×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

حسن الظن

عاش رسّام عجوز في قرية صغيرة وكان يرسم لوحات في غاية الجمال ويبيعهم بسعر جيّد.
وفي يوم من الأيام أتاه فقير من أهل القرية وقال له: "أنت تكسب مالًا كثيرًا من أعمالك، لماذا لا تساعد الفقراء في القرية ؟!
أنظر لجزار القرية الذي لا يملك مالًا كثيرًا ومع ذلك يوزّع كل يوم قطعًا من اللحم المجّانية على الفقراء".
لم يردّ عليه الرسام وابتسم بهدوء .
خرج الفقير منزعجًا من عند الرسّام وأشاع في القرية بأنّ الرسام ثري ولكنّه بخيل، فنقم عليه أهل القرية.
بعد مدّة مرض الرسّام العجوز فلم يعره أحد من أبناء القرية اهتمامًا، ومات وحيدًا.
مرّت الأيّام ولاحظ أهل القرية بأنّ الجزار لم يعد يرسل للفقراء لحمًا كالمعتاد..
وعندما سألوه عن السبب، قال: "بأنّ الرسّام العجوز الذي كان يعطيني كل شهر مبلغا من المال لأرسل لحمًا للفقراء قد مات، فتوقّف توزيع الللحم بموته".

حقيقة القصة لا تحتاج إلى مزيد تعليق، وكما يقال: اللبيب بالإشارة يفهم.

لكن ما يمكن قوله في سياق هذه القصة هو أن رضا الناس غاية لا تدرك، فـ فاعل الخير واقف أمام خيارين:
إما أن يعلن عن تبرعاته وصدقاته فيعرف الناس عن جوده وكرمه ويحمدوه على ذلك، هذا طبعاً إن كانوا من حسني الظن، لكنه أيضاً لن يسلم من أذى البعض الآخر الذين سيتهمونه بالرياء والتفاخر.
وإما إن يسر بأعماله الخيريه، ولن يسلم أيضاً من أولئك المتربصون وسيصيبه ما أصاب صاحبنا الرسام.
لذلك أيها (الكرماء) لا تجعلوا سوء الظن من بعض الناس عائقاً أمام تقديم يد العون والمساعدة لكل محتاج، كل على قدر جهده وطاقته، ولا تكترثوا بشكل العمل سريا كان أم جهريا، لأنكم إن جهرتم به أصابكم قول الحق سبحانه وتعالى: { إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ} وإن أسريتوها فلن تحرموا الأجر { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ}. وجزاؤكم عند الله عظيم { وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } 271 البقرة

ثم فلتعلم أيها المبادر إلى الخيرات إنك لن تسلم من إساءة البعض وسوء ظنهم { فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يوسف 69

ولن ينفعك هؤلاء ولن يضرك أولئك.المهم حقيقتك وما يعلمه الله عنك.

وأنت أيها الإنسان لا تحكم على أحد من ظاهر ما تراه منه فقد يكون في حياته أمورًا لا تعلمها، ولو علمتها لاحتقرت نفسك أمام عظمتها.

عن أَبي ذرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله ﷺ: ( لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ). رواه مسلم.


m1shaher@gmail.com
 0  0  724