبهم .
و من تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبب
عباد الله
هكذا كانت همم الذين يريدون تحقيق أهدافهم , كانت هممهم عاليه ,
و مطالبهم سامية , و هكذا فلتكن هممكم أيها الطلاب , فهل يعقل أن يجد الطالب ما يرتجي بغير تعب و نصب , هل تنال الدرجات العالية , بغير همم تناطح الجوزاء , همم لم تقف عند نيل الشهادة , و الحصول على المناصب و الريادة , و هنا تساءل أطرحه بين يديكم !
هل الشهادة هي الهدف؟ هل الهدف من التعليم ـ عندنا نحن المسلمين ـ أن نُخرّج مهندسين وأطباء ... فقط، بغض النظر عن الفكر والهمّ الذي يحملونه. للأسف هكذا نحن يربى كثير من أبناءنا، أليس الأب يقول لولده: (ذاكر يا ولدي حتى تكبر و تكون مهندساً!! ادرس حتى تكون الأول!!).
من الذي يقول لولده الآن: (ذاكر يا ولدي واجتهد حتى تخدم دينك وأمتك، وحتى تصبح مسلماً قوياً).
لا بد أن يكون مع التعليم تربية، نعم نعلم أبناءنا الهندسة والكيمياء والطب والحاسوب، ولكن لا ننسى أن يكون مع التعليم تربية على الأخلاق الفاضلة، نربيهم على حب هذا الدين والبذل له .
فالهدف من التعليم: أن نربي جيلاً يفخر بدينه، وينافح ويدافع عنه، وينشره في العالمين، إن كان طبيباً في عيادته، أو مهندساً في مصنعه، أو معلما في مدرسته أو موظفا في عمله ..
لا أن نربي جيلاً مهزوز العقيدة، لا قيم لديه، ولا هدف .
فالإسلام يريد الطبيب المسلم العفيف الذي يكون أميناً على أرواح الناس وأعراضهم، ويريد التاجر المخلص الذي يثق به الناس وببضاعته، كما أنه يحتاج للعالم في الشرع البصير بدين الناس ودنياهم.
يقول أحد الدعاة: إن طبيباً أسلم على يديه عشرات من زملائه في المستشفى، وهذا الطبيب ليس عالماً، ولا طالب علم بل إنسان عادي، ولكن يجري في عروقه ودمه حب الدين، والتضحية له، والفخر والاعتزاز في انتسابه للإسلام .
فيا طالب العلم أياً كان تخصصك في العلوم الدينية أو الدنيوية , لا تفصل بين العلم و الدين , لا تجعل ذهابك إلى مدرستك أو جامعتك , وقتاً ضائعاً في حياتك , تنتظر انقضاءه , و لا تجعله خاليا من نية صادقة ترتجي ثوابها عند الله , لأن العلم إذا لم يضبط بالإيمان , عاد نفعه ضرا , و خيره شرا , إذ يقود إلى الاستكبار عن الحق , و إنكار نعم الله , و قد قص الله علينا أخبار أقوام أوتوا من العلم ما أوتوا , لكنهم أوتوا علماً بال أيمان , فجحدوا نعم الله و استكبروا عن الحق المبين {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون }غافر83
و قارون جحد نعمة الله عليه , ونسب ما أوتي من مالٍ إلى علمه {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ }القصص78
و حضارة اليوم ليس للإيمان بالآخرة فيها مكان , و لا للتصديق بالغيب فيها مجال , هي حضارة سعت في عمارة الأرض ماديا , في انفصال تام عن الموت و ما بعده , و أصحابها كما أخبر الله تعالى {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }الروم7
و هاهنا سؤال يرد : هل هذا النوع من الحضارة المبني على علوم الدنيا بانفصال تام عن علوم الآخرة هل أسعد الإنسان و حقق له ما يريد ؟
إن العلوم الدنيوية التي حازها البشر في القرون المتأخرة قد أسهمت وبشكل مباشر في رفاهية الإنسان و راحته , تنوعت مآكله و مشاربه , و تعددت ملابسه و مراكبه , كل هذا حصل و لا يزال يحصل , و لكن ماذا حدث حينما انفصل العلم عن الإيمان , و أصبح دنيوياً ماديا , لا يؤمن بالغيب و لا يعرف للآخرة سبيلا ؟!
إنه صار علماً يسعى في تدمير الأرض و من عليها , في سبيل الهيمنة و السيطرة على العالم , فبالعلم صنعت القنابل النووية التي يعلم مكتشفوها و صانعوها أنها لو أطلقت لأهلكت ملايين البشر , و مع ذلك صنعوها , لأنه لا إيمان يضبطهم , و لا خوف من الآخرة يردعهم , فكم حمل صانعوها من الأوزار .
إنهم و بالعلم لوثوا البحار و الأنهار , و أفسدوا الزروع و الأشجار , حتى ما عاد لأثمارها طعم بسبب الكيميائيات , التي تنضجها قبل وقتها , و تجعلها أكبر من حجمها , و تزيد في المحصول و الضحية من يأكلها !
إنهم و بالعلم سهلوا ارتكاب الفواحش , و عرضوها عبر فضائياتهم , و تفننوا في مداعبة الغرائز .
إنهم لن يتعظوا و لن يعقلوا , حتى تقع الواقعة , فالعلم إذا انفصل عن الإيمان يشقي في الدنيا قبل الآخرة , { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{29} ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى{30} وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى }النجم
عباد الله
هكذا يكون العلم إذا فصل عن الإيمان , إذا حول العلم إلى ما يشبه التجارة , فالطالب اليوم , لا يوجه إلى ما يحسن من العلوم , و يناسب مداركه و قدراته , أو ما تحتاجه أمته , بل يوجه إلى ما هو أضمن وضيفة , و أعلى أرباحا , حتى كان هذا الأسلوب من التوجيه سبباً لإخفاق كثير من المتعلمين !
و إذا كانت هذه بداية طريق المتعلم فإن للعلم عند طالبه أجلاً و نهاية , حيث ينتهي أجل تحصيل العلوم , بمجرد الحصول على الشهادة , التي يضمن بها المتعلم كرسي الوظيفة .
و لو كان العلم يطلب لحظ الآخرة , و من أجل نفع الأمة لما حصل هذا , فقد كان يسال الإمام أحمد : إلى متى تطلب العلم , فقال : مع المحبرة إلى المقبرة .
و بهذه الهمم ؛ و هذه الروح العالية الجادة سادوا الدنيا و عمروها , و عمروا الآخرة , و لم يحصل من علومهم ضرر على البشرية , بل كانت علومهم نافعة لحظ الدنيا و حق الآخرة , فاتقوا الله ربكم و أعطوا العلم منزلته , و اقدروه حق قدره , و اضبطوه بالإيمان و التقوى , و اخلصوا فيه لله تعالى , و ربوا النشء على ذلك , ليسعدوا في الدنيا الآخرة .
أقول ما سمتعم واستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين ....




الخطبة الثانية


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله،
أما بعد
فيا طالب العلم , يا من ستصبر على مقاعد الدراسة , إن أمتك المسلمة ترتقبك , لتوقد في قلبها مصباح الهمة , إن أمتك تنتظرك لتغرس فيها بذرة الأمل , فبادر و لا تكسل , و اجتهد و لا تهمل .
لحظةً يا صاحبي إن تغفلِ ألفَ ميل زاد بُعدُ المنزل
رام نقش الشوك حيناً رجلُ فاختفى عن ناظريه المَحمَلُ
إن أصحاب الهمم العالية هم الذين يقوون على ذلك , هم الذين يبدلون أفكار المجتمع , هم الذين ينقذون المواقف , و في جنح الظلام الحالك
والليل الأليل يظهر الفجر الساطع .
فيا شباب , قد فتح باب الترشيح , فهيا تسابقوا إلى العلا , فلتعلوا الهمم , و لتصدق النوايا , و لنمضي جميعاً في طريق العلم , طلابا, و معلمين ,
أباءا و ناصحين , و لنرجو الدار الآخرة , فطريقه هو طريق الفائزين , و هو مسار الناجحين {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً }الإسراء19
هذا و صلوا ...
بواسطة : التحرير
 0  0  2511