×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

القاسط والمقسط، و #كورونا

يمر العالم في هذه الفترة بمنعطف تاريخي خطير، ستتغير فيه معالم أساسية في النظرة العامة للحياة، بعد انقشاع هذه الغمة قريباً إن شاء الله.

أزمة " فيروس كورونا " والتي ولدت هلعاً عاماً في كل الدول، واتضح في ذلك أن لا فرق فيها بين غني وفقير ، الجميع فيها سواسية .

عندما ظهر الداء في الصين أواخر ديسمبر 2019م، لم تعره اهتماما في باديء الأمر بحكم أن تأثيره لم يكن معروفاً من السابق، لكن عندما تبين لهم وجود علامات ودلائل على خطورة الوضع من خلال تزايد الحالات وكثرة الوفيات وسرعة الانتشار، قامت بما كان عليها القيام ابتداءً، لكن كما نقول نحن المسلمون " قدر الله وما شاء فعل"، وحصل ما حصل من الانتشار المروع للفيروس في مدينة ووهان وسط الصين وكثر المصابون واتسعت رقعة الوفيات، مما حدا بالسلطات هناك إلى الإسراع في اتخاذ إجراءات قاسية عانى منها المجتمع الصيني في تلك المنطقة من الصين، وهو العزل التام عن باقي المدن وعن العالم، فلا يدخل لها أحد ولا يخرج منها أحد، وذلك للحد من الانتشار وحصر الوباء في بقعة واحدة مع اتخاذ الكثير من التدابير الصحية والتثقيفية للمجتمع للحد من الانتشار ومحاصرة الوباء، ومع ما عانى الصينيون من ذلك إلا أنهم استطاعوا في غضون أسابيع قليلة من السيطرة على الوباء، حتى استطاعوا الوصول إلى المعدل الصفري في الإصابات في مارس 2020م، ولم يكن لهم ذلك لولا تضافر الجهودـ، وامتثال المواطنون للتعليمات، وهذا ما نرجو من أهلنا وإخواننا في هذه البلاد الطيبة، من الالتزام بكل تعليمات الحكومة بحذافيرها، وعدم الاجتهاد في اتخاذ أي اجراء من تلقاء النفس، وبذلك نحمي أنفسنا وأحبابنا، ونساعد الدولة على محاصرة الوباء وعدم انتشاره.

الطامة الكبرى، أن الدول الأخرى لم تعر الأمر أهمية كبرى، لا سيّما دول الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى هذه الكارثة الإنسانية في كثير من دولهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - .

لكن ما تم ملاحظته هو الهلع الذي ضرب كثير من الموطنين بتلك الدول وغيرها في الإسراع إلى الأسواق والانقضاض على المواد الاستهلاكية التي يحتاجها الجميع بشراء أضعاف أضعاف ما كانوا يفعلونه في الأيام الاعتيادية وفي أحيان كثيرة ما يفوق احتياجهم الفعلي، مما أدى إلى خلو الأسواق من كثير من تلك المواد والتي يحتاجها الجميع، وخلق كارثة مجتمعية أخرى بنفاد تلك المواد.
وعليه، فإننا ننبه إلى خطورة هذا الفعل وتحريمه في ديننا، ولأجل ذلك نتطرق في هذا المقال إلى مفردتي (القاسط والمقسط) اللتان وردتا في كتاب الله، واللتان كانتا عنواناً لهذا المقال.

قال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (9) الحجرات
وقوله تعالى: { وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا *14* وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا *15* الجن
ففي آية الحجرات، يمدح الحق سبحانه المقسطين، وفي آية الجن، يذم القاسطون، فما هو المعنى لكلا اللفظتين، وما علاقة ذلك بموضوع المقال.

أولاً: المقسط: هو الشخص الذي يبحث عن الحق ويسعى إليه، ولا يقبل الضرر ولا الإضرار بالآخرين، فتجده حريصاً في كل تعاملاته في الحياة، وتظهر صفاته وأخلاقه في مثل هذا الظرف الذي يمر به العالم، في أنه لا يتعدى في الأخذ والعطاء، فإذا ما ذهب إلى السوق كانت نظرته متعدية إلى غيره مهتماً لأمرة، لذلك لا يحاول الاستئثار بأي شيء بحكم أنه وصل قبل الآخرين أو صاحب مال يستطيع أن يشتري ما يحلو له، لكنه لا يأخذ إلا بقدر حاجته، بل ربما آثر على نفسه فأخذ دون حاجته، وتراه في الشارع لا يحاول التضييق على الآخرين، ولا في التجمعات، ولا حتى في وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها، مقسطاً في كل أحواله، هذا هو المقسط الممدوح من رب العالمين، جعلنا الله وإياكم من المقسطين- فهو إلى الله قريب حبيب، مقدر من خلق الله محبوب لديهم.

أما القاسط، فهو بالعكس من ذلك، لا يأبه بأحد وكل همه نفسه، ولا يهتم لغيره من قريب ولا بعيد، وأهم شيء لديه هو العمل على الحصول على كل احتياجاته والزيادة عليها، دون النظر إلى الظرف ولا حاجة الآخرين، فتراه يسارع إلى تجميع أكبر قدر مما يحتاجه الجميع حتى لو استحوذ على كل الموجود، ولا يحرك فيه ذلك أي ذرة من احترام أو تقدير للمسؤولية ولا مراعاة لأحوال الآخرين، كذلك تجده يسابق في كل شيء كمن يخاف أن يسبقه إليه غيره، ويضايق الآخرين في كل مكان يذهب إليه. في الشارع وفي السوق وفي العمل وفي وسائل التواصل الاجتماعي وفي كل شيء، قلق دائماً، لا تجده إلا متجاوزاً لحدود الأدب وذوق الأخلاق، لا يرعوي أمام ما يحقق له رغباته ونزواته حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار بالآخرين، وهذا الشخص هو الذي توعده الحق سبحانه بالعقاب الشديد وبنار قعرها بعيد وحرها شديد، وهو أهلٌ لذلك، أعاذنا الله وإياكم من شروره وأمثاله، وهذا الشخص مصيره خطير وعاقبته وخيمة.

إن هذه الأزمة لا تختص ببلد عن بلد ولا شعب عن آخر ولا ملة عن أخرى بل الجميع متساوون في هذا، لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وبما يقدمه للمجموعة، للحد من انتشار هذا الوباء، والمساعدة على تجاوز هذه الأزمة المؤلمة التي يمر بها العالم، أما ما يفعله البعض من التجاوزات سواء بخرق الأوامر ، أو التعدي على حقوق الجماعة فإن هذا يعد تجاوزاً، سينال المتجاوز لذلك العقوبة في الدنيا من الجهات ذات العلاقة أو بعذاب الضمير في حال ما نجا من ذلك، لكنه لن ينجو من عذاب الآخرة، إلا بتوبة نصوح.

حفظ الله الجميع وأدام علينا الأمن والأمان والسلامة من كل داء.


أبو عبدالله
M1shaher@gmail.com
 0  0  815