×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

آداب الاستئذان

التحرير
بواسطة : التحرير
آداب الاستئذان
الجمعة 18/5/1429هـ


الحمد لله الذي امتن علينا بشريعة الهدى و النور, و هدى من استرشد بكلامه , و كلام رسوله (ص) , على كل خير و سرور , و أشهد أن لا إله إلا الله و حده , لا شريك له في ألوهيته و ربوبيته , و لا ند له في عظمته و كبريائه , و أشهد أن محمداً عبده و رسوله , و خيرَتُهُ من بريته , اللهم صل و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه و سائر القائمين بحقوقه إلى يوم الدين .
أما بعــــــد
فيا عباد الله
اتقوا الله حق التقوى , و راقبوه في السر و النجوى , و اخشوا يوم الوقوف بين يديه و اشتداد البلوى , {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }الزمر61
أيها المسلمون
من نعم الله تعالى على هذه الأمة , أن حباها بدين سماوي متكامل , من غير حول منها و لا قوة {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{2} وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{3} ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} الجمعة
و قد ضمن الإسلام حق الفرد في منزله , الذي يعيش فيه آمناً مطمئنا , محفوظاً من تطفل المتطفلين , و عدوان الصائلين , حيث يلقي أعباء الحذر , و يتحرر من قيود التكلف , قال الله تعالى في سياق الامتنان بنعمة المسكن {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً }النحل80
و إنما سمي مسكنا لأنه محل الارتياح , و السكينة و الاطمئنان , فالبيت هو آخر ملاذ لصاحبه , فإذا فقد السكينة فيه فأين يذهب بعد بيته ؟!
إن البيت كالحرم الآمن لأهله , لا يستبيحه أحد إلا بعلم أهله و إذنهم , في الوقت الذي يريدون , و على الحالة التي يحبون أن يلقوا عليها الناس , فلا يحل لأحد أن يستنصت عليهم , أو يتجسس , أو يقتحم الدار , ولو بالنظر من قريب أو بعيد , بمنظار أو بدونه .
إن المفاسد التي تحصل , من الدخول المفاجئ على الناس , و هم في بيوتهم , لا تخفى على عاقل , إذ سيقع نظر الداخل على عورة من في البيت , مما يجعل للشيطان باباً يلج فيه , و قد يقع البصر على امرأة , و لربما وصل الحال إلى ما لا تحمد عقباه .
فمن اجل ذلك كله , كان الاستئذان , بمثابة حاجزٍ يقي الإنسان , يحفظ مشاعره من كل الأسباب التي تؤدي إلى الفتنة .
و عندما نطبق هذا الدب الاجتماعي الرفيع , نكون قد حافظنا على مشاعرنا , و مشاعر غيرنا , و اتبعنا سنة نبينا (ص) .
فما هو لاستئذان ؟ و ما حكمه ؟ و ما الحكمة منه ؟ و ما صفته ؟ و كيف كانت حياة المصطفى (ص) مع الاستئذان ؟ و كيف كان أصحابه رضوان الله عليهم .
فالاستئذان : هو طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن .
و لا يجوز للإنسان أن يدخل بيت غيره بدون استئذان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النور27
و الحكمة من ذلك كما قال ابن العربي رحمه الله تعالى أن الله سبحانه خصَّص الناس بالمنازل , و سترهم فيها عن الأبصار , و ملَّكهم الاستمتاع بها على الانفراد , و حجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من خارج , أو يلجوها بغير إذن أربابها , لئلا يهتكوا أستارهم , و يبلوا أخبارهم .
و تحقيق ذلك ما رويَ في الصِّحاحِ , عن سهل بن سعد قال : اطَّلع رجلٌ من حجرةٍ من حجر النبي (ص) , و مع النبي مِدْرَى يحك بها رأسه , فقال : لو أعلم أنك تنظرُ لطعنت به في عينك , إنما جعل الاستئذان من أجل البصر .
و عدم فهم حقيقة الحكمة من الاستئذان هو الذي يؤدي بالبعض إلى أن يُلحَّ في الاستئذان , و الانتظار أمام الأبواب قائلا : إنه موجود بالداخل
و قد سمعت صوته , و سأمكث هنا حتى يفتح .
و صفة الاستئذان أن يقول المستأذن (( السلام عليكم , أأدخل ))
فعن ربعي بن خراش قال : حدثنا رجل من بني عامر , قال : إنه استأذن على النبي (ص) و هو في البيت , فقال ( ألجُ؟) , فقال رسول الله (ص) لخادمه : اخرج على هذا فعلمه الاستئذانَ , فقل له : قل : السلام عليكم أأدخل , فسمع الرجل ذلك من رسول الله (ص) فقال : السلام عليكم , أأخل , فأذن له فدخل .صحيح الأدب المفرد
و الاستئذان ثلاث فإن أذن لك و إلا فارجع فهذا النبي (ص) استأذن على سعد بن عبادة فقال : السلام عليك و رحمة الله , فقال سعد و عليك السلام و رحمة الله , و لم يُسمع النبي (ص) حتى سلم ثلاثاً , و رد عليه سعدٌ ثلاثاً , و لم يُسمعه , فرجع النبي (ص) فاتَّبَعَهُ سعدٌ , فقال : يا رسول الله , بأبي أنت و أمي ! ما سلمتَ تسليمةً إلا و هي بإذني , و قد رددت عليك , و لم أسمعك , و أردت أن استكثر من سلامك و من البركة , ثم أدخله البيت .... الحديث .رواه الإمام أحمد
و قال عيه الصلاة و السلام : إذا استأذن أحدُكم ثلاثاً , فلم يؤذن له فليرجع .رواه البخاري
و يقوم قرع الباب مكان الاستئذان باللفظ و كذلك الأجراس كما هو الحال اليوم , و إذا سأل من الباب ؟ فلا يجيب بقوله أنا ! لأن هذه الإجابة لا تبين المراد عن المسؤول عنه , بل يفصح باسمه .
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أتيت رسول الله (ص) في أمر دين كان على أبي , فدققت الباب , فقال : من ذا ؟ , فقلت : أنا , فخرج , و هو يقول : أنا أنا ! كأنه كرهها .
و ينبغي أن لا يقف المستأذن قُبَالَةَ الباب , و لكن يقف إلى جانبه فقد كان رسول الله (ص)إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء جهه , و لكن من ركنه الأيمن أو الأيسر .... الحديث . رواه البخاري في الأدب المفرد .
و يروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه قال : من ملأ عينه من قاعةِ بيتٍ , قبل أن يؤذن له , فقد فسق . رواه البخاري
و عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (ص) قال : من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم , ففقئوا عينه , فلا دية و لا قصاص .
و إذا لم يؤذن لك يا عبد الله فارجع { وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }النور28
فعن قتادة قال : قال رجل من المهاجرين : لقد طلبت عمري كلَّهُ هذه الآية فما أدركتُها , أن أستأذن على بعض إخواني , فيقولُ لي : ارجع , فارجع و أنا مغتبط , لقوله تعالى : { وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ }النور28
قال الحافظ رحمه الله - : لصاحب المنزل إذا سمع الاستئذان أن لا ياذن , سواءً سلم مرة , أم مرتين , أم ثلاثاً , إذا كان في شغل له , ديني أو دنيوي
و قال قتادة : فمن لم يؤذن له فيهنَّ فليرجع , أما الأولى : فليُسمعِ الحيَّ , و أما الثانيةُ فليأخذوا حذرهم , و أما الثالثة : فإن شاءوا أذنوا , و إن شاءوا ردوا , و لا تفقنَّ على باب قوم ردوك عن بابهم , فإن للناس حاجاتٍ , و لهم أشغال , و الله أولى بالعذر .
و على الإنسان أيضاً أن يستأذن داخل المنزل , فقد بين المحققون من العلماء أن الرجل يلزمه أن يستأذن على أمه , و أخته , و بنيه , و بناته البالغين , لأنه إن دخل على من ذكر بغير استئذان , فقد تقع عينه على عورات من ذكر , و ذلك لا يحل له .
و قال الشيخ أبو الحسن المنوفي رحمه الله لاستئذان واجب وجوب الفرائض , و قد انعقد الإجماع على وجوبه , فمن تركه فهو عاصٍ لله و رسوله (ص) , فإذا كان كذلك , فلا تدخل بيتاً فيه أحد حتى تستأذن ثلاثاً , سواءً كان ذلك الأحد محرماً , أو غيره مما لا يحل لك النظر إلى عورته .
و عن ابن عرم رضي الله عنهما - : أنه كان إذا بلغ بعض ولده الحُلُمَ عزله , فلم يدخل عليه إلا بإذن .
و قال ابن عباس رضي الله عنهما - : فلإذن واجب على الناس كلِهم .
و لا يجب على الرجل أن يستأذن على زوجته , فعن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أيستأذن الرجل على امرأته ؟ قال : لا .
و لكنه يندب له أن يشعر أهله حال دخوله , لكي لا يراها على حالة لا تريد أن يراها زوجها عليها , قال أبو عبيدة : كان عبد الله يعني ابن مسعود إذا دخل الدار استأنس . أي تكلم و رفع صوته .
أقول ما سمعتم و استغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين فاستغفروه و ارجوه إنه هو الغفور الرحيم .



الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه و الشكر له على توفيقه وامتنانه و اشهد أن لا إلهإلا هو تعظيماً لشأنه و اشهد أن محمد عبد الله و رسوله الداعي على رضوانه صلى الله عليه و على له و صحبه و سلم تسليما مزيدا على يوم الدين .
أما بعــــد
فيا عباد الله
فقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوب أمر الصغير المميز بالاستئذان قبل الدخول , في الأوقات الثلاثة , التي هي مظنة كشف العورات ,لأن العادة جرت بتخفف الناس فيها من الثياب , قال الله تعالى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النور58
أما إذا بلغ الأطفال الحُلُمَ فإنهم يدخلون في حكم الأجانب , و عليهم كلما أرادوا الدخول أن يستأذنوا .
عباد الله
إن هذا التأدب الإسلامي الرفيع , أمر يغفل عنه الكثير في حياهم المنزلية , مستهينين بما ينشأ عن التفريط فيه من الصدمات النفسية , و الانحرافات السلوكية , ظانين أن الصغار قبل البلوغ لا يتنبهون لهذه الأمور , و لكن علماء التربية و علماء النفس , يقررون أن وقوع عين الطفل على شيء من هذه العورات , قد يترتب عليه معاناة نفسية , و اضطرابات سلوكية لا تحمد عقباها .
و هذا يلفتنا إلى حفظ تلك الأعين البريئة , من كل ما يلوتُ فطرتها النقية , و يجني على صحتها النفسية , حيث يحصل تساهل قبيح , بل إفراط مشين , في كشف الأبدان و إظهار العورات , أمام الصغار , بحجة أنهم لا يفهمون , و تفتح أمامهم قنوات الخنا و الفجور , و قد أظهرت قبيح المناظر , فلنتق الله في أنفسنا أولاً , و فيمن و لنا الله عليهم ثانيا , فو الذي نفسي بيده , لتسألن عن نفسك , و لتسألن عمن كان تحت يدك .
اللهم وفقنا لإتباع سنة نبيك يا رحمان يا رحيم
هذا و صلوا و سلموا ..
..اللهم أعز الإسلام و المسلمين .. اللهم اغثنا ...
عباد الله إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون , و أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم , و لا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها فقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون فاذكر الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم
و لذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون .
بواسطة : التحرير
 0  0  2892