×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

تركيا .. وانقلابات العسكر



تركيا .. وانقلابات العسكر


ناصر الشهري

تقف تركيا كحكومة مدنية ضد محاولة الجيش في تنفيذ عملية انقلابية كانت حتى العام 1980م أمراً طبيعياً في تاريخ السياسة التركية. كان قدري أن أكون هناك وسط ظروف صعبة لتغطية الأحداث التركية لصالح صحيفة عكاظ التي كنت أعمل فيها في تلك الفترة.حيث قام وزير الدفاع كنعان ايفرين ومعه مجموعة من الضباط بإلقاء القبض على الحكومة المدنية أثناء اجتماع برئاسة بولنت اجاويد وبحضور كل وزراء الدولة. ليعلن ايفرين حكومة عسكرية برئاسته. وعندها أعلن الأخير في البيان \"رقم واحد\" إن الجيش لم يكن باستطاعته أن يقف مكتوف الأيدي أمام الأوضاع التي وصلت إليها البلاد على الصعيدين الأمني والاقتصادي. معلناً في الوقت ذاته إقالة الحكومة المدنية ومن ثم أعلن عن تعيين بولنت اولسو وهو جنرال مخضرم كان قائداً للسفن الحربية في البحر الأبيض المتوسط.الذي اختار وزراءه من العسكريين في حين ترك وزيراً واحداً هو ألتر تركمان وزير الخارجية الذي كان من أهم الشخصيات السياسية في تركيا منذ أن كان ممثلاً لبلاده في الأمم المتحدة.
وفي ذات مساء اتصلت به من انقره فأنا أعرف السيد تركمان جيداً وقد التقيته في أكثر من مناسبة وهو رجل يحب المملكة وأهلها. لذا لم استغرب منه عندما طلب عنواني والفندق الذي أقيم فيه بعد أن أبلغته وهو في اسطنبول إن الفندق قد تعرض إلى محاولة للتفجير من خلال قنبلة تم إلقاؤها على المدخل الرئيسي أدت إلى بعض الأضرار وانقطاع التيار الكهربائي. ولم تكن إلاَّ ساعات حتى وصل إلي مرافق من وزارة الإعلام وسيارة مصفحة مع حارس خاص لنقلي إلى مكان آمن.. ويتم إبلاغي في اليوم الثاني بموعدي مع وزير الإعلام الجديد الذي أمر بإرسال سيارته المصفحة لنقلي وإعادتي. ويبلغني انه قد تم الاعتذار من جميع الصحفيين الأجانب وتم طلب مغادرة البلاد لبعضهم نظراً للظروف الأمنية. وعدم إمكانية مقابلتهم لأي مسئول. أما أنت هكذا قال الوزير فأنت من بلد نحترمه ونحترم حكومته ولكم تقديركم الخاص.وقد أجريت معه حواراً خاصاً تضمن ملحقاً أصدرته عن تركيا بعد عودتي.
تذكرت كل ذلك وأنا أتابع فشل المحاولة الانقلابية التي قام بها بعض ضباط الجيش التركي في الأسبوع الماضي والذين تتم محاكمتهم بعد أن كانت محاكمة الجيش خطاً احمر للحكومة المدنية حيث تجري اليوم داخل المؤسسة العسكرية. ويؤكد المشهد أن الفارق الكبير بين آخر انقلاب عسكري في ذلك البلد ومحاولة المرحلة الراهنة تحكمه ظروف اقتصادية وسياسية مختلفة أيضا.
في الأول صفق الكثير من الأتراك لقرار العسكر نظراً للأوضاع الأمنية وحرب العصابات التي وصلت إلى ما لا يقل عن 30 قتيل يومياً.
كما هبط سعر الليرة التركية إلى أدنى معدل له وهو ما انعكس على تدني مستوى المعيشة أمام ارتفاع الأسعار.كما أن الجيش في ذلك التاريخ كان قد أعطى للحكومة 3 إنذارات متتالية بالتدخل إذا لم يتم إصلاح الوضع.لذا كان الانقلاب الذي قاده كنعان ايفرين مقبولاً لدى الشارع التركي آنذاك.أما في الوقت الحاضر فإن كل المعطيات لا تعطي أي مبرر للمؤسسة العسكرية بعد أن شهدت تركيا عدة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وقطعت الحكومة المدنية شوطاً كبيراً من الممارسة الديموقراطية في شكل متوازٍ مع مبادئ الدولة العلمانية في كل مؤسساتها. وهو ما يؤكد انه لا مبرر لعودة حكم العسكر مرة أخرى . لأن ذلك يعني العودة إلى المربع الأول في قصة بلد وصفوه يوماً بالرجل المريض!!.
 0  0  2666