×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

التفاعل مع الاستراتيجية الوطنية للصحة والبيئة مطلوب

د. على الجحني
بواسطة : د. على الجحني
التفاعل مع الاستراتيجية الوطنية للصحة والبيئة مطلوب
صدر قرار مجلس الوزراء في رمضان الماضي وبالتحديد بتاريخ 22/9/1429هـ القاضي بالموافقة على \"الاستراتيجية الوطنية للصحة والبيئة\" وقد اشتملت الاستراتيجية على اثني عشر عنصراً من العناصر ذات العلاقة بالصحة والبيئة ومنها: جودة الهواء، السلامة الغذائية، التلوث الإشعاعي، التلوث الضوضائي، وتنمية الموارد الطبيعية المتجددة والمحافظة عليها... كما تضمنت هذه الاستراتيجية آلية للتنفيذ يمكن بموجبها تفعيل السياسات ووضعها موضع التنفيذ لضمان الفائدة المرجوة من هذه الاستراتيجية.
ولا شك أن هذه الاستراتيجية تأتي في إطار اهتمام المملكة بالمحافظة على الصحة والبيئة من خلال إيجاد الأنظمة، والجهات الرسمية المعنية بالمحافظة على صحة الإنسان، وبيئته على اعتبار أن البيئة منزل الإنسان الكبير، يسير في مناكبها ويشرب من مائها، ويستنشق هواءها، ويتداوى من عصارتها، ويأكل من ثمارها ومما سخر الله له فيها، وفيها الأشجار والأزهار، وما تلذ به العيون، وتنشرح به الصدور. ومادامت بهذه المثابة والمكانة، فإن على الإنسان أن يحافظ عليها من المهددات، وأن يتفانى في سلامتها وحمايتها من التلوث والتدهور، بغرض توفير بيئة صحية صالحة: هواء، وماء، وتربة، وغذاء، قال تعالى: ((ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)) (الأعراف آية 56). وقال تعالى: (( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) (البقرة: آية 205).
والإفساد هنا: يشمل الحرث وهي الأرض التي تخرج بأمر الله الزرع والثمار وكل الطيبات، والنسل هو: إنتاج الإنسان والحيوان وكل مصادر الغذاء ودوام الحياة.
ومن هنا فإن المحافظة على الموارد البيئية والطبيعية وحمايتها، من المردودات السلبية، وتوجيه هذه المسخرات في طاعة الله، والتعامل معها وفق القواعد الشرعية يرقى إلى مرتبة الواجب الديني، عملا بالقاعدة الفقهية التي تقرر أن ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب \"يجسد ذلك ما ورد في النظام الأساسي للحكم في مادته الحادية والثلاثين والثانية والثلاثين التي أكدت أن الدولة تعنى بالصحة العامة، وتعمل على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها، ومنع التلوث عنها كما صدر نظام المراعي والغابات الذي جاء في المادة الثالثة عشرة منه ما يلي:
أ ـ يحظر الإضرار بالأشجار والشجيرات النامية في أراضي المراعي والغابات، كما يحظر استعمال مواد ضارة ـ أياً كان نوعها ـ على هذه النباتات أو بالقرب منها، أو استعمال أي وسيلة أخرى تتسبب في إضعاف أو موت الأشجار أو الشجيرات أو الأعشاب النامية في بيئتها الطبيعية.
ب ـ لا يجوز قطع أي شجرة أو شجيرة أو أعشاب نامية في الغابات العامة أو المراعي الطبيعية أو اقتلاعها، أو نقلها، أو تجريدها من قشورها أو أوراقها أو أي جزء منها، أو نقل تربتها أو جرفها.
كما صدر نظام كامل (النظام العام للبيئة)، الذي تضمن العديد من أوجه الحماية البيئية، منشئاً جهة متخصصة للعناية بالبيئة وحمايتها محملاً الجهات العامة والشركات، والمؤسسات، والأفراد التزامات واضحة نحو البيئة، لابد من الوفاء بها وفي هذا السياق لا يسع المهتم بشؤون البيئة وحمايتها إلا أن يشكر الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة على جهودها من أجل حماية البيئة وسلامتها، وننتظر المزيد من الجهد والتعاون معها لتحقيق المقاصد التي تخدم الأمن البيئي في بلادنا حماها الله.
ولقد شاهدت بنفسي آثار اعتداءات صارخة على البيئة، وعلى الغطاء النباتي فيها، حيث محت رسوم تلك المواقع، وكل مكونات الجمال الطبيعي فيها، بل وطمست أعلامها، فصارت موحشة عارية جرداء، مزرية بعد المناظر الخلابة، والجمال الأخاذ. وما ذلك إلا عندما امتدت إليها النفوس الجشعة من خلال آليات التجريف والحفر، والتكسير، وقطع الأشجار، فأصبحت أوحش من أفواه السباع الفاغرة، وما بقي من أطلالها يشكو ويجأر من جور الإنسان حتى كاد القلب يتفطر ويتقطع حزنا وحسرة، خاصة وقد عهدتها من قبل واحة خضراء، مكسوة بالحلل والنضارة، مغطاة بالحسن والجمال والوقار، فاتنة بسمتها وشموخها وأشجارها. أقول هذا وقد اطلعت على ما كتبه بعض الكتاب والمهتمين ونشرته \"الوطن\" في أعدادها رقم 2759 و2762 و2776 للكتاب صالح الشيحي وعلي الموسى وعبدالرحمن آل هشبول وآخرين، دفاعاً عن البيئة والإنسان في بلادنا، ومطالبين بوقف اغتيال الغطاء النباتي في مدينة تنومة، حيث تتعاطى شركة أهلية الحفر والتجريف والتكسير وتفجير الصخور بالقرب من المزارع، والمنازل وعلى حساب التوطين والسياحة، وملازمة للإنسان وملتصقة به في تلك الأنحاء من الشروق إلى الغروب.
فمرحبا بالاستراتيجية الوطنية للصحة والبيئة التي ستضع حدا للاستهتار بالبيئة وصحة المواطن، وحيا الله كتاب \"الوطن\" لمسعاهم المتواصل في التنوير والتوعية، والتنبيه على الأخطار المحدقة بالبيئة على ثرى الوطن الغالي.
أجل إنه بعد صدور هذه الاستراتيجية فإن الحاجة تدعو إلى أن يواكبها حملة توعوية مدروسة، حتى تصل مضامينها إلى شرائح المجتمع كافة، وخاصة الشركات والمؤسسات الأهلية، ولا سيما تلك التي تتمركز معداتها وآلياتها داخل بعض المجمعات والأحياء والقرى والغابات الكثيفة بأشجار الزيتون والعرعر، عامدة إلى قطع وقلع الأشجار المعمرة التي يصعب تعويضها خلال مئات السنين، وما يصحب ذلك من تدمير للغطاء النباتي، والحياة الفطرية والموارد الطبيعية، وتلوث للبيئة، والقضاء على الأخضر واليابس في تلك الأنحاء، ناهيك عن التلوث الضوضائي.
إن الأكثر خطورة في هذا السياق أن أهل المناطق الجبلية يشكون من الشح الإضافي في الأكسجين، والموارد البيئية غير المتجددة. كذلك النحالون فيها من هواة تربية النحل وما يعانونه عند تلاشي الأشجار وزوالها من اختفاء هذا المورد المهم اقتصاديا، والشافي بإذن الله.
أما الرافد المهم للتنمية وهي الحركة السياحية، فإنها ستتدهور في حالة عدم التعامل مع البيئة تعاملاً حضارياً.
ونهمس في آذان أعضاء مجالس المناطق، والمجالس البلدية ووسائل الإعلام، والدوائر المعنية والقطاع الأهلي، بالتفاعل مع هذه الاستراتيجية والتشدد في العقوبات المادية والمعنوية بما في ذلك تطبيق المادة السابعة عشرة من نظام المراعي التي تنص على التحفظ على جميع الآليات أو الأجهزة أو المواد التي تستعمل لارتكاب المخالفة البيئية، لأنه بدون العقوبات والتوعية فإن المناظر الطبيعية والحياة الفطرية والمتنزهات، والغطاء النباتي في خطر حقيقي، ولا شك أن في ذلك تهديداً مباشراً لأهم مقومات السياحة خاصة في منطقة عسير.
تراها كأن لم تغن بالأمس بلقعا
ولا عمرت من أهلها قبلنا دهرا
فيا دار لم يقفرك منا اختيارنا
ولو أننا نستطيع كنت لنا قبرا
وأخيرا فإنه يحق لنا أن نفرح ونفتخر بصدور الموافقة السامية (الاستراتيجية الوطنية للصحة والبيئة) ونتعاون معاًَ مواطنين وجهات رسمية على نجاح تطبيقها على أرضية الواقع، حماية للأرض والإنسان من التدهور والتلوث، والأمراض الفتاكة، ولا عذر لنا بعد اليوم في حماية البيئة والدفاع عنها مهما كانت التضحيات.

الدكتور علي فايز الجحني الشهري
بواسطة : د. على الجحني
 0  0  3494