×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

هل فك أبوزيد أسرار ذي القرنين؟

هل فك أبوزيد أسرار ذي القرنين؟

التقرير الذي نشرته صحيفة الوطن في عددها رقم رقم 3429 يوم الخميس 4 ربيع الأول 1431هـ ص 27 يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول البحث الذي قام به حمدي بن حمزة أبو زيد وسماه فك أسرار ذي القرنين ويأجوج ومأجوج والذي صدرت الطبعة الأولى منه عام 1425هـ /2004م
يقول التقرير : (إن تحليل الحمض النووي الذي أجري في عدة معامل طبية في جمهورية مصر العربية قد أثبت أن والد توت غنج آمون هو أخناتون وأن المومياء الموجودة بالمقبرة رقم (kv55) هي مومياء أخناتون) في حين قرر حمدي أبو زيد في كتابه أن ذي القرنين التي وردت قصته في القران الكريم في سورة الكهف هو أخناتون , وأنه قد مات ودفن في الصين حوالي عام 1300 ق م , واعتمد المؤلف في إثبات ما توصل إليه على عدد من الأدلة والشواهد العقلية واللغوية والأثرية ومنها أن علماء الآثار لم يجدوا مومياء أخناتون ولا زوجته نفرتيتي , وكان أخناتون ــ كما قال الباحث ـ قد كفر بعبادة الشمس التي كان يؤمن بها الفراعنة وآمن برب الشمس سبحانه وتعالى , وبسبب ذلك تعرض لاضطهاد الكهنة والمجتمع الفرعوني مما دعاه للانتقال من طيبة إلى تل العمارنة , ثم الخروج من مصر نهائياً عبر البحر الأحمر للبحث عن حقيقة الشمس , وأنها خلق من خلق الله يشرق ويغيب وليست جديرة بالعبادة من دون الله , وذهب يبحث عن مغرب الشمس حتى وجده في جزر المالديف التي تقع في منتصف المحيط الهندي حيث وجد الشمس تغيب خلف مجموعة من البراكين الحارة السوداء الواقعة غرب الجزر التي كانت نشطة في تلك الفترة وذلك ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة...) الآية رقم 86 من سورة الكهف , ثم واصل رحلته للبحث عن مطلع الشمس حتى وصل إلى جزر كريباتي التي تقع في منتصف المحيط الهادي تقريباً , وتبعد عن جزر المالديف حوالي 16000 كيلومتر, ومن أوصاف هذه الجزر كما يقول المؤلف خلوها من الجبال والحواجز التي تحجب أشعة الشمس حين طلوعها في إشارة إلى قوله تعالى حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) 90 الكهف,كما إن سكان تلك البلاد ما زالوا يسمونها إلى اليوم أرض مطلع الشمس , بل إن الفندق الذي أقام فيه الباحث يسمى فندق مطلع الشمس .
بعد ذلك توجه أخناتون (ذو القرنين) إلى الصين عن طريق البحر الأصفر ودخل مدينة جنج جو الواقعة في مقاطعة خنان وهناك وجد أهلها يشتكون من الغارات الهمجية التي يشنها عليهم سكان قارة آسيا وشعب الخيل وهو التفسير الحرفي ليأجوج ومأجوج في اللغة الصينية منذ زمن ذي القرنين إلى اليوم , وأنهم طلبوا منه إقامة سد يحول بينهم وبين هذه الشعوب الهمجية فصحح لهم المفهوم حيث كانوا لا يفرقون بين السد والردم , وطلب منهم إعانته بالأيدي العاملة لبناء ردم لهذا الغرض صوره الباحث ووصفه من حيث الشكل والأبعاد والمواد المستخدمة في البناء.
هذه القصة المثيرة العجيبة سردها المؤلف فيما يزيد عن 500 صفحة مزودة بالرسوم والصور , والحقيقة إنه أورد من الأدلة والقرائن والشواهد ما يدعو إلى إجراء المزيد من البحوث والدراسات لتأكيد ما ذهب إليه , غير أن الباحث قد أغفل بعض الأدلة والشواهد التي تنقض ما توصل إليه ومن ذلك :
1 - إن جزر المالديف تقع من الناحية الجغرافية جنوب شرق جمهورية مصر العربية أرض أخناتون (ذي القرنين حسب رأي الباحث) فكيف يسافر وهو الذي آتاه الله من كل شيء سبباً ليبحث عن مغرب الشمس جهة الشرق؟
2ـ قول الباحث إن جزر المالديف هي أرض مغرب الشمس وأن جزر كريباتي أرض مطلع الشمس مع إن جزر المالديف تقع في منتصف المحيط الهندي تقريباً وليست في مغرب قارات العالم القديم (إفريقيا وأوربا وآسيا) حتى يمكن القول بأنه سافر جهة الغرب حتى انتهت القارة التي يسكن بها (إفريقيا) ولم يبق إلا المحيط , كما إن جزر كريباتي تقع أيضاً في منتصف المحيط الهادي فلماذا هي مطلع الشمس دون غيرها؟ خاصة إذا علمنا أن الأرض كروية الشكل وهذا يقتضي أن الشمس لا تغرب في الأرض نفسها وإنما تغرب وراء الأرض , وهذه الحقيقة قد تنبه لها المفسرون القدامى مثل ابن كثير رحمه الله ,حيث قال في تفسير قوله تعالى : (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ) : أي فسلك طريقاً حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب , وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر.(في عين حمئة ): أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط , بل إن ابن كثير رحمه الله قد قرر في تفسيره أن الشمس ثابتة بالنسبة للأرض ,وهذا لم يتوصل إليه العلماء إلا في العصر الحديث حيث قال في تفسير هذه الآية: )هذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه). قلت وهذا لايناقض قوله تعالى : (والشمس تجري لمستقر لها )لأنها تجري بكواكبها في فلك كبير حول مركز مجرة درب التبانة.
3 ـ عدم تطابق أوصاف الردم الذي وصفه الباحث وصوره في كتابه مع أوصاف الردم الذي ذكر في القرآن الكريم من النواحي التالية :
أ ـ ذكر المؤلف أن الردم قد بني من الطين المخلوط ببعض المعادن القلوية الأرضية مثل المنجنيز والكالسيوم والباريوم ... ولم يورد من بين هذه المعادن الحديد والنحاس المذاب وقد نص القرآن الكريم على أن ذي القرنين بنى الردم من الحديد والنحاس.
ب ـ تجاهل المؤلف ماذهب إليه المفسرون وعلماء اللغة من أن القطر هو النحاس المذاب قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى قال آتوني أفرغ عليه قطرا) قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي هو النحاس زاد بعضهم المذاب.وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط القطر بكسر القاف النحاس الذائب .
د ـ ذكر المؤلف أن ارتفاع الردم 9 أمتار وهذا الارتفاع يمكن أن يجتازه الإنسان بكل سهولة أما ردم ذي القرنين فقد قال الله تعالى عنه فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً)97 الكهف. وهذا يدل على علوه وقوته وتماسكه.
4 ـ خالف المؤلف ما ذهب إليه علماء الآثار وأثبتته تحاليل الحمض النووي الذي نشرته صحيفة الوطن وأشرنا إليه سابقاً من أن مومياء أخناتون موجودة إلى اليوم , وأنه مات ودفن في مصر وليس في الصين , كما ذكر المؤلف أن توت عنج آمون زوج ابنته وليس ابنه كما أثبت تحليل الحمض النووي.
إن المتأمل في قصة ذي القرنين في سورة الكهف ليتملكه العجب حين يجد أن القرآن الكريم قد سرد هذه القصة بجميع تفاصيلها في كلمات معجزة في مدلولها صورت قصة عظيمة في موضوعها فيها مايكفينا لأخذ الموعظة والعبرة , غير أن السكوت على أي بحث يتناول شيئاً من القرآن الكريم دون تمحيصه ومطابقته على النص القرآني ربما يفضي إلى تقرير افتراضات غير صحيحة , وهذا هو الذي دفعني لطرح هذه التساؤلات , ولست هنا أقلل من قيمة الكتاب , ولا من الجهد الكبير الذي بذله الباحث وفقه الله فيه, وإنما أقدم دعوة له ولغيره من المهتمين لإعادة النظر فيما توصل إليه من نتائج , ولو اقتضى ذلك إعادة البحث مرة أخرى , والاستعانة بما استجد من وسائل علمية فالمهم أن تكون الحقائق التي نتوصل إليها متطابقة مع الفهم الصحيح لكتاب الله الذي وعدنا فيه بقوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد)
فكم من حقيقة أشار إليها القرآن الكريم , وتوصل إليها العلم الحديث بعد جهود طويلة وكان بإمكاننا بقليل من التدبر والتفكير أن نحوز بها السبق ونقدمها للعالم قبل أن نسمعها من أفواه الآخرين


بقلم الأستاذ
عبدالله بن مرعي
 0  0  9018