حرب الفقراء
حرب الفقراء
ناصر الشهري
تظل المناطق الفقيرة هي البؤرة الأكثر استجابة للنزاعات والعصابات المسلحة على الخارطة الدولية، لكنها مع مرور الزمن قد انحسرت إلى حد كبير في أوروبا وفي الأمريكتين، من خلال ثقافة الشعوب، والتحول إلى معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وفق برامج يندمج فيها الجميع نحو التنمية بعد فشل تجربة السلاح.. ثم تحولت نزعة الحروب إلى أجزاء من آسيا وأفريقيا التي غرقت هي الأخرى في التجربة حين اختارت الرصاصة بدلاً من لقمة العيش، فكان مردودها إيجابيًّا على سابقتها من الدول التي عاشت جزءًا من التجربة، حيث استفادت من تصدير إنتاجها بكل أنواعه إلى مناطق التوتر، غير أن الحركات الانفصالية المسلحة في بعض الدول الأفريقية والآسيوية تحديدًا قد وجدت نفسها أمام استنزاف يقودها إلى مزيد من الدمار أمام مصير مجهول، أدركت بعده أن الاستمرار في حمل السلاح معناه المزيد من الحصول على ما هو أسوأ في كل جوانب الحياة.
فكانت هناك صحوة للبحث عن البديل الذي قاد إلى الحوار واتباع منهج الإصلاحات التي نجحت مع سلفهم من الدول التي عاشت التجربة نفسها. وهو ما أعاد صياغة أفريقيا السوداء لتدخل بعد هدوء عواصف الحروب الداخلية، والبينية أيضًا، إلى مرحلة من النمو عبر بوابة منظومة جديدة للاتحاد الأفريقي، حيث تراجعت وتيرة الصراع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، خاصة بعد أن انهالت عليها المساعدات الأمريكية والأوروبية، وأصبحت بعض هذه الدول بيئة آمنة وصالحة للاستثمارات الأجنبية، لكنها لم تشمل في معالجتها دولاً من نفس المنظومة تقع في القرن الأفريقي، مثل الصومال الذي يبدو أنه تم تركه ليكون منفذًا في الشرق الأوسط لتفريغ التطرف والإرهاب، وسوقًا نشطة لتهريب وتمرير السلاح.
وهو أيضاً ما أدى إلى دخول مرتزقة من القرن الأفريقي إلى اليمن كلاجئين ما يلبثون أن يتحولوا إلى محاربين في صفوف العناصر المسلحة والمتطرفة في اليمن، إضافة إلى من يقومون بالدعم اللوجستي من تجار السلاح والفتن من داخل وخارج الصومال وإرتريا.
وكان غباء الحركة الحوثية التي قبلت بأن تكون حاضنة لتجربة الصومال واحدة من كوارث مرحلة الصراع في اليمن، وذلك بعد قبول الحوثيين بالطرف الآخر واللاعب الرئيسي في تغذية الحرب بغطاء مذهبي.
وهذا الطرف الآخر هو إيران التي لم يكن دعمها حبًّا في اليمنيين أيًّا كان مذهب أهلها، بقدر ما كان الهدف الأساسي هو إيجاد منطقة نفوذ لا تقل أهمية عن مناطق النفوذ الأخرى في كلٍّ من العراق ولبنان وغزة، بحثًا عن الولاءات \"الغبيَّة\" التي يمكن استخدامها ضد الآخرين من خلال استراتيجية إقامة دولة داخل دولة!! وإشاعة مبدأ حروب المذاهب التي تقود إلى تنفيذ أجندة الإمبراطورية الفارسية المزعومة.
لكن؛ وبعد التطورات الأخيرة في اليمن، هل يمكن أن تعود العناصر المتطرفة والمسلحة في اليمن إلى تحكيم العقل وقراءة تجارب الحركات المسلحة المماثلة في زمن التحولات الديموقراطية، وتدخل في مرحلة أساسها إلقاء السلاح والدخول في حوار وطني تحت مظلة البرلمان المتاح لجميع اليمنيين؟ هل تفعل هذه الحركة العجيبة في خطابها الذي كشف حجم جهلها؟ أم أنها سوف تستمر في تحويل اليمن إلى نسخة صومالية معدلة لحرب الفقراء بدلاً من الاتجاه إلى تنمية الأرض والإنسان؟