×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

هموم تربوية -2

هموم تربوية ( 2 )
سبق الكلام على القنوات الفضائية بدون الخوض في تفاصيلها وآثارها، وتقنية الهواتف المتنقلة وبعض جوانب خطورتها على أبنائنا الصغار، إلا أن هناك قسما ثالثاً من أهم وأخطر التقنيات الحديثة في نظري - على فلذات أكبادنا وهي الشبكة العنكبوتية، - الإنترنت - ، ولا شك أن هذه الشبكة قد أفادت البشرية وأنها تمثل نقلة كبيرة في علم الاتصال، وتوفير المعلومة بشكل قد لا يستوعبه العقل البشري لو تأمله، وشأن هذا المخترع العجيب شأن غيره، فسوف يوظفه أهل الشر في خدمة شرهم كما يوظفه أهل الخير لخدمة خيرهم.
إحدى مشاكل الإنترنت أنك حينما تطل عليها من خلال شاشة جهازك، فكأنما تقف أمام طوفان، بل هي أكبر من الطوفان في نظري -، فأمامك مئات الملايين من المواقع، وما هي إلا نقرات بزر الفأرة إلا وأنت تبحر في هذا الطوفان، ومن لم يكن لديه هدفٌ واضحٌ ومحددٌ وإلا تاه في هذا الخِضَم، هذا حينما نتكلم عن كبار السن من المتعلمين والموظفين الناضجين رجالاً كانوا أو نساءً-، فمابالك حينما يكون الكلام على فلذات الأكباد، محدودي التفكير، ذوي العقول الصغيرة والأفهام البريئة، والقلوب الرقيقة؟!
إن تسليم هؤلاء الأطفال وفلذات الأكباد لهذه الشبكة ، لهُوَ أشد خطراً وأكثر فتكاً بلا مبالغة - من رميهم في غابة مدلهمة الأخطار، مليئة بالوحوش، وبها شتى أصناف المخاطر الممكن تصورها، ذلكم أن المسألة تتعلق بعقلية الطفل، وما قد تقع عليه عيناه مما لا يمكن للكبار أن يستوعبوه فضلاً عن هؤلاء الأطفال، وحدث ولا حرج عن خطورة هذا الأمر وما قد يسببه من تأثيراتٍ عميقةٍ جداً في نفسية الطفل وما يمكن ان يلقَـى في روعه من هذه المصائب العظيمة التي تدع الحليم حيراناً، فكيف - مرة أخرى - بمن لم يبلغ الحلم؟
إن الآثار السلوكية والتربوية والأخلاقية الممكن أن تتركها مثل تلك المشاهد القاتلة لا أقول الخادشة - للحياء في نفس الطفل خطيرة جداً وبإمكانك تكرار كلمة جداً إلى ما شئت من المرات!! ومهما تحدث المهتمون والمربون عن خطورة الموضوع إلا أنه يظل أكبر بكثير مما نتصوره،"ففي كندا أشار التقرير الصادر عن المؤسسة الكندية للتربية والأسرة في عام 2004م إلى أن العديد من الدراسات أثبتت أن هناك ارتباطاً قوياً بين تعرُّض الأطفال للمواد الإباحية والسلوك الجنسي المنحرف، وأن هناك حاجة ماسة إلى قوانين وتشريعات لحماية الأطفال ....
وفي ألمانيا تُعَدّ (دونا رايس هوجز) واحدة من أبرز المهتمين بشؤون حماية الطفل من خطر مشاهدة المواد الإباحية، وقد كتبت (هوجز) تفصيلاً عن آثار هذه المشاهدة في دراستها التي نشرها موقع «حماية الطفل»، تقول (هوجز):
أولاً: مشاهدة الأطفال للمواد الإباحية تجعلهم فريسة للعنف الجنسي: أثبتت الدراسات أن الإنترنت أداة على درجة عالية من النفع لهؤلاء المولعين بحب الأطفال وذئاب الجنس، فهذه الفئة من الناس هي التي تقوم بتوزيع المواد الإباحية التي تعرِّض الأطفال للجنس، وتدخل في محادثات جنسية صريحة مع الأطفال، ... وكلما زاد تعامل هؤلاء مع المواد الإباحية ارتفعت مـخاطــر ممارستهم لما يشاهدونه؛ سواء أكانت هذه الممارسة في صـورة اعتداء أم اغتصاب جنسي أم تحرش بالأطفال. وبيَّنت دراسات أخرى أن التعرُّض المبكر - في سن الرابعة عشرة تقريباً - للمواد الإباحية له علاقة بالدخول إلى عالم الممارسات الجنسية المنحرفة وخاصة الاغتصاب. ... وأن 53% من الذين تم تحريضهم على التحرش استخدموا عمداً المواد الإباحية لإثارتهم ونفّذوها كما رأوها.....وتبيِّن الدراسات أن مشاهدة المواد الإباحية يمكن أن تدفع الأطفال إلى سلوكيات جنسية منحرفة ضد الأطفال السذج والذين هم أصغر منهم سناً. وقد توصلت هذه الدراسات إلى نتيجة هامة هي: الأطفال الذكور حينما يتعرضون لمدة 6 أسابيع على الأقل لمواد إباحية فاضحة تنمو لديهم الصفات التالية:
1 - سلوكيات جنسية شديدة القسوة بالنسبة للمرأة، وإدراكات مشوهة عن النشاط الجنسي.
2 - لا ينظرون إلى الاغتصاب على أنه اعتداء إجرامي، بل لا يعدّونه جريمة بالكلية.
3 - الشهية نحو سلوك جنسي أكثر انحرافاً وأكثر شذوذاً وأكثر عنفاً كما يرونه في المواد الإباحية، ولا يصبح الجنس العادي ذا قيمة عندهم.
4 - يفقدون الثقة في الزواج بوصفه مؤسسة حيوية ودائمة. كما ينظرون إلى العلاقات مع نساء غير زوجاتهم بوصفها أمراً عادياً وطبيعياً."
والآن تتنادى الدول التي سبقتنا في عصر الثورة المعلوماتية تتنادى لسن قوانين صارمة لتجريم تداول المحتوى الإباحي على مستوى الأطفال والقصر، فحري بنا نحن في مجتمعاتنا المحافظة التي تربى أبناؤها على الأخلاق الإسلامية الرائعة أن نكون أصحاب السبق في هذا الميدان، فهذه ثقافتنا وهذه تعاليمنا الدينية السمحة ولن نأتي بجديد ولله الحمد، فمجرد التنبه لهذا الخطر لا يكفي مالم يكن هناك منظومة متكاملة من العمل الدؤوب الجاد لاحتواء الموقف، وزرع وتنمية الرقيب الذاتي في نفوس الناشئة، لأن المربي والأسرة مهما احكموا إغلاق الأبواب أمام الأبناء، إلا أن النوافذ باتت أكثر وأوسع من باب واحد نغلقه.
. وللحديث بقية.

بقلم
علي بن غالب

( المرجع مجلة البيان http://www.albayan-magazine.com/bayan-248/bayan-04.htm )
 0  0  7449