×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الأمانة في رعاية الأسرة

التحرير
بواسطة : التحرير
الأمانة في رعاية الأسرة
28/4/1430

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {آل عمران:102} [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] {النساء:1} [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا] {الأحزاب
أما بعــد
فيا عباد الله
إن وجود الأسرة هو امتداد لحياة البشرية , و سر البقاء الإنساني , فكل إنسان يميل بفطرته إلى أن يظفر ببيت و زوجة وذرية , و جاء ذكر الأزواج و البنين و الحفدة , بمعنى الأسرة في قوله تعالى {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً}النحل72 يقول السعدي _ رحمه الله _ يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده , حيث جعل لهم أزواجاً ليسكنوا إليها , و جعل لهم من أزاوجهم أولاداً تقر بهم أعينُهم و يخدمونهم , و يقضون حوائجهم , و ينتفعون بهم من وجوه كثيرة .
فقد أولى الإسلام الأسرة رعاية كبرى , و عدَّها أمانة عظمى يجب صيانتها {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ }الأحزاب72
و هذه الأمانة الأسرية هي مسؤولية الرجل و المرأة , و كل منهما مسؤول بين يدي ربه و قد قال عليه الصلاة و السلام : الرجل راع في أهله و هو مسئول عن رعيته و المرأة راعية في بيت زوجها و هي مسئولة عن رعيتها و الخادم راع في مال سيده و هو مسئول عن رعيته و الرجل راع في مال أبيه و هو مسئول عن رعيته فكلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته .
عباد الله
الرجل قَوَّام الأسرة , فهو الراعي الأول لهذا الكيان , و هو المؤسس له , فهو مؤتمن على زوجته بأن يحسن معاملتها و تأدية حقوقها , و لا يؤذيها بالكلام البذيء فضلا عن الشتم و الضرب , قال تعالى { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }النساء19 و قد أوصى النبي (ص) في خُطبة الوداع بالنساء خيرا فقال : فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله .
و لنا في رسول الله (ص) الأسوة الحسنة في هديه في معاملة نسائه , فهو القائل : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم .
و الزوجة أيضا مؤتمنة على رعاية ميثاق الزواج الذي وصفه الله تعالى بالميثاق الغليظ { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً }النساء21
و هذا الوصف يدل على أن عقد الزواج أمانة عظيمة , لا يجوز خيانته و لا التساهل فيه و التفريط , فعلى الزوجين أن يرعيا هذا البناء , و يتعاهداه دوماً , فهما مؤتمنان على أمور عديدة .
فالزوج مؤتمن على القيام بشؤون الأسرة , و الإنفاق عليها . قال تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ }النساء34 و قال عليه الصلاة و السلام : ألا و إن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن و طعامهن . و على الزوج أن يراعي نفقة الحلال . سئل الإمام أحمد عن حديث النبي (ص) : كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت . قال : إذا كان يسعى على عياله كيف يضيعهم ؟ قيل له : فإن أطعمهم حراما يكون ضيعة لهم ؟ قال : شديدا . أي تضييعاً شديدا .
و الزوج مؤتمن على تأديب زوجته و تعليمها ما تقوم به عبادتها , و ما ينفعها في أمور دينها .و في البخاري قال عليه الصلاة و السلام :ثلاثة لهم أجران- و ذكر منهم - ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران .
قال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث : الاعتناء بالأهل و الحرائر في تعليم فرائض الله و سنن رسوله (ص) آكد من الاعتناء بالإماء .
و الزوج مؤتمن على حفظ امرأته , و منعها من التبرج و الاختلاط بالرجل الأجانب , و مأمور بسترها و إعفافها و حمايتها من الوقوع في الفواحش , قال جل جلاله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الأحزاب59 قال ابن تيمية : إن المرأة يجب أن تصان و تحفظ بما لا يجب مثله في الرجال.
فبماذا يجب الرجل ربه يوم الوقوف بين يديه , حين يسأله عن نسائه , وعن تبرجهن و سفورهن , انظروا في الأسواق و المنتزهات , أصبح الرجل يمشي مطأطأً لكيلا يفتن بالنساء , و الأشد غرابة أن ترى المرأة تمشي في السوق لوحدها , فأين الغيرة ؛ و أين الأمانة , أين الأمانة ألم يقل الله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فهل حملتها السماوات , أم هل حملتها الأرض , أم هل حملتها الجبال - فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا أبين من حملها خوفاً أن لا يقمن بما حملن , لا عصيان لربهن , و لا زهداً في ثوابه - وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72
فالزوج مؤتمن على زوجته و من لوازم أمانته أن يغار عليها , و لذالك قيل : كل أُمَّة وضعت الغيرة في رجالها , و ضعت الصيانة في نسائها . فالغيرة المحمودة هي التي في محلها , ففي البخاري من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) قال : قال رسول (ص) : إن الله يغار , و إن المؤمن يغار . و قال سعد بن عباده (رضي الله عنه) : لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصْفِح . فبلغ ذلك النبي (ص) فقال : أتعجبون من غيرة سعد ؟ لأنا أغير منه , و الله أغير مني .
و كان الحسن البصري يقول : أتدعون نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق ؟ قبح الله من لا يغار .
و الغيرة المذمومة هي ما تدعو الزوج إلى التماس عثرات زوجته و التجسس عليها و تخوينها و هو أمر منهي عنه , ففي مسلم من حديث جابر (رضي الله عنه) قال : نهى رسول الله (ص) أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم .
أيها المؤمنون
و الزوجان مؤتمنان على حفظ أسرار الزوجية , فلا يجوز لأحدهما أن يتكلم بما بينه و بين زوجه ؛ من أمور الاستمتاع و وصف تفاصيل ذلك , و ما يجري فيه من أمور خاصة من قول أو فعل أو نحوه قال عليه الصلاة والسلام : : إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضيى إليه ثم ينشر سرها . رواه مسلم وغيره .
فالأزواج الذين ينشرون أسرار نسائهم , أولائك شرار الناس عند الله تعالى منزلة يوم القيامة .
و كما أن الزوج مؤتمن فيما سبق , فالزوجة مؤتمنة بطاعة زوجها , فله حق القوامة عليها ؛ ما لم يأمرها بمعصية الله , قال تعالى { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ }النساء34
قال ابن عباس رضي الله عنهما و غير واحد في قوله تعالى
{ قَانِتَاتٌ } يعني مطيعات لأزواجهن , و عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (ص) إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت . رواه ابن حبان في صحيحه .
و الزوجة مؤتمنة على حفظ نفسها و عرضها , قال عليه الصلاة و السلام في خطبة حجة الوداع : و لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه .
و قال جرير يرثي امرأته في عفافها :
كانت إذا هجر الخليل فراشَها خَزْنَ الحديث و عَفَّت الأسرار
و الزوجة مؤتمنة على حفظ مال زوجها و عدم الإسراف في المأكل و المشرب {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }الأعراف31
أيها المؤمنون
الزوجان مؤتمنان في تربية الأولاد , و قد فطر المولى عز وجل الأزواج على حب أولادهما , و ربما يحب بعض الأزواج أولادهما حباً يفوق حبهما لنفسيهما , و يتمنيان أن يحظى أولادهما بالمقام الرفيع و العيش الرغيد في الدين و الدنيا .
و منة هنا تبرز أهمية تعاون الزوجين في تربية أولادهما و رعاية أمورهم .
فالزوجان مؤتمنان على حث أولادهما بأداء الصلاة منذ الصغر , قال عليه الصلاة و السلام : مروا صبيانكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع ) صححه الألباني
و الزوجان مؤتمنان على تربية أولادهما و تعليمهم ما ينفعهم في دينهم و دنياهم , يقول ابن القيم رحمه الله فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه , و تركه سدى , فقد أساء إليه غاية الإساءة , و أكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء و إهمالِهِم لهم , و تركِ تعليمهم فرائض الدين و سننه , فأضاعوها صغاراً فلم ينتفعوا بها و لم ينفعوا آباءهم كباراً .
و الزوجان مؤتمنان على حفظ البيت من المنكرات , فكل منكر يدخل البيت برضاهما فهما في الإثم مشتركان , فبماذا يجيب ربه من أدخل القنوات التي ملئت بالمنكرات إلى بيته , و بماذا تجيب من رضيت بتلك المنكرات , فاعلموا أن الله سائلكم عن من ائتمنكم عليهم , و محاسبكم على كل تفرط لهم . أقول ما سمعتم ......



الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه أحمد حمدا يليق بجلاله وأشكره على جزيل إنعامه وعطائه وأصلي وإياكم على نبي الهدى ومصباح الدجى نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
عباد الله
و من الأمانة التي تدور في داخل الأسرة , أمانة الأولاد في البر بوالديهم , فهي أمانة جد عظيمة , و تتمثل في الإحسان إليهما , و القيام بهما في حالة نشاطهما و ضعفهما , و السهر على خدمتهما {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }لقمان14
و يجب على الأولاد الإنفاق على الوالدين المحتاجين , و القيام بتفقد حاجاتهما قال تعالى { قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ }البقرة215
و تظهر خطورة الإخلال بأمانة الأولاد تجاه والديهم , حين يصدر الإيذاء لهما بالقول أو الفعل , من نهرهما أو سبهما أو عدم احترامهما , و هذا من الكبائر فقد سئل النبي (ص) عن الكبائر فقال : الكبائر , الشرك بالله , وقتل النفس , وعقوق الوالدين ... .
عباد الله
لقد تبين لنا جميعاً عظم الأمانة , و خطر التفريط في شيء منها , و لنتذكر دوماً قول الله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72
فلنحمل الأمانة بحقها , و لنخلص أنفسنا من أوزارها , لعل المولى ينجينا في يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون .
هذا و صلوا ....
بواسطة : التحرير
 0  0  3278