في باريس من يحاكم من؟
في باريس من يحاكم من؟
ناصر الشهري
بعد منتصف ولايته للرئاسة الفرنسية بدأ الرئيس الفرنسي ساركوزي في مواجهة صعبة أمام الكثير من الأجندة السياسية والاقتصادية التي جاءت بما لا يشتهي الرجل الذي دخل الإليزيه متحديًا كل ما يمكن أن يعيق برامجه الانتخابية.. وأقسم للفرنسيين أنه لن يخذلهم!!
غير أن البداية لم تكن تحظى بتفاؤل في الداخل وذلك عندما انطلق عمل الرئيس من الخارج في رحلات مكوكية للتوسط من أجل حل قضايا لا تعني بالضرورة هموم الناخب الفرنسي.. وحينها اعتبر الفرنسيون أن كوزي مشغول بتقديم نفسه للخارج قبل اولويات الداخل. محورها تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والذي يرى عدد من البرلمانيين والمراقبين في باريس أنه ما زال يراوح عند اقل من الحد الأدنى من الورقة الانتخابية التي وعد ودخل من خلالها ساركوزي الى قصر الإليزيه. وهو ما أدى الى هبوط شعبيته في آخر استفتاء جرى الأسبوع الماضي حيث لم يحصل إلا على 38% مقابل 54% انتقدوا مستوى الأداء في منتصف الطريق.. فالغلاء الفاحش في مستوى المعيشة ما زال يعصف بفرنسا مع ارتفاع معدل المديونية العامة للدولة. وكذلك الإخفاق في معالجة البطالة والحد من الهجرة وارتفاع الضرائب، ومشاكل النقل العام.
وأمام كل هذه الإخفاقات ظهر الرئيس الفرنسي مؤخراً حاملاً شعار المحاكمات لرؤساء ومسؤولين سابقين في محاولة للهروب إلى موقع آخر من خلال لفت الأنظار الى ما يمكن ان يمهد لمرحلة انتخابية ثانية.
وإذا كان جاك شيراك وهو أبرز من يواجهون المحاكمة قد كان واحداً من أبرز الذين حكموا فرنسا بعد \"الديجوليين\" السابقين فإن تاريخه كعمدة لباريس كان يحظى بإعجاب وتقدير الفرنسيين والعالم. وهو ما أوصله إلى الرئاسة بأغلبية ساحقة . ثم أن مسوَّغ الادعاء الذي تضمن اتهامه بتوظيف أجانب في بلدية باريس هو اتهام لا يرتقي حتى إلى وقوف رجل بحجم شيراك أمام القاضي. غير أن فرنسيين ومراقبين سياسيين التقيتهم في باريس الأسبوع الماضي يرون أن هناك انفرادًا بالسلطة في الإليزيه . وأن كوزي يفرض إرادته ضد البرلمان والعدل في الوقت الذي أعطى لابنه نفوذاً غير مسبوق في الحكومات الفرنسية !! وبالتالي فإنني أجزم أن حملة المحاكمات لن تأتي بما يشتهي الرئيس الفرنسي بقدر ما تنقله إلى الجانب الثاني من \"نهر\" الانتقادات ومزيد من هبوط شعبيته .وصولاً إلى انتخابات أكثر صعوبة في العودة إلى الإليزيه. خاصة مع استمرار القضايا الهامة والأكثر سخونة في حياة الشعب الفرنسي الذي يعد من أكبر الدول المتأثرة بالأزمة الاقتصادية في غياب المعالجة السياسية.
فهل تحدث معجزة تنقذ ساركوزي من محاكمة التاريخ؟ سؤال سوف يجيب عنه سيناريو المرحلة المتبقية من رئاسته لفرنسا.