×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

ماهي القصة وأين يكمن لغزها؟

ماهي القصة وأين يكمن لغزها؟

لن أتحدث عن السياسة بمفهومها الحقيقي وذلك لسبب بسيط وهو أن أبوابها المشرعة متشابهة وأفنيتها الخلفية مختلفة وأجندتها سرية وليس فيها مخارج للطوارئ وهنا يكون مربط الفرس, ولكن طالما أن هناك مجال للتأمل من بعيد وفرصة الفضول مواتية من خلال (دريشتها) فلا بأس هذه المرة أن أقتنص لكم لغزاً ظل يحيرني فترة من الزمن مما يدور في دهاليز وكواليس السياسة وما تمخض عنه فهمي القاصر من فشل ذريع في عدم القدرة على حل (شفرة) اللغز رغم أنه يتكرر أمامي وامامكم في مناسبات كثيرة .
القصة برمتها محصورة بين (قبل وبعد) في حياة أساطين الساسة في الغرب وبينهما يكمن اللغز المحير فيما أعتقد.
أيها السادة: في الغرب تحديداً تمرس الناس هناك على الصدق في كل شيئ مع أنفسهم ومع الغير وغلفوا حياتهم بالمصداقية حتى أضحت شعاراً عملياً اشتهروا به في مجالات حياتهم المختلفة وأصبحوا مضرب مثل للمصداقية لعل أشهرها احترامهم للمواعيد إلا في السياسة لم يكن لهم فيها موطئ قدم ولم يكن في أجندتهم يوماً ما مثقال ذرة من صدق بدءً بوعد بلفور المشؤوم عام 1917م الذي إنتدب فلسطين وطناً لليهود حتى وقتنا الحاضر عشنا خلالها في وطننا العربي على إيقاع إسقاطات سياسية ماكرة ساومتنا كثيراً وداعبتنا قليلاً وكشرت بأنيابها في وجوهنا مرات عديدة حتى وقعنا في فخ هذه اللعبة السياسية الذكية التي تشبه إلى حد كبير لعبة كرة الجولف حينما تأتي متهادية على إثر ضربة قوية من لاعب ماهر متمكن لتقع قريباً من الحفرة وقد تلج احياناً بضربة واحدة وتنتهي اللعبة بانتشال الكرة الصغيرة من الحفرة وينفض السامر وتختفي معالمها تحت بساط الثيل الأخضر داخل الغابة القشيبة حتى يحين موعد لعبة أخرى.
هذه الأمثلة تقودنا إلى حقيقة لا نستطيع إنكارها فيما يتعلق بساسة الغرب وطريقة تعاملهم مع قضايانا العربية ,فحينما يكون أحدهم رئيساً أو وزير خارجية أو سفير نجدهم أمام خطوط حمراء ومسلمات لايمكن تجاوزها تكرس في مجملها لمفهوم الإحتلال أو إستخدام النفوذ السياسي لدعم محتل أو مؤازرة معارض أو إثارة خلافات عرقية في بعض البلدان, والمتأمل لمثل هذه المواقف الثابتة من القضايا العربية يجد أن الغموض يكتنف الحديث حولها تبعاً للمصلحة وعدم إستثارة الطرف المتضرر طالما هناك علاقة مبنية على مصلحة ولهذا تكون الإجابة المعهودة دائماً مراوغة وعديمة الفائدة وتتسم بالدبلوماسية المستغرقة في الغموض الذي يقبل التأويل لأكثر من معنى , وحينما يتنحى من منصبه ويصبح من المسؤولين السابقين وبدرجة مواطن عادي ليس بوسعه عمل أي شيئ حينها تظهر لغة تلطيف الأجواء المشحونة والمتوترة ومحاولة الإيحاء بأن تلك القضية كانت ضحية قرار سياسي غربي خاطئ وأن الرأي العربي غير قادر على إيصال صوته إلى الرأي العام الغربي وإقناع دوائر صناعة القرار بتفهم قضيته والعمل على حلها.
هذه الحالة نطالعها كثيراً في صحفنا لسفير سابق لإحدى الدول الغربية أو وزير أو حتى رئيس دولة وقد فتح صدره وتحدث حول عدد من القضايا العربية الساخنة بمنتهى الشفافية.
المتأمل لمثل هذه التصاريح أوالحوارات يلاحظ أن الرؤية قد طرحت من منظور مختلف تماماً عن منهجية التعامل السابقة حينما كان في موضع المسؤولية وأصبح فجأة في صف أصحاب الحق ومع مطالبهم المشروعة,بل يذهب احياناً إلى إدانة أبناء جلدته من الساسة وصناع القرار على تجاهلهم لحل مثل هذه القضايا المعقدة ويتسم الحوار بلغة مختلفة ورؤية متعاطفة لا تخلو احياناً من جلد الذات وتأنيب الضمير , ولكن كما يقال جاءت في الوقت الضائع أو بعد فوات الأوان , ولمثل هذا نقول لماذا غابت الصراحة واختفت الشجاعة حينما كان بالمقدور عمل شيئ او حتى كبح جماح أطماع ظلت هدفاً رئيسياً ينتظر الفرصة المواتية للاستيلاء على مقدرات الشعوب تحت ذرائع مختلفة ,وكما يعلم الجميع أن مثل هذه اللقاءات مع المسؤولين السابقين الذين عاشوا بيننا كسفراء أو أثناء زياراتهم المتكررة كرؤساء دول ووزراء سابقين لايمكن أن تقدم لنا حلاً او تعطينا بصيص أمل لاسترداد حق مسلوب بقدر ماهي فرصة لذلك السياسي أن يمحو زلته بجرة قلم وكأنه يتنصل من تحمل تبعيات مسؤولياته السابقة التي ألقى بها على عاتق مسؤول جديد حتى يظهر أمام الرأي العام العربي والإسلامي وكأن الضمير قد صحى ولكنه ليس كذلك فالهدف الحقيقي هو البحث عن مصلحة شخصية بعد أن لفظته السياسة.
وهذه رسالة لإعلامنا العربي بالكف عن مثل هذه الإستضافات لاستطلاع آراء هؤلاء المسؤولين السابقين الذين خرجوا من عباءة الدبلوماسية وتفرغوا لكتابة مذكراتهم الخاصة وتسويقها على عامة الشعوب بالعملة الصعبة.


عبد الله محمد فايز الشهري

 0  0  2934