×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الخصوصية المفقودة في الإنترنت

الخصوصية المفقودة في الإنترنت

الإنترنت عالم كبير، لا يعرف الكثير منا عنه سوى عددٍ محدودٍ جداً من المواقع يتصفحها ويتجول في دهاليزها وأروقتها، وعددٍ آخر من برامج المحادثة التي تستهلك الكثير الكثير.. من أعمار شباب وأجيال هذه الأمة، فكم من ساعة ضاعت بل وأيام من أعمار هذه الأجيال، فيما لا طائل من ورائه، بل على العكس قد يكون التأثير سلبيا بشكل كبير؛ إذ لا تسلم هذه المحادثات من محاذير شرعية وأخلاقية، وكم وقع من ضحايا لهذه التقنيات ممن ركب الموجة بدون حساب للعواقب!
****
النقطة التي أود إثارتها هنا، هي الخصوصية في هذه الشبكة، وهدفت أن أبين كيف أنها محدودة، بل وفي بعض الأحيان تكون مفقودةً بالكلية! وسوف أضرب بعض الأمثلة على ذلك في ثنايا هذا المقال.
لا أشك أنه قد سبقني الكثير ممن يتحدث عن الخصوصية في الشبكة وبيان الانتهاك الكبير الذي تتعرض له خصوصيات الكثير منا، إلا أن التلميح كان سيد أغلب تلك المبادرات والكثير يتحاشى الدخول في تفاصيل تلك الانتهاكات وبيان تفاوتها من مستخدم لآخر.
وحتى أوضح النقطة التي أريد إيصالها وأضعها في أبسط صورها فإن مقصودي بالخصوصية هنا: هي أي معلومة خاصة لا يريد المستخدم من الغير الاطلاع عليها، مهما كانت صلته به! من أخ عزيز أو صديق لصيق أو قريب أو بعيد، إذا ما استثنينا الجوانب التربوية للأب مع أبنائه والأم مع بناتها، وأن هناك مساحة واسعة من الحدود يجب أن تكون مشتركة بين الطرفين وليست هي محل الحديث لتبقى الجوانب الأخرى من الخصوصية التي بدأت كلامي عنها.
****
الكثير منا عندما (يخلو) أمام شاشة حاسوبه، يظن أنه بمعزل عن العالم الذي حوله، في ظل العالم الآخر الكبير الذي يتجول فيه، لدرجة أن الشخص ينسى نفسه ومن حوله أمام هذا الطوفان الهائل من المواقع والمعلومات، هذا الظن ليس بتلك الدرجة التي يعتنقها صاحبها! خاصة مع مواقع الشبكات الاجتماعية التي انتشرت انتشار النار في الهشيم، وأصبح المعول عليها في شركات الإنترنت الكبرى التي تبحث عن الربح مهما كان الطريق لهذا الربح وما موقع الفيس بوك والنت لوق والعديد من المواقع الأخرى إلا أمثلة بسيطة على الكثير من هذه المواقع، وتقوم فكرة هذه المواقع على عدم الخصوصية أساساً، بمعنى أن معلوماتك التي تضعها في صفحتك هي حق مشاع للجميع، والمشكلة أن البعض - ولست أقصد بالبعض هنا أنهم أقلية بل هم كثر إذا ما قارناهم بالمجتمعات المحيطة بنا - لا يدرك أن هذه هي الفكرة الأساس من وراء تلك الشبكات.
****
هنا يتبادر للذهن سؤال وجيه وهو: ما هي المعلومات التي أضعها بمحض إرادتي في صفحتي ولا أريد من الغير أن يطلع عليها؟ ألست أنا من وضعها ويتعين علي أن أتحمل تبعات وضع هذه المعلومات؟!
والجواب أن أغلب المعلومات التي \"تتسرب\" في انتهاكٍ صارخ لخصوصية المستخدم ليست تلك التي يضعها هو، مثل اسمه أو عمره أو تخصصه أو عنوانه أو رقم جواله! وإنما أغلب هذه المعلومات إنما مصدرها المستخدم نفسه بناء على سلوكه مع هذه المواقع وتلك الشبكات بطريقة قد لا يدركها.
قد لا يعلم الكثير أن بإمكان الأشخاص المضافين في قوائمهم بإمكانهم معرفة جميع الأشخاص الذين تمت إضافتهم! بمعنى: أنا أضفت عشرة أشخاص، منهم أصدقاء أعرفهم، ومنهم أشخاص لا أعرفهم، فقط طلبوا إضافتي فأضفتهم، ومنهم أقارب أو \"قريبات\" لي!
الآن بإمكان جميع هؤلاء العشرة معرفة مع من أرتبط! وبإمكان كل واحد منهم أن يتواصل مع الآخرين الذين في قائمتي وبكل سهولة!
طيب! لو كانت إحدى قريباتي لا تريد أن ينتشر عنوان صفحتها أليس من انتهاك خصوصيتها أنها أصبحت معروفة الآن؟ على الرغم من أن دخولها هي إلى هذه الشبكات يجب أن يكون مثار تحفظ وخاصة المراهقات بل وحتى المراهقين والأحداث الذين قد يتعرضون لأي نوع من التهديد بسبب عدم فهم ثقافة هذه المواقع، ولعله يتيسر مناسبة أخرى للحديث بشكل أعمق عن الطريقة المثلى لتعامل الناشئة مع هذه الشبكات.
****
الجانب الخطير أيضا في هذا أن البعض لا يعلم كيف وصل إلى هذا الموقع أو ذاك، حيث وصلته دعوة بالبريد من أحد أقاربه ممن يثق فيهم للتسجيل في هذا الموقع فما كان منه إلا أن استجاب! فما المشكلة إذن؟
المشكلة تكمن في أن الشخص الذي وجه الدعوة لم يعلم هو الآخر كيف وجهت الدعوة نيابة عنه!! وحتى أحل هذا اللغز فسوف أحاول توضيح ما حصل بمثال بسيط:
لنفرض أن (س) من الناس لديه حساب في الهوت ميل مثلا، ولديه في دفتر العناوين عشرين شخصاً محفوظة عناوينهم، عندما يدخل (س) على أحد مواقع الشبكات الاجتماعية هذه، يتم طلب بريده الإلكتروني وكلمة المرور، وعلى الرغم من كون هذا الطلب اختيارياً، إلا أنه وضع هذه المعلومات بدون التركيز على تفاصيل هذا الطلب! وهذا بحد ذاته خطأ فادح، إذ المفترض أن تكون كلمة مرور البريد حكراً على موقع البريد الإلكتروني فقط، الحاصل أن الموقع الذي سجل فيه (س) قد حصل الآن على كلمة المرور للبريد وقام بالنيابة عنه بتوجيه دعوات للتسجيل في الموقع ذاته لكل الموجودين في قائمته بدون علمه هو أصلا، وصديق (س) أو قريبته ستثق بطلبه وتقبل هذه الدعوة وتقوم بالتسجيل، وبنفس الطريقة سيرسل دعوة لكل الموجودين في قائمتها... وهكذا، هذه أحد جوانب انتهاك الخصوصية. ومن المفارقات أنني استقبلت دعوتين من إثنين من أصدقائي بدون علمهما أثناء كتابتي لهذا المقال فقط!
****
من الجوانب أيضا وهو جانب مهم هو انتفاء الستر الذي كان العبد يقيمه بينه وبين الناس بحيث لا يعلم ما يفكر فيه ولا ما يعمله إلا ربه وخالقه! حيث تتيح بعض هذه المواقع لأصدقاء الشخص الاطلاع ومعرفة نشاطه في هذه الشبكة أو تلك مثل مقاطع الفيديو التي شاهدها، أو المجموعات التي اشترك بها وأصبح عضوا فيها، وقد تزل بالإنسان \"يده\" فيطلع على ما لا يرضي الله عز وجل! وهذا وارد في الجنس البشري ولا معصوم إلا من عصمه الله، بدون التقليل من هذا الأمر أو التهوين منه عياذا بالله، ولكن المصيبة أن يعلم أصدقاؤك بأنك اطلعت على هذا المقطع سواء كان مقطعا عادياً أو غيره!
إنها صدمة قوية جدا، لمن كان يظن بك ظناً حسناً أو من كان يتوسم فيك الخير ويتخذك قدوة ً له، خاصة إن كان أحد تلاميذك أو أحد أقاربك أو معارفك ممن ينظر لك نظرة إجلال واحترام أن يجد صفحتك الخاصة مليئة بسجلات لا تسر وأنت لا تعلم أنها منشورة أصلا! نسأل الله الستر في الدنيا والآخرة.
****
ما هو الحل؟
الحل أن يعي جيل الشباب والشابات والناشئة عموماً بل وجميع من يستخدم هذه الشبكات كُنْهَ هذه المواقع، وفكرة تلك الشبكات، وما هي جدوى الاشتراك فيها؟ حيث ما يزال الاستخدام السائد لها في وطننا العربي - للأسف الشديد - يَنْصَبُّ في الاستخدام السيئ، وإن كنا نلحظ أن هناك توجها لتصحيح تلك النمطية من الاستخدام، اتضح ذلك بنزول العديد من المسؤولين والوزراء الجدد إلى هذا الميدان، وتنافسهم في إنشاء قنوات اتصال بينهم وبين الناس، وأيضا محاولة أجيال الشباب الاستفادة من تلك الشبكات، مثل بعض المجموعات التي تكونت بعد أزمة سيول جدة.
ويبقى الحل الأهم والأنجع في نظري هو تنمية مبدأ الرقابة الذاتية، وأن بين العبد وبين ربه ستراً متى ما هتكه فإن الستر الذي بينه وبين الناس يوشك أن يُهْتَكَ أيضاً، وصدق الله القائل ( إنه يعلم الجهر وما يخفى )


علي بن غالب
 0  0  7717