×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

تاريخنا الهجري بين الاهتمام والإهمال

تاريخنا الهجري بين الاهتمام والإهمال

الحمد لله الذي بأمره تتصرم الأعوام ، وتنقضي السنون والأيام ، والصلاة والسلام على خير من صلى وصام ، وطاف بالبيت الحرام ، نبينا محمد بن عبد الله خير مُعلمٍ وإمام ، وعلى آله وصحبه الكرام ، وعلى التابعين ومن تبعهم من الأئمة الأعلام . أما بعد ؛
فمنذ أيام مضت ، ولد عام هجري جديد ، وأشرقت شمسه مؤذنةً بانتهاء عامٍ كاملٍ مضت أيامه ، وانقضت لياليه ، وطويت صحائف أعمال العباد فيه ليربح من ربح وليخسر من خسر ؛ ولأن لهذا الحدث الزمني المُتكرر ارتباطًا وثيقًا بتاريخنا الإسلامي الخالد ، وعلاقةٌ مباشرةٌ بهويتنا الإسلامية المميزة ، ومسيرتنا المباركة في هذه الحياة ؛ فإن على الفرد المسلم في أي زمانٍ وكثل مكان أن يولي هذا الحدث حقه من العناية والاهتمام ، ولاسيما أنه مرتبطٌ بأحد أكبر وأهم الأحداث في تاريخ أُمتنا المُسلمة التي شاءت إرادة الله تعالى أن تكون آخر الأُمم وأكرمها يوم أن وصفها سبحانه بقوله تعالى :( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) ( سورة آل عمران : 110 ) .
ويتمثل هذا الحدث العظيم في هجرة النبي محمدٍ من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة التي شاء الله تعالى أن تكون نقطة تحولٍ في تاريخ البشرية جمعاء حيث أخرج الله بها الناس من الجاهلية إلى الإسلام ومن الظلمات إلى النور فهي بذلك أهم حدثٍ في تاريخ الدعوة الإسلامية ، حيث كانت بداية انطلاق الكيان السياسي لدولة الإسلام .
فيا أيها المُستمع الكريم ، كم هو جميل ورائع أن يستشعر الإنسان المسلم معاني هذه الهجرة التي تُعد الحد الفاصل بين الإسلام والكفر ، والتي تًعد سلوكًا ورسالةً ونهجًا رائعًا لتصحيح مسيرة الحياة منذ أن بدأها معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم ومعه صحبه الكرام ، وعبر الفترة الزمنية التي سار على نهجها أتباعهم فكانوا شامةً مشرقةً في تاريخ البشرية .
وكم هو مُمتعٌ أن تُخصص بعض البرامج الإعلامية مرئيةً كانت أو مسموعةً للحديث عن تاريخنا الهجري المجيد ، وخصوصيته الفريدة ، وما فيه من الدروس التربوية العظيمة التي يجب علينا جميعًا أن نستشعرها وأن نستلهم دروسها وعبرها .
وكم هو رائعٌ أن يكون ارتباط المسلم بالتاريخ الهجري ارتباطًا دينيًا خالصًا ، ولاسيما أن هذا التاريخ يُعد منظمًا رئيسًا لمواسم العبادات الإسلامية ، ومحدِّدًا لمواعيدها الزمانية كما هو الحال في الصيام ، والحج ، والعيدين ، ونحوها .
وكم هو مفيد أن تفرد وسائل الاتصال والإعلام المختلفة في مجتمعنا مساحاتٍ كافيةٍ للحديث عن العام الهجري المنصرم ، وما تم فيه من أحداثٍ بارزةٍ وإنجازاتٍ عظيمةٍ في مختلف المجالات والميادين الدعوية ، والفكرية ، والعلمية ، والتعليمية ، والثقافية ، والاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، وغيرها سواءً على المستوى المحلي أو المستوى العالمي .
وكم هو متميزٌ أن نعتز في هذه البلاد خاصة ، وفي غيرها من بلاد المسلمين عامة بتاريخنا الهجري العظيم الذي لا شك أنه يستحق منا جميعًا عنايةً أكبر واهتمامًا أكثر في جميع شؤون حياتنا .
وكم هو مُشَرِّفٌ لنا جميعاً أن نُحافظ على هويتنا الإسلامية وخصوصيتنا الحضارية من خلال احترامنا لتاريخنا الهجري ، وحرصنا على التعامل به دون سواه في مختلف شؤون حياتنا ، فإذا كانت الشعوب الغربية تعتز بتاريخها وحضارتها وتتمسّك بمعطياتها وخصائصها ومعالمها وتحرص على التعامل بها ومن خلالها ، وإذا كانت الشعوب الشرقية تفتخر بتاريخها وماضيها وتربط ذلك كله بكل تعاملاتها في حاضرها ؛ فإن علينا نحن أُمة الإسلام أن نعتز ونفتخر ونشرُف بتاريخنا الهجري المجيد ، الذي كانت بدايته إيذانًا بخروج البشرية من الظلام إلى النور ، وتخليصها من الظلم والعدوان والجاهلية .
وهنا لا بُد من التأكيد على أن من أوجب الواجبات أن نحرص على التعامل بتاريخنا الهجري ، والتمسك به في مختلف شؤون حياتنا الحالية والمُستقبلية ، على اعتبار أنه أحد ابرز وأهم معطيات الحضارة الإسلامية التي خدمت مسيرة الحياة البشرية ، والتي تؤهله لأن يكون تاريخًا للبشر كافةً ، لا للمسلمين خاصةً .
فيا إخوة الإيمان : ليكن تاريخنا الهجري العظيم محل تقديرنا واحترامنا في المقام الأول ، ولنحرص على تفعيل التعامل به في مختلف مجريات حياتنا .
وليكن اعتزازنا بالمحافظة عليه والتعامل به في شتى الميادين نابعًا من اعتزازنا الذاتي بتاريخ أمتنا المجيد ومسيرتنا الأُممية المباركة ، وألاّ نرضى أن نستبدله بغيره ، وألاّ نُهمله أو نتجاهله لأي سبب كان .
ولتكن عنايتنا به وحبنا له انطلاقًـا من حبنا لديننا الإسلامي الحنيف ، وحرصنا على التمسك بهويتنا الحضارية المتميزة التي أعزنا الله بها ومهما ابتغينا العزة في غيرها فلن نجدها ولن نحصل عليها .
وفق الله الجميع لما فيه الخير والسداد والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد .

بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية المُشارك بجامعة الملك خالد في أبها
E.mail:abo_arrad@hotmail.com

 0  0  3002