التفكر في الموت
التفكر في الموت
الحمد لله كل شيء هالك إلا وجه له الحكم وإليه ترجعون لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، أمات وأحيا ، وخلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى .
يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك للآيات لقوم يتفكرون .
وصلى الله وسلم وبارك على حبيب قلوبنا وقرة أعيننا خلاصة البشر وصفوة الرسل وإمام الأنبياء محمد وعلى آله وصحابته والتابعين له ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
عباد الله :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى أقيموها في حياتكم وتعاهدوا بها قلوبكم ولتكن شعاركم ودثاركم .
أيها الأخوة :
ما أشد الموت ما أعظم كربه ، يا لألم غصصه ، شكاها الحبيب المصطفى وبكاها الصديقون والأولياء .
روح تخرج من كل مكان في الجسد ثم قدوم على العليم الخبير ، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
اللهم هوِّن علينا سكرات الموت وتوفنا ونحن على خير حال .
اللهم إنا قد اشتقنا إلى لقاءك ، لكن لنا ذنوبا وأوزارا لا يعلمها إلا أنت ولا يغفرها سواك .
ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار .
إخواني :
هل سألنا أنفسنا عن لحظة موت الواحد منا ؟ كيف لو نزل به الموت ؟ كيف سيلقى الله ؟ أم نحن غافلون .
يقول الدكتور خالد الجبير استشاري جراحة القلب في كتابه : مشاهدات طبيب
في حوالي الساعة الخامسة صباحاً اتصل بي أحد العاملين في المستشفى قائلاً إن مريضك الذي سوف تُجرى له عملية هذا اليوم قد هرب .
قلت : خيراً - إن شاء الله أسأل الله له الخير .
وبعد أسبوعين علمت أن شابًا لا يتجاوز العشرين من عمره يبحث عني خارج غرفة العمليات فذهبت إليه ، وعندما رأيته قلت له : أنت الذي هربت من العملية منذ أسبوعين ؟ قال : نعم .
قلت له : لماذا هربت ؟ قال : خفت من الموت .
سألته : ولماذا تخاف من الموت ؟ قال : لأنني لست مستعدًا ، قلت له : لماذا أنت غير مستعد ؟ قال النفس والهوى والشيطان.
قلت له : متى ستكون مستعدًا ؟ أو متى تسيطر على النفس والهوى والشيطان ؟ قال : لا أعلم ولكن أسأل الله أن يهديني .
قلت له : هل تضمن أن تعيش قبل أن تخرج من هذا الباب ، أو أن تعيش إلى غد ؟ رد متلعثمًا : طبعًا لا قلت : إليك هذه القصة .
ذهبت يوم الثلاثاء عصرًا إلى أحد الأخوة أُناصحه في أمر المحافظة على الصلاة ، وبعد أن جادلني وجادلته قال لي يا أبا محمد إن كان ما أتى بك إلا مجادلتي في هذا الموضوع فغيِّر الموضوع .
قلت له : يا أبا فلان اتق الله فأنت لا تعلم متى ستموت ، ولا أين ، فقد تموت غدًا أو الآن أو بعد ساعة .
رد بسخرية : أنا ما زلت شابًا وأبي لم يمت حتى بلغ السبعين ، وإذا بلغت ستين سنة فسوف أصلي .
قلت له اتق الله ، الموت يأتيك في أي لحظة فردَّ بسخرية مردِّدًا ما قاله ، فخرجت من عنده حزينا .
وفي يوم الأربعاء وعند تمام الساعة العاشرة مساء أي بعد ثلاثين ساعة فقط من مقابلتي له اتصل بي أحد الأخوة وقال إن أبا فلان يعني الأخ الذي كنت أناصحه بالأمس مات عصر اليوم في حادث سيَّارة على طريق الدمام
لقد نزل عليَّ الخبر كالصاعقة ، أسفت لحاله وتذكرت جداله وحواره وسخريته كان يطمع أن يعيش سنوات ولم يُمهل
إلا أربعًا وعشرين ساعة ، فما رأيك ؟
ثم سأحدثك بقصة أخرى والكلام للدكتور خالد الجبير .
قال لي الأخ (ضياء) مغسل الموتى في مستشفى القوات المسلحة بالرياض : جاءني ضابط صف من القوات الجوية وطلب مني مساعدته في إجراءات لزميل له قد توفاه الله يقول الأخ ضياء : فقمت أنا وضابط الصف هذا بتغسيل صديقه وفي الساعة الحادية عشرة والنصف ضحى افترقنا هو أخذ متوفاه إلى المسجد ليصلي عليه ومن ثم إلى المقبرة وأنا ذهبت لأستعد لصلاة الظهر .
وفي الساعة الواحدة ظهرا اتصل بي من المستشفى وذكروا لي أن هناك متوفى قد وصل المستشفى .
ويريد أهله أن يُصلَّى عليه العصر جئت مسرعا وعندما كشفت الغطاء عن وجهه فإذا بي أجد المفاجأة إنه ضابط الصف الذي كان معي قبل ساعتين وهو الذي شاركني في تغسيل زميله المتوفى وحمله للصلاة عليه .
لقد أُصِبْتُ بصدمة كبيرة ولم أتمالك نفسي فذهبت إلى مكتبتي وجلست قليلاً ذكرت الله ثم توكلت عليه سبحانه وذهبت وغسلت هذا الرجل وبعد أن أنهيت غسله سألت أهله ما الذي جرى ؟
قالوا لي : عندما نزل إلى القبر ووضع صاحبه فيه وأراد أن يخرج من القبر أصيب بألم شديد في صدره فمات في قبر صاحبه أ.هـ حفظه الله .
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
يا أيها الناس ، يقول ربكم جل وعلا : ( من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم )
وقال ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربك ترجعون ) وقال ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئك بما كنتم تعملون)
قال ابن القيم رحمه الله : " ومن تأمل أحوال الصحابة وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن فاللهم غفرانك " .
اذكروا يا عباد الله إذا بلغت القلوب التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق
اذكروا يوم الصاخة يوم الطامة يوم الحاقة .اذكروا إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة
لما حضرت الوفاة معاذ بن جبل قال لابنه يا بُنيَّ انظر هل طلع الفجر ، قال : لا ، ثم قال له ثانية : يا بُنيَّ انظر هل طلع الفجر ؟ قال : نعم . قال معاذ : اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ولا لكري الأنهار ولكن لظمأ الهواجر ومكايدة الليل ومزاحمة العلماء بالركب .
اللهم إني أعوذ بك من يومٍ أُساقُ في صبيحته إلى نار جهنم .
إلى متى الغفلة عن الله ؟ وحتى متى الإعراض عن أوامره والاستخفاف بحدوده ؟ إن غاية ما يطلبه الميت إذا جاءه الموت العودة إلى الدنيا ليعمل صالحاً ، قال تعالى : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت * كلا إنها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون ) .
وغاية ما يطلبه أهل النار العودة إلى الدنيا ليعملوا صالحاً .
(وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل * أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير)
واعلموا أن الله سائلكم عن الصغير والكبير .
( فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون )
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون )
بارك الله لي ولكم ........
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمدًا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
عباد الله :
ولقد بكى الصالحون خوفا من سوء الخاتمة فهذا ابن عباس يبكي خوفا من ذلك فيذكر الصحابة فضله ومنزلته فكان يقول لهم : إن الله يقول " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب "
وهذه قصة ذكرها الدكتور خالد الجبير أيضا :
يقول في الخامس عشر من رمضان عام 1421هـ فقد رجل وعيه في أحد المساجد وذلك عند إقامة صلاة الفجر، فأخذه ثلاثة من المصلين إلى المستشفى العسكري بالرياض وهم في الطريق أفاق الرجل وعاد إليه وعيه فبدأ بذكر الله وكأن شيئا لم يحدث فوصل الإسعاف وقابله أخصائي القلب الذي روى القصة للدكتور خالد فيقول : وجدنا عند الرجل ذبحة شديدة جدًا قاتلة في جزء كبير من قلبه فتعجبت لحاله يقول الطبيب فبينما أنا أحاول أن أدخله غرفة العناية المركزة فإذا بي أسمع تسبيحه وتهليله ووجدته يُسرُّ لأحد الزملاء في أُذنه بكلام ثم تبسم وهو يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله ثم فاضت روحه .
فبكى زميلي بكاءً شديدًا ، فتعجبت من بكائه وسألته مستفسرًا فقال : إن هذا المريض قال في أُذني يا دكتور لا تجهدوا أنفسكم إني ميت وإني أرى الجنة وأنا إن شاء الله ذاهب إليها إني أراها الآن أراها الآن .
هذا الرجل عندما سأل عنه زميلي قيل له إنه كان يحافظ على أمرين .
أولهما كان يسابق المؤذن إلى المسجد فتارة يسبقه المؤذن وتارات يسبق المؤذن .
والثاني : أنه لم يُعرف إلا بخير فقد حفظه الله من الفحشاء والمنكر فلم يُعرف بكذب ولا غيبة نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا .
نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الختام .
وأما سوء الخاتمة أعاذنا الله وإياكم منها فيقول الدكتور : عندما كنت في زيارة لأحدى المؤسسات فلما علموا أني طبيب قالوا تعال وانظر إلى هذا المنظر جئت إلى الموقع وهو دورة المياه وحولها بعض رجال الأمن ولما فتح بابها إذا بشاب قد توفي وهو جالس على كرسي الحمام وفي أحد أوردة ذراعه الأيمن إبرة بها مخدر وهو في هذه الحالة من الأمس وقد يبس جسمه على شكل الحمام ، والله المستعان أ.هـ حفظه الله .
أيها الشباب : إياكم والغرور والاستخفاف بربكم ، فإن الله عليكم لقدير وبما تعملون خبير ثم إليه المصير يوفيكم أعمالكم
فاتقوا الله أيها الشباب اتقوا الله وتوبوا إليه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون .
ثم صلوا وسلموا .....