الكل يبحث عن السعادة .. قاعدة ٩٩
هذا المقال هو في سياق المقال السابق حول ( صناعة السعادة)
أقول هنا أن تحديد مفهوم السعادة على مر العصور كان من الأمور التي كثر الجدل حولها فلسفياً ومعرفياً، حيث لم يُتفق على معنى موحد لها بين العلماء والفلاسفة. إلا أن ما يمكن عده اتفاقاً بينهم هو أن مفهوم السعادة (أمر نسبي) يختلف معناه بين شخص وآخر نظراً لتعدد المواقف واختلاف الأفهام والاهتمامات، فما يسعدني اليوم يختلف عما يسعد شخص آخر في ذات اللحظة في مكان آخر، وما يسعدني قد لا يكون ذا أثر لدى الآخرين.
فأنا أستمتع حالياً بنجاح مشروعي، وزيد من الناس يستمع بتفوق ابنه في دراسته، وآخر مبتهج مع أسرته في رحلة استجمام.
الجميع يبحث عن هذا الأكسير الذي اتعب البشر بحثاً ودراسة، ولأهميته أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوليو 2011 قراراً يدعو الدول إلى قياس مقدار السعادة عند شعوبها للمساعدة في توجيه سياساتها العامة.
إذا موضوع السعادة لم يعد أمراً شخصياً بل أصبح مؤشراً تتبناه الدول في توجيه سياساتها العامة، ويقوم هذا المؤشر العالمي للسعادة على دلائل ومؤشرات لكنها لا تعتمد بشكل أساسي على نسبة ثراء الدول أو الأفراد فيها إنما تؤخذ بعض المؤشرات الأكثر أهمية، والتي منها:
- الحالة النفسية للسكان.
- معدل طول حياتهم.
- حرية اتخاذ القرارات الحياتية.
- الدعم الاجتماعي.
- معدل الصحة العامة.
- الناتج الإجمالي المحلي للفرد الواحد.
- نسبة انتشار الفساد ومكافحته.
- ظروف العمل.
- الموازنة بين الحياة الاجتماعية والعملية.
- فرص العمل المتاحة واستقلالية الأفراد في عملهم.
وفي هذا الاتجاه أصبح موضوع السعادة محل اهتمام حكومتنا الرشيدة والمؤسسات والهيئات في المملكة العربية السعودية، وما رأيناه من إقرار برنامج جودة الحياة 2020 أحد برامج رؤية المملكة 2030 إلا واحداً من البرامج التي يهدف المسؤولون من ورائها إلى بناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطن في الأنشطة الثقافية الترفيهية الرياضية للوصول به في 2030 إلى قائمة أفضل المدن للعيش في العالم.
كما كانت البادرة التي أطلقتها وزارة الاتصالات السعودية عندما استحدثت وظيفة جديدة تحت مسمى ( اختصاصي سعادة موظفين) وقالت الوزارة أنها تسعى وراء استحداث هذا الإجراء إلى خلق بيئة عمل محفزة وذات إنتاجية عالية من خلال نشر الابتسامة بين الموظفين وتنظيم الفعاليات التي تعزز القيم وتجعل من العمل وتقديم الخدمات شيئاَ ممتعاً يعود أثره بالإيجاب على الموظف العميل.
وكانت هذه خطوة مشكورة لوزارة الاتصالات على أمل أن تتبعها خطوات مماثلة لدى جهات أخرى.
وما كل ذلك مما يعمل وما سيعمل إلا من أجل أن يجد المواطن والمقيم راحته وسعادته أينما توجه وحيثما ارتحل.
لكن ما يهمني أن الشخص لا يستكين وينتظر إلى أن تتحقق هذه الرؤا وهذه البرامج لأنه يمكنه أن يبني سعادته من أبسط الأشياء، فتذكر الشخص أنه يتمتع بصحة جيدة حري بأن يخلق لديه دافعاً للرضى والقبول، فكثير من الناس يفتقد هذه النعمة، فلا نخلق لأنفسنا التعاسة لمجرد حادثة بسيطة قد تعكر علينا صفاء الأوقات ومتعة اللحظات.
إننا نرى السعادة حاضرة عند الفقراء وبعض المعدمين، ونستغرب من ضحكات أطفالهم وهم يلعبون مع بعض ويتشاركون القليل مع بعض ومع ذلك نجد السعادة تملأ قلوبهم، لكن قد نفتقدها لدى كثير ممن يملكون الكثير من الأموال والعقارات والسلطة، ليس لأنهم يملكونها، بل لأنهم لم يتذوقوا السعادة في أجمل صورها في يوم من الأيام.
قصة:
كان هناك خادم بأحد القصور الملكية، وكان سعيداً بعمله وسعيداً عند رجوعه لأسرته.
لاحظ الملك ذلك فسأل وزيره. لماذا أشاهد ذلك الخادم سعيداً دوماً وهو لا يملك شيئاً؟
وأنا الملك متكدر المزاج مشغول البال .
قال له الوزير: جرب معه قاعدة (99).
قال الملك: وماذا تقول هذه القاعدة؟
قال الوزير: ضع (99) ديناراً في صرة وضعها في الليل عند باب الخادم واكتب على الصرة (100) دينار، واطرق الباب، ثم انتظر وراقب ما سيحدث.
فعل الملك ما قاله الوزير.
وبينما هو ينتظر إذا بذلك الخادم يلتقط الصرة ويدخل منزله ويبدأ في عد النقود فرحاً مسروراً ، لكنه يتفاجأ في آخر الأمر أن هناك ديناراً ناقصاً، فقال: لعله سقط في الخارج، فخرج وأهل بيته يبحثون عن ذلك الدينار المفقود، لكنهم لم يجدوا شيئاً، فغضب الخادم وكثر انزعاجه وصياحة على أهله بالبحث جيداً ولم ينم تلك الليلة، وذهب في اليوم التالي إلى عمله وهو متكدر الخاطر حزين النفس مرهقاً متعباً مهموماً على ذلك الدينار أين ذهب.
عندها علم الملك معنى قاعدة (99) .
إن ذلك الخادم نسي الـ (99) ديناراً التي رزقه الله أياها من حيث لا يحتسب وجعل كل همه على ذلك الدينار المفقود ، مما جعله على هذا الحال من الحزن والانزعاج.
أحياناً ننسى ما نحن فيه من النعم ونركز تفكيرنا على شيء لا نملكه ينغص علينا حياتنا ويقلب سعادتنا كدراً وحزناً، وننسى قول الله عز وجل: ( ... وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .
أقول هنا أن تحديد مفهوم السعادة على مر العصور كان من الأمور التي كثر الجدل حولها فلسفياً ومعرفياً، حيث لم يُتفق على معنى موحد لها بين العلماء والفلاسفة. إلا أن ما يمكن عده اتفاقاً بينهم هو أن مفهوم السعادة (أمر نسبي) يختلف معناه بين شخص وآخر نظراً لتعدد المواقف واختلاف الأفهام والاهتمامات، فما يسعدني اليوم يختلف عما يسعد شخص آخر في ذات اللحظة في مكان آخر، وما يسعدني قد لا يكون ذا أثر لدى الآخرين.
فأنا أستمتع حالياً بنجاح مشروعي، وزيد من الناس يستمع بتفوق ابنه في دراسته، وآخر مبتهج مع أسرته في رحلة استجمام.
الجميع يبحث عن هذا الأكسير الذي اتعب البشر بحثاً ودراسة، ولأهميته أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوليو 2011 قراراً يدعو الدول إلى قياس مقدار السعادة عند شعوبها للمساعدة في توجيه سياساتها العامة.
إذا موضوع السعادة لم يعد أمراً شخصياً بل أصبح مؤشراً تتبناه الدول في توجيه سياساتها العامة، ويقوم هذا المؤشر العالمي للسعادة على دلائل ومؤشرات لكنها لا تعتمد بشكل أساسي على نسبة ثراء الدول أو الأفراد فيها إنما تؤخذ بعض المؤشرات الأكثر أهمية، والتي منها:
- الحالة النفسية للسكان.
- معدل طول حياتهم.
- حرية اتخاذ القرارات الحياتية.
- الدعم الاجتماعي.
- معدل الصحة العامة.
- الناتج الإجمالي المحلي للفرد الواحد.
- نسبة انتشار الفساد ومكافحته.
- ظروف العمل.
- الموازنة بين الحياة الاجتماعية والعملية.
- فرص العمل المتاحة واستقلالية الأفراد في عملهم.
وفي هذا الاتجاه أصبح موضوع السعادة محل اهتمام حكومتنا الرشيدة والمؤسسات والهيئات في المملكة العربية السعودية، وما رأيناه من إقرار برنامج جودة الحياة 2020 أحد برامج رؤية المملكة 2030 إلا واحداً من البرامج التي يهدف المسؤولون من ورائها إلى بناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطن في الأنشطة الثقافية الترفيهية الرياضية للوصول به في 2030 إلى قائمة أفضل المدن للعيش في العالم.
كما كانت البادرة التي أطلقتها وزارة الاتصالات السعودية عندما استحدثت وظيفة جديدة تحت مسمى ( اختصاصي سعادة موظفين) وقالت الوزارة أنها تسعى وراء استحداث هذا الإجراء إلى خلق بيئة عمل محفزة وذات إنتاجية عالية من خلال نشر الابتسامة بين الموظفين وتنظيم الفعاليات التي تعزز القيم وتجعل من العمل وتقديم الخدمات شيئاَ ممتعاً يعود أثره بالإيجاب على الموظف العميل.
وكانت هذه خطوة مشكورة لوزارة الاتصالات على أمل أن تتبعها خطوات مماثلة لدى جهات أخرى.
وما كل ذلك مما يعمل وما سيعمل إلا من أجل أن يجد المواطن والمقيم راحته وسعادته أينما توجه وحيثما ارتحل.
لكن ما يهمني أن الشخص لا يستكين وينتظر إلى أن تتحقق هذه الرؤا وهذه البرامج لأنه يمكنه أن يبني سعادته من أبسط الأشياء، فتذكر الشخص أنه يتمتع بصحة جيدة حري بأن يخلق لديه دافعاً للرضى والقبول، فكثير من الناس يفتقد هذه النعمة، فلا نخلق لأنفسنا التعاسة لمجرد حادثة بسيطة قد تعكر علينا صفاء الأوقات ومتعة اللحظات.
إننا نرى السعادة حاضرة عند الفقراء وبعض المعدمين، ونستغرب من ضحكات أطفالهم وهم يلعبون مع بعض ويتشاركون القليل مع بعض ومع ذلك نجد السعادة تملأ قلوبهم، لكن قد نفتقدها لدى كثير ممن يملكون الكثير من الأموال والعقارات والسلطة، ليس لأنهم يملكونها، بل لأنهم لم يتذوقوا السعادة في أجمل صورها في يوم من الأيام.
قصة:
كان هناك خادم بأحد القصور الملكية، وكان سعيداً بعمله وسعيداً عند رجوعه لأسرته.
لاحظ الملك ذلك فسأل وزيره. لماذا أشاهد ذلك الخادم سعيداً دوماً وهو لا يملك شيئاً؟
وأنا الملك متكدر المزاج مشغول البال .
قال له الوزير: جرب معه قاعدة (99).
قال الملك: وماذا تقول هذه القاعدة؟
قال الوزير: ضع (99) ديناراً في صرة وضعها في الليل عند باب الخادم واكتب على الصرة (100) دينار، واطرق الباب، ثم انتظر وراقب ما سيحدث.
فعل الملك ما قاله الوزير.
وبينما هو ينتظر إذا بذلك الخادم يلتقط الصرة ويدخل منزله ويبدأ في عد النقود فرحاً مسروراً ، لكنه يتفاجأ في آخر الأمر أن هناك ديناراً ناقصاً، فقال: لعله سقط في الخارج، فخرج وأهل بيته يبحثون عن ذلك الدينار المفقود، لكنهم لم يجدوا شيئاً، فغضب الخادم وكثر انزعاجه وصياحة على أهله بالبحث جيداً ولم ينم تلك الليلة، وذهب في اليوم التالي إلى عمله وهو متكدر الخاطر حزين النفس مرهقاً متعباً مهموماً على ذلك الدينار أين ذهب.
عندها علم الملك معنى قاعدة (99) .
إن ذلك الخادم نسي الـ (99) ديناراً التي رزقه الله أياها من حيث لا يحتسب وجعل كل همه على ذلك الدينار المفقود ، مما جعله على هذا الحال من الحزن والانزعاج.
أحياناً ننسى ما نحن فيه من النعم ونركز تفكيرنا على شيء لا نملكه ينغص علينا حياتنا ويقلب سعادتنا كدراً وحزناً، وننسى قول الله عز وجل: ( ... وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .