×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

منظمة ( الفاو ) تحذركم يا أهل تنومة

منظمة ( الفاو ) تحذركم يا أهل تنومة

على هامش الإحتفال بمناسبة اليوم العالمي للمياه الذي شاركت فيه المملكة العربية السعودية يوم الإثنين 6/4/1431هـ الموافق 22/مارس/2010م فقد إطلعت على التقرير الذي أعدته المنظمة العالمية للأغذية والزراعة ( الفاو) من أن حجم استهلاك السعودية للمياه الجوفية من إجمالي ما يتجدد من مياهها الطبيعية فاق ( 936% ) وعلى الرغم من التقديرات المخيفة التي تضمنهاى تقرير المنظمة العالمية ، إلا أن سلوكنا مع مصادرنا المائية لم يتغير ، مما يضعنا على مشارف الآثم أمام الله الذي وهبنا هذه النعمة ، وقد نهانا عن تبذير النعم والإسراف فيها ،ثم وضعتنا هذه النسبة الموغلة في الاستنزاف على شاشة الكوميديا الساخرة ، نعرض فيها مشاهداً هزلية متخمة بالمفارقات أمام أنفسنا و العالم .. إذ كيف لبلد يرزح تحت وطأة الجفاف وشح الأمطار ، ويفتقد المصادر المتجددة كالبحيرات والأنهار أن يبلغ معدلات استهلاكه لما يفتقده ويعوزه هذا المقدار ، في الوقت الذي فيه استهلاك بلد تحفه الأنهار من كل جانب ، ويطفو على بحيرات من المسطحات المائية العذبة ؛ لم يبلغ ( 2% ) فقط . مثل كندا . أليست مفارقة مبكية لنا مضحكة لغيرنا ؟ .
أما على صعيد الفرد السعودي فقد انخفض نصيبه خلال العشر سنوات الماضية بنسبة تفوق الـ ( 25%) وفق تقرير البنك السعودي الفرنسي ومع ذلك لازلنا نزايد في استنزافنا وتهافتنا على هدره وتبديده ، ولا أدل على ذلك من ظاهرة تأجير المزارع على الزرّاع الأجانب ، وتسخير كل مقدراتها الطبيعية لأطماعهم ورغباتهم ، وأكثر تلك المقدرات عرضة للاستهلاك- طبعاً - هي المياه .
ومن ضمن ما أشار به تقرير ( الفاو ) اطراد الطلب على الماء وزيادة وتيرة هذا الطلب عام بعد عام ، إذ بلغ معدل النمو السنوي له حوالي 8 بالمائة قابلة للتزايد بمعدل ( 2.5% ) ، وهذا يعني بأن الاستهلاك يزيد في الوقت الذي ينقص فيه التجدد للمصادر المائية للمنطقة ، فبحسب التقرير ذاته يبلغ التناقص لماء الآبار الارتوازية معدل الـ ( 10 ) أمتار سنوياً ، ما يعني أن هناك خلل توازني بين التجدد المائي واستهلاكه لحساب الأخير .
في إحدى مناسبات المنطقة الصيفية العام المنصرم تحدث أحد الحاضرين - بنبرة الغيور على نعمة الماء ، المندهش من سلوك الأجنبي تجاه تلك النعمة أن مجموعة من تلك العمالة استأجرت إحدى المزارع المحاذية لمنزله فكانت تتعامل مع البئر الارتوازية كما لو أنها ( ترعة ) من ترع وادي النيل الضخم ، فالسقاية على مدار اليوم والليلة ، وأزيز المضخات لا يكاد يهدأ وأقسم على ذلك - .
هذا المتحدث لا أظنه إلا صادقا ، فالأجنبي أياً كان جنسه ، يظل بلده أفضل حالاً من بلدنا فيما يخص وفرة الماء ومصادره ، وحين يفد إلينا يكون سلوكه مع مصادر المياه لدينا ذات السلوك مع مصادر المياه في بلده ، حتى وإن علم بشح مصادرنا المائية ؛ فإن ذلك لا يعنيه ، ولا يمثل عنده ذرة من أهمية ، وتحصيل الثروة وجمع المال هو الشاغل الأوحد الذي يستعمر باله ، والهدف الأكبر الذي أتى لأجله ، لذا من غير المعقول أن نطالبه ( أي المزارع الأجنبي ) بأن يراعي الذمة والضمير فيما أخضعناه له ، وذللناه بين يديه ، لأن هذا الطلب سيتعارض مع ما يصبو له ، ويتقاطع مع تحقيق هدفه الذي أشرنا له ؛ - وهو جمع المال - .
إذاً فللعامل الأجنبي مبرراته وغاياته التي فرضتها عليه ظروف حاجته للمال والثروة ، لكن ما هي مبررات المواطن الذي أسلم له الخيط والمخيط ؟ لماذا يجعل المواطن من نفسه قنطرة يمتطيها الأجنبي للوصول لأحلامه في الثروة والمال ، سيما وأن تلك التطلعات تمس بالدرجة الأولى أمن المواطن والوطن المائي ؟ .
هل يعتقد المؤجر لأرضه بأن الدراهم المعدودات التي يتقاضاها نظير بئره ومخزون أرضه المائي سيطري بلعومه يوما ما فيما لو نضبت جميع مصادر الماء في المنطقة ؟ .
ربما البعض يستبعد هذا النضوب ، ويرمينا بتهمة التهويل والتقبيب لأنه ربما لم يدرك أبعاد ما أعلنته اللجنة الاقتصادية السعودية ـ الأمريكية في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي ؛ في تقريرها الذي يفيد بأن ( مصادر المياه الجوفية في المملكة موشكة على النضوب التام خلال الخمسة والعشرين السنة القادمة ) .
فإذا ما استمرت سياسة ( أنا والطوفان من بعدي ) الذي ينتهجها الكثير من المواطنين تجاه آباره وما حباه الله من نعمة الماء في أرضه ومزرعته ؛ فإن توقيت النضوب المشار إليه في التقرير أعلاه سيصبح بلا ريب أبكر وأقرب لاسيما في ظل جفوة السماء وانحباس المطر .
يجب على أهالي المنطقة أن يتنبهوا لخطورة استنزاف الماء الجائر ، ثم التروي وإعادة النظر في مسألة تأجير الأراضي الزراعية للزراع الأجانب خاصة في ظل الظروف الراهنة ، وأن يعلموا أن التحسب وإعداد العدة لغيبيات المستقبل ليس أمراً يتعارض مع التوكل على الله ، وليس فيه ما يشير للقنوط واليأس من رحمة الله ، بل فيه تعضيد لليقين بأن لطف الله وعنايته قريبة ، وأنه سبحانه كما خلق الأسباب المنزلة للمطر ؛ خلق الأسباب الحابسة له ، لذا يستوجب على المؤمن الإيمان بتلك الأسباب و الأخذ بها ، ولنا في سيدنا يوسف عليه السلام المثل الأعلى حينما أرشده الله لخطة التحوط للمستقبل العجيف كما في قوله تعالى : {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} (47) سورة يوسف ، . وما أوردناه هنا ليس ببعيد عن فحوى الآية الكريمة ؛ إذ نقول للمؤجرين أرضهم ؛ تذكروا أن ما حباكم الله به من نعمة الماء المكنوز في أراضيكم قابل للنضوب والزوال إذا ما أخضع لوطأة النزف والتبديد والهدر مع غياب المطر وشحاحته ، فذروه في مستودعاته إلا قليلاً مما تشربون ، ومن أضطر لحاجة الانتفاع بأرضه ، فعليه أن يعتمد في سقايته لها أسلوب الري الحديث أو ما يعرف بالري المغلق أو التنقيط ، وعليه أيضاً أن يتجنب كلية طرق الري المفتوحة التقليدية التي تضر أكثر مما تنفع ، كما يجب عليه أيضاً الإشراف المباشر على مزرعته ، وألا يتركها رهن العامل الأجنبي الذي لا يدرك أبعاد مما نحن فيه من عوز شديد للماء .
أخيراً .. مسألة تقويم السلوك الفردي مع الماء أمانة عظيمة ، لا يجب التخاذل عنها ، فقد آن الأوان لوقفة القائمين على المؤسسات الحكومية ، والأخوة القائمين على المؤسسات الأهلية ، والأخوة المشايخ ونواب القبائل ، بشكل جاد لا تراخ فيها ولا تباطؤ ، لاسيما في هذا الوقت العصيب الذي نسأل الله تعالى أن يعجل بسرعة جلاءه وانقشاعه، وأن يغدق علينا من بركاته وفضله، وأن يمطر قلوبنا بهديه ونوره ، وبلادنا بغيثه وشآبيب رحمته .


أ / عبدالرحمن بن ظافر الشهري
abo_dhafer3@hotmail.com
 0  0  4072