×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الروتين القاتل

ابو فراج
بواسطة : ابو فراج
بسم الله الرحمن الرحيم

الروتين القاتل

الحياة بدون تجديد موت .
هَبْ انك تلبس طقماً واحداً لكل المناسبات.. للصيف والشتاء.. للربيع والخريف.. للأفراح والأحزان.. للسراء والضراء.. لليل والنهار.. هو هو ذاته لا تبدله أبداً.. أو تبدله كل عشرين أو ثلاثين عام.. وما حياة المرء وما طولها؟ تخيل كم تكون الحياة مزرية بهذا الطقم يا سيدي وهَبْ انك مجبور على تناول الفول أو الكبسة أو حتى العسل طوال أيام السنة.. عسل للإفطار وعسل للغداء وعسل للعشاء وعسل للتحلية.. كيف تكون حياتك ايها القارئ العزيز؟! قل لي بربك الا تشتهي بصلة كي تلتهمها كمن لم يرا طعاماً قط؟ وتصور أنك تعيش حتى بين العطور.. حيث يحيط بك العطر كل الوقت.. كل يوم.. أفلا تشتهي (قاز) كي \\\"تتعطر به\\\" ؟
الحياة الرتيبة التي تجري على وتيرة واحده وروتين واحد مملّة مملّة..
فلو كانت ذات الأوجه كل يوم في الشارع والعمل.. تعبت.. ولو كان رب العمل ملتصقا بغراء في كرسيه.. في كل الفصول.. لكرهت العمل خاصة اذا كان متسلطاً سليطاً لا يرحم. ربما لا يوجد استثناء إلا الزوجة الصالحة تراها كل يوم ولا تمل منها.. ومع ذلك لا تجلس بقربها ليل نهار وإلا إنقلبت حياتك جحيماً.. لذا لا تستغرب حالات الطلاق الكثيره.. لان الحياة باتت مستحيلة لسبب او لآخر.
لو كنت معلماً تعلم الصف الأول عشر سنوات أو أكثر لكرهت التعليم من أصله.. فلا بد من تبديل.. من ترقيه.. فمن غير المعقول أن يبقى المعلم ذاته إلى الأبد.. فكيف يقدر بعدئذ على العطاء
ولو كنت طبيباً لامراض الدم والسرطان.. وكنت ترى المآسي باستمرار.. او كنت طبيباً نفسيا تتعامل مع الحالات الصعبة..
فلا شك أبدا أن حياتك ستصبح صعبه.. وأنك ستصبح سوداوياً كئيباً..
إذ لابد من تبديل وتغيير.. ولو كنت تناوب الليل الطويل.. كل يومين أو ثلاثة أيام.. لفقدت الصبر.. نحن المجبرون على أماكن عيشنا نبدّل ترتيب منازلنا ما استطعنا.. فمرة نضع الكراسي هناك.. وأخرى ننقل المكتبة.. ونبدل الصور ونشتري الأزاهير.. لأن الحياة النمطية تورث الكآبة.
ولقد قال الشاعر منذ زمن طويل:
وطول مقام المرء في الحي مخلّقُُ لديـــباجتيه فــاغترِب تتــــــــجدد
فإني رأيت الشـمس زيــْْدت محبـه على الناس أن ليس عليهم بسرمدِ

فالشاعر يحرضنا على الاغتراب رغم ما في الغربة من مصاعب.. أو السفر.. لكنها بعد وقت تصبح مألوفه.. فصراعنا مع الحياة يجعلنا أكثر سعادة والتغيير والتجديد مطلوب.
لهذا ترى السيدة التي تتعب في بيتها تربي أولادها وتطبخ لهم.. تفصِّل لهم ملابسهم.. تعلمهم.. أكثر سعادة بكثير من سيدة الفراء والألماس والحياة المرفهة التي تنام طويلا ولا تبذل أي جهدٍ في تربية الأولاد أو شئون المنزل.
ونحمد الله أننا في بلاد يتساوى ليلها مع نهارها.. فالنهار الطويل في شمال الأرض (صيفا) وجنوبها (شتاء) يبعث على الملل..
بينما يسبب الليل الطويل كآبة لا توصف.
ولقد قال الشاعر ابن الوردي في \\\"نصيحة الأخوان ومرشدة الخلاّن\\\"
حبّك الأوطان عجزٌ ظاهرُ فاغترب تلق عن الأهل بدل
فبمكث المـاء يبقى آسنـــا وسُرى البدر به البدر أكتمل

وانا اختلف مع الشاعر قليلا.. لان حب الوطن من الايمان.. لكن.. لعله يقصد المرء الذي يخاف من ترك أرضه (مؤقتا) لعلم أو عمل يفيده.. لن يحصل على ما يتمنى.. اذ أن الحياة تتطلب الجد والمغامرة.. ومن لم يتعب ويشقَ لن ينال ما تمنى.
الحياة في تطور مستمر.
الحياة حركة.. وكما قالو: في الحركة بركة.. وحتى أكثر أجزاء الانسان صلابة عظامه في حركة دائمة لا نراها مباشرة.. لكننا ندرك أن الرضيع يصبح طفلا فيافعا فكهلا فشيخا.. وموسيقى الأمس غير موسيقى اليوم..
وشعر الجاهلية غير شعر فدوى طوقان ونزار قباني..
هذا لا يعني أن ما كان بالأمس سيء.. وما حدث اليوم جيد. لكنها الحياة.. فصول تتالي.. ليل يعقب النهار.. والحركة فيها لا تهدأ.. أعجب من أناس ينامون نومة أهل الكهف.. لا يريدون رمي مخلفات الماضي في سلة المهملات.. لا يريدون الحياة. ميتون وهم أحياء
فوا عجبي؟!

العقيد م /محمد فراج الشهري
alfrrajmf@hotmail.com
بواسطة : ابو فراج
 0  0  3086