هل اختزلنا التعليم العام في امتحانات التحصيلي والقدرات؟
هل اختزلنا التعليم العام في امتحانات التحصيلي والقدرات؟
عوض آل سرور الأسمري
ترددت كثيراً قبل طرح هذا الموضوع. ولكن بعد أن سمعت كثيرا من الجدل والنقاشات حوله، قررت أن أشارك بما أراه مناسباً من مقترحات جديدة قد تضيف أو تفتح مجالاً أو مساراً جديداً للمساهمة في حل هذا الجدل الكبير. هناك عدة آراء حول المنهجية الجديدة في امتحانات التعليم العام، أو ما يعرف بالتعليم قبل الجامعي، وخصوصاً المرحلة الثانوية.
هناك آراء أستطيع أن أطلق عليها - آراء متطرفة أو بعيدة عن الواقع - عند كثير من الطلبة والآباء وبعض المعلمين ومنسوبي وزارة التربية والتعليم. أصحاب هذا الرأي يدعون أن المعلم والوزارة ومنشآتها الضخمة وما تقدمه من خدمات عظيمة للوطن وأبنائه اختزلت لتعادل فيما بين 30 في المائة إلى 40 في المائة فقط مما يقوم به مركز القياس والتقويم من خدمات رغم حداثته. المعلم أصبح لا قيمة له عند الطالب، والنسبة التي يحصل عليها الطالب بعد أن قضى 12 عاماً من عمره في التعليم العام لن تزيد على 30 في المائة، وهذا - حقاً - إحباط كبير - حسب تعبير أصحاب هذا الرأي.
هناك رأي ثانٍ أقل تطرفاً ولكن لا يمكن تطبيقه، وهو أن تعاد المنهجية القديمة في التقييم - التقديرات - وأن تطبق على جميع المراحل. لأن فيها ضبطاً للطالب ومتابعة وتقديراً للطلبة المتميزين ومتابعتهم، وضمان لجودة التعليم ومخرجاته، وإعطاء المعلم حقه واحترامه، والتمييز فيما بين التلاميذ، وجعل الثانوية هي المحك الرئيس في القبول في الجامعات بنسبة لا تقل عن 70 في المائة.
أما أصحاب الرأي الثالث والأخير والذي أميل إليه، هو أن دور وزارة التربية والتعليم لا ينحصر في تأهيل الطلبة لدخول الجامعات فقط، بل دورها أكبر من ذلك بكثير، فهي الوزارة الخدمية الأولى ودون منافس على الإطلاق. فهي وزارة المعلم والمعلمة والمشرف والمشرفة ومديري التعليم، وزارة تربية وتعليم الأبناء والبنات والآباء والأمهات، بل هي الأسرة ومصدر رزقها بعد الله. وزارة التربية والتعليم خدمت الجميع في الصحراء، وفي المدينة، في السهل وفي الجبل، في كل مكان. فلا تكاد تجد أسرة إلا من بين أفرادها معلم أو معلمة أو طالب أو طالبة أو الجميع ينتمي إلى وزارة التربية والتعليم. ولهذا السبب أطلقت على أصحاب الرأي الأول كلمة تطرف. وأقدم اعتذاري إن كان فيه إجحاف بحقهم، لأنه قد يكون نابعاً من غيرتهم الكبيرة على وزارتهم الحبيبة. ومن الحب ما قتل.
أصحاب الرأي الثالث يرون أن الوضع الحالي فيه إجحاف بسيط بحق التعليم العام. فقد يفقده شيئاً من الثقة والمصداقية، ولكي أكون أكثر وضوحاً، أعطي مثالاً واقعياً للقبول في كلية الهندسة بصفتي عميدها. إذ تعطى نتيجة الثانوية العامة 30 في المائة والتحصيلي 40 في المائة والقدرات 30 في المائة. ويقبل النظام الأعلى نسبة مركبة. قبِل طالب نسبته في الثانوية العامة 87 في المائة، تحصيلي 80 في المائة، والقدرات 83 في المائة، ولم يقبل طالب آخر نسبته في الثانوية 99.22 في المائة، والتحصيلي نحو 60 في المائة، والقدرات 65 في المائة. ولكن بعد سنة من دراسة الأول في الهندسة والثاني في كلية العلوم، لم يستطع الأول التكميل في كلية الهندسة، أما الطالب الآخر فقد استطاع التحويل إلى كلية الهندسة. ما أود أن أقوله: هو أن نكون وسطاً في قرارات القبول، وأن نتأكد من جودة مخرجات الأنظمة الجديدة في امتحانات التعليم ما قبل الجامعي، وأن نستفيد من تجاربنا السابقة والقديمة، ومن تجارب الدول المجاورة لأنها الأقرب لنا من الناحية الاجتماعية والبيئية. فقد ينجح نظام تعليمي في دولة متقدمة ولكنه قد لا ينجح في بلادنا، لأن أنظمتنا تختلف تماماً عن أنظمتهم.
أميل إلى الرأي الذي يقول بالعودة إلى التقديرات ولكن بمنهجية جديدة تضمن التقييم السليم والمناسب لقدرات الطالب. عندما قُبِلنا في كلية الهندسة، كان معظمنا حاصلاً على تقدير امتياز، باستثناء عدد قليل جداً، كانت تقديراتهم جيد جدا مرتفع، ولكن كان هناك طالب سعودي تقديره نحو 80 في المائة متخرج من دولة عربية، وقُبِل في الكلية بعد عناء كبير، وتدخلات على أعلى المستويات.
ماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة أنه هو الأول على الدفعة وتخرج بتقدير 4.95 من 5 وهو زميلنا الآن في الكلية ومن أبرع أعضاء هيئة التدريس.
إذاً أين الخلل؟ وكيف نعالجه؟
أتمنى أن نعالج الوضع بما يناسب قيمة ومسمى هذه المرحلة - الثانوية - التي أفقدناها شيئا من أهميتها وقيمتها التي كانت تتمتع بها.