سوق تنومة الشعبي إلى أين ؟
سوق تنومة الشعبي إلى أين؟
لم يبق منه غير القوالب الجوفاء ، وزوابع ترابية صغيرة تتلاعب بها تيارات الهواء ، فتارة تجدها هنا وتارة تراها هناك ؛ أطلال وبقايا مكان وذكريات تنسكب في العين صوراً من الماضي ، مفعمة بحركة وبركة تجارية دءوبة ، تعج وتضب بالقناطير المقنطرة من كل فج على اختلاف المناحي والدواعي وبمختلف الأعمار . متسوقون ترتج بدويهم وهديرهم وأخذهم وردهم وتعاطيهم و مقايضاتهم أرضه الرحبة ، وآفاق سماءاته النقية ، تقف فلا تدري أين مصدر هذا الصخب ؟ أهو من ذاك الركن المكتظ بعكك العسل والسمن ؟ ، أم من منافحة الكيل والمكيال عند أكوام الحنطة والشعير والذرة والدخن ؟ ، أم تراه ثغاء الماشية الممزوج بالمزايدات والمناقصات تارة وتارة ، أم هي جلجلة ودمدمة قادمة من الركن القصي للمشغولات اليدوية، أم صرخات بائع الخضار ودوي وقع ساطور بائع اللحوم ، أم تجمجم الناس بالتعارف والتآلف والتواصل وأخبار القبائل ، جلبة تجرها جلبة ،كما لو كنت تنظر لاستعراض (كرنفالي) بالغ الدقة والتنظيم ، فلكل وجهته وغايته ودوره ومسئولياته ، فكان حقاً يتمثل للعيان ملتقى حضاريا واجتماعيا يزخر بالجديد والمفيد قبل أن يكون سوقا للبضائع والتبضع .
لذا حق لي كما يحق لغيري ممن لحق بروعة عروضه التسويقية في آخر فصوله أن يتساءل:
أين ذهب سوق السبت الشعبي في تنومة ؟ ولماذا وئدت الحركة التجارية فيه ؟ واغتيل نشاطه ، ومن تسبب في عزله ؟ أسئلة يكتنفها الغموض وتلفها الضبابية ، تستجدي الإجابة كل ما مربها شيخ صال وجال في هذا السوق العتيد.
أسئلة تدور في ذهني كل ما شاهدت بعيني صفحة من الماضي الجميل تتهاوى وتسقط من ذاكرة أبناء تنومة مع تقادم الزمن أضعها على طاولة المجلس البلدي الموقر ، وآمل ألا يكتفي بسرد التبريرات وصياغة المسوغات فقط فكلنا يعرف ذلك ، بل يبحث عن الحلول السريعة وآليات التطبيق ، فالتاريخ لن يرحم ، حين يكتب عصرنا ساعة احتضار السوق وتلاشيه .
السوق ليس كأي سوق .. إذ يملك من التاريخ والمجد الحافل بالأحداث والفعاليات والأنشطة - منذ نشأته في القرن الخامس الهجري ( * ) وحتى وقت ليس ببعيد عنا - ما يكفل بتسطير مئات المرثيات ، فقد ذكره الذاكرون و المؤرخون والمستشرقون وأثنوا على رعاته وحماته والقائمين على ثباته وريادته وسمو دوره في كثير من المؤلفات والدوريات والكتب ، ولست معنيا باستعراضها هنا ، فهي سهلة المنال لمن أراد أن يقرأ عن تاريخ هذا السوق وما قيل فيه ، ولكن أكثر ما يعنيني ويؤرقني هي الدعوة إلي النهوض به من تحت حطام الظلمة والانعزال إلي فضاءات النور والانتشار والريادة ، فتياً مفعماً بالبهاء والحركة . ولا أخال في أنه لو أراد أحد الباحثين أو المهتمين أو من سمع عنه وقرأ أن يدفعه المجيء إليه - بدافع التحقق والفضول ليراه أو يكتب عنه - سيجد في السوق ما يبرهن له عن أصالته وعمق تاريخه ، ولن يجد سوى (الأسفلت) الأسود الموشوم بالأسى ، و بقايا ( دكاكين ) يلفها الحزن وتتغشاها الكآبة ، ونحيب شجرة عملاقة عجوز ينخر جذعها برد الشتاء ، وتيبست أغصانها من قيض لاهب .
لذا حق لي كما يحق لغيري ممن لحق بروعة عروضه التسويقية في آخر فصوله أن يتساءل:
أين ذهب سوق السبت الشعبي في تنومة ؟ ولماذا وئدت الحركة التجارية فيه ؟ واغتيل نشاطه ، ومن تسبب في عزله ؟ أسئلة يكتنفها الغموض وتلفها الضبابية ، تستجدي الإجابة كل ما مربها شيخ صال وجال في هذا السوق العتيد.
أسئلة تدور في ذهني كل ما شاهدت بعيني صفحة من الماضي الجميل تتهاوى وتسقط من ذاكرة أبناء تنومة مع تقادم الزمن أضعها على طاولة المجلس البلدي الموقر ، وآمل ألا يكتفي بسرد التبريرات وصياغة المسوغات فقط فكلنا يعرف ذلك ، بل يبحث عن الحلول السريعة وآليات التطبيق ، فالتاريخ لن يرحم ، حين يكتب عصرنا ساعة احتضار السوق وتلاشيه .
السوق ليس كأي سوق .. إذ يملك من التاريخ والمجد الحافل بالأحداث والفعاليات والأنشطة - منذ نشأته في القرن الخامس الهجري ( * ) وحتى وقت ليس ببعيد عنا - ما يكفل بتسطير مئات المرثيات ، فقد ذكره الذاكرون و المؤرخون والمستشرقون وأثنوا على رعاته وحماته والقائمين على ثباته وريادته وسمو دوره في كثير من المؤلفات والدوريات والكتب ، ولست معنيا باستعراضها هنا ، فهي سهلة المنال لمن أراد أن يقرأ عن تاريخ هذا السوق وما قيل فيه ، ولكن أكثر ما يعنيني ويؤرقني هي الدعوة إلي النهوض به من تحت حطام الظلمة والانعزال إلي فضاءات النور والانتشار والريادة ، فتياً مفعماً بالبهاء والحركة . ولا أخال في أنه لو أراد أحد الباحثين أو المهتمين أو من سمع عنه وقرأ أن يدفعه المجيء إليه - بدافع التحقق والفضول ليراه أو يكتب عنه - سيجد في السوق ما يبرهن له عن أصالته وعمق تاريخه ، ولن يجد سوى (الأسفلت) الأسود الموشوم بالأسى ، و بقايا ( دكاكين ) يلفها الحزن وتتغشاها الكآبة ، ونحيب شجرة عملاقة عجوز ينخر جذعها برد الشتاء ، وتيبست أغصانها من قيض لاهب .
( * ) : أهل السراة ص 45 ، أ.د. أبو داهش
بقلم الأستاذ/عبدالرحمن بن ظافر الشهري
تنومة
تنومة