إعداد المعلم صناعة أم اجتهاد؟
أصبحت النظرة للتعليم في أنحاء العالم على أنه صناعة، بل إن الكفاءة التعليمية أصبحت ذا ارتباط وثيق في تقدم الدول سياسيًّا واقتصاديًّا، ولذا فإننا نلاحظ أن الدول التي تهدف لتكون في مصاف الدول المتقدمة تهتم كثيرًا في تعليمها وصناعته من جميع الجوانب وهو واضح في تزايد الأموال المخصصة للإنفاق على التعليم مع الترشيد في هذا الصرف للوصول للأهداف بأقل تكلفة وأقل هدر وأفضل جودة. ومن هنا فهدف الكفاءة التعليمية هو الحصول على أكبر عائد ممكن بأقل جهد ومال وفي أسرع وقت، وبمعنى آخر الحصول على أكبر قدر من المخرجات التعليمية الجيدة التي تحقق الأهداف المنشودة من التعليم باستخدام الحد الأدنى من المدخلات، أي التقليل من المصروفات على التعليم دون التأثير عن نوعية المخرج.
والتعليم يواجه مجموعة من المشكلات والتحديات التي تحتم على القائمين عليه العمل على استراتيجيات تساعد في المحافظة على نسبة المخرجات إلى المدخلات في التعليم، مع إحداث نقله نوعية في التعليم بالاستفادة من الموارد المتاحة بأفضل صورة، والمعلم من أهم العناصر في هذه المدخلات وعليه اعتماد كبير في العملية التعليمية والتربوية ولذا وجب الاهتمام في إعداده وتطويره بشكل كبير؛ لأن خير استثمار هو الاستثمار في الموارد البشرية حيث هي من تفتح أمامنا السبل الأخرى وتطورها، فإعداد المعلم وتدريبه وتطوير قدراته وزيادة خبراته يوفر لنا عنصر بشريًّا ذو كفاءة عالية قادر ومهيأ يساعد المنظمة ويرفع من كفاءتها ونجاحها في الوصول إلى تحقيق أهدافها.
وحينما نلاحظ التعليم لدينا ومدى تأثيره وتحقيقه للأهداف نجد أن هناك قصور في ذلك، ولعل من أحد أسباب ذلك هو تراجع أداء المعلم، ومن أهم أسباب هذا التراجع هو عملية إعداد المعلم في المملكة العربية والسعودية وعملية تطويره وتدريبه، لذا تم طرح هذا السؤال "هل المعلم صناعة أم اجتهاد؟" وحتى أبين إجابتي حول هذا السؤال سأقوم باستعراض بعض التجارب الدولية وكيفية الاستفادة منها، من خلال النقاط التالية:
1. إعداد المعلم في الكليات والمعاهد:
كلما كان إعداد المعلم في دراسته ومدتها ونوع الشهادة المطلوبة للالتحاق بالتعليم، مع تطويره المهني الجيد، كان بقاؤه أطول وأداؤه أفضل في مهنة التعليم:
- ففي الولايات المتحدة يحصل المعلمون على البكالوريوس والتربية في مدة أربع أو خمس سنوات، كما أن نسبة من المعلمين يحملون مؤهلات عليا فنرى أن 40% تقريبا منهم لديه درجة الماجيستير و10% تقريبا منهم لديه درجة الدكتوراه.
- وفي إنكلترا تقوم كليات جامعية متخصصة في التربية بإعداد المعلم في مدة أربع سنوات مع إلزامه بالحصول على شهادة الامتياز وشرف العمل في مهنة التربية، أو بعد أن يحصل المعلم على إجازة جامعية غير مختصة بالتربية لا بد بعدها أن يتحصل على درجة الدبلوم في التربية ومدتها سنة كاملة، ويراعى في إعداد المعلم مستوى الصف الذي سيعلمه.
- وفي فرنسا فإن إعداد المعلم بحسب المرحلة التي يدرسها فمعلم الابتدائية في الحلقة الأولى يعد في ثلاثة أعوام، ومعلم الحلقة الثانية يعد حتى درجة البكالوريوس ثم يتقدم للحصول على C.A.P.E.S، ويقضي عاماً دراسياً في التدريب التربوي، أما معلم الثانوي فيتقدم بعد الدرجة الجامعية لمسابقة مخصصة.
- وفي اليابان يدرس في المرحلة الثانوية الحاصل على درجة الماجستير. أما معلم المراحل الأخرى فيدرس 4 سنوات في الجامعة ويحصل على شهادة الصلاحية للتدريس بعد ستة أشهر من تخرجه ليعمل في مهنة التدريس.
2. تدريب وتطوير المعلم قبل الخدمة (الإعداد) وأثنائها:
تدريب المعلم قبل الوظيفة يدخل ضمن عملية الإعداد ويشكل الجانب الأهم فيها، وكذلك عملية تطويره وزيادة خبراته، فكلما كان التدريب قبل الخدمة (الإعداد) وأثنائها مناسبًا ومعدًا بشكل مدروس كان لذلك فعالية في عمله، ولتدريب بشقيه يكمل أحدهما الآخر: قبل الخدمة (الإعداد) وأثناءها.
- ففي الولايات المتحدة يتلقى الطلبة (معلمو المستقبل) خبرة عملية في التدريس تحت إشراف مختصين كجزء من إعدادهم المهني في مدة تتراوح بين ستة أسابيع وفصل كامل بحسب الولاية.
والتدريب أثناء الخدمة إجباري في لتجديد رخصة مزاولة مهنة التدريس أو الحصول على ترقيات، كما يمنح المعلم إجازة دراسية بمرتب لمدة عام للالتحاق بالدورات، وإجازة أيام مدفوعة لحضور الاجتماعات المهنية، وتنظم المدارس للمعلمين 3 ورش عمل على الأقل في كل عام.
- والمعلم البريطاني يستفيد من خطط تبادل المدرسين مع الدول، فهي تسعى إلى تبادل مع المعلمين مع الولايات المتحدة أو دول المجموعة البريطانية التي تتحدث الإنكليزية بهدف تبادل خبرات المعلمين كجزء من تربيتهم وتدريبهم ونموهم المهني.
- ويتمتع المدرسون في فرنسا خلال حياتهم الوظيفية برصيد تفرغ اختياري مدته 36 أسبوعاً من أجل التدريب المستمر، ويوجد في كل منطقة في فرنسا مركز لتدريب المعلمين لعقد دورات تدريبية على مدار السنة.
- وفي اليابان لا يقل البرنامج التدريبي للمعلم عن عام دراسي قبل ممارسته للمهنة، ثم يتابع المعلم تدريبه أثناء الخدمة بحضور دروس معلمي المدرسة للاستفادة من جوانب الأداء الإيجابية، ويلزم المعلم في السنة الأولى للخدمة أن يتحصل على تدريب لمدة 20 يوماً على الأقل أثناء الخدمة. كما يتم التفريغ لمدة عامين دراسيين بمرتب كامل للحصول على الماجستير ثم يعود للخدمة في المدرسة.
- وفي استراليا يقوم على التدريب الذاتي للمعلمين أثناء الخدمة وذلك بعقد تجمع لمجموعات من المعلمين في ذات التخصص والاحتياج، ليجري تبادل المعلومات بينهم وذلك لحل مشكلة نقص الميزانية المخصصة للتدريب.
3. ويمكن الاستفادة من هذه التجارب في إعداد المعلم في المملكة:
أ- أن يتم إعداد المعلم من خلال:
* حصر إعداد المعلمين في الكليات والمعاهد المتخصصة (كليات التربية).
* بعد سنتين من الدراسة الجامعية يتم تحديد توجيه (الطالب المعلم) لأي مرحلة تدريسية سيعمل فيها حتى يبنى على ذلك خطة الدراسة والمهارات المستهدفة والمدة الدراسية، حيث أن المعلم في المرحلة الابتدائية غير المتوسطة غير الثانوية، فكل مرحلة محتاجة لمعلومات ومهارات وخبرات تتناسب معها وتساعد في تحقيق أهدافها.
* يجب ألا تقل السنوات الدراسية (للطالب المعلم) عن ست سنوات، منها سنوات الزمالة، أو خمس سنوات منها سنة دبلوم تخصصي في المرحلة بعد البكالوريوس.
ب- تدريب وتطوير المعلم قبل الخدمة وأثنائها:
* لا بد (للطالب المعلم) أن يحضر في السنة الأولى من توظيفه في التعليم 6 دورات تدريبية متخصصة في الأساليب والطرق التربوية والتعليمية كمتطلب في تقييمه الوظيفي.
* لا بد (للطالب المعلم) في سنته الأولى في التعليم أن يقوم بزيارات للمعلمين المتميزين وذلك من خلال توجيه المشرف التربوي المختص.
* أن يسند الإشراف على المعلمين داخل المدرسة للمعلم المتميز في نفس التخصص.
* يلزم الجهات المختصة أن تستفيد من الجامعات في عمل مسوح ودراسات ميدانية وتزويدها بالنتائج التي يستفاد منها في بناء البرامج التدريبية المتنوعة.
* وضع 10 أيام في السنة كرصيد تفرغ للمعلم لحضور دورات تدريبية متخصصة.
* اعتماد آلية في تبادل المعلمين المتميزين لمدة محددة بين المدارس.
* التعاون مع معاهد التدريب لعمل برامج متخصصة تقام بشكل دوري داخل المدارس.
كتبه / محمد بن خالد بن محمد الجوهري
دارس ماجســــتــــير إدارة وتخطيــــط تربـــــوي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
والتعليم يواجه مجموعة من المشكلات والتحديات التي تحتم على القائمين عليه العمل على استراتيجيات تساعد في المحافظة على نسبة المخرجات إلى المدخلات في التعليم، مع إحداث نقله نوعية في التعليم بالاستفادة من الموارد المتاحة بأفضل صورة، والمعلم من أهم العناصر في هذه المدخلات وعليه اعتماد كبير في العملية التعليمية والتربوية ولذا وجب الاهتمام في إعداده وتطويره بشكل كبير؛ لأن خير استثمار هو الاستثمار في الموارد البشرية حيث هي من تفتح أمامنا السبل الأخرى وتطورها، فإعداد المعلم وتدريبه وتطوير قدراته وزيادة خبراته يوفر لنا عنصر بشريًّا ذو كفاءة عالية قادر ومهيأ يساعد المنظمة ويرفع من كفاءتها ونجاحها في الوصول إلى تحقيق أهدافها.
وحينما نلاحظ التعليم لدينا ومدى تأثيره وتحقيقه للأهداف نجد أن هناك قصور في ذلك، ولعل من أحد أسباب ذلك هو تراجع أداء المعلم، ومن أهم أسباب هذا التراجع هو عملية إعداد المعلم في المملكة العربية والسعودية وعملية تطويره وتدريبه، لذا تم طرح هذا السؤال "هل المعلم صناعة أم اجتهاد؟" وحتى أبين إجابتي حول هذا السؤال سأقوم باستعراض بعض التجارب الدولية وكيفية الاستفادة منها، من خلال النقاط التالية:
1. إعداد المعلم في الكليات والمعاهد:
كلما كان إعداد المعلم في دراسته ومدتها ونوع الشهادة المطلوبة للالتحاق بالتعليم، مع تطويره المهني الجيد، كان بقاؤه أطول وأداؤه أفضل في مهنة التعليم:
- ففي الولايات المتحدة يحصل المعلمون على البكالوريوس والتربية في مدة أربع أو خمس سنوات، كما أن نسبة من المعلمين يحملون مؤهلات عليا فنرى أن 40% تقريبا منهم لديه درجة الماجيستير و10% تقريبا منهم لديه درجة الدكتوراه.
- وفي إنكلترا تقوم كليات جامعية متخصصة في التربية بإعداد المعلم في مدة أربع سنوات مع إلزامه بالحصول على شهادة الامتياز وشرف العمل في مهنة التربية، أو بعد أن يحصل المعلم على إجازة جامعية غير مختصة بالتربية لا بد بعدها أن يتحصل على درجة الدبلوم في التربية ومدتها سنة كاملة، ويراعى في إعداد المعلم مستوى الصف الذي سيعلمه.
- وفي فرنسا فإن إعداد المعلم بحسب المرحلة التي يدرسها فمعلم الابتدائية في الحلقة الأولى يعد في ثلاثة أعوام، ومعلم الحلقة الثانية يعد حتى درجة البكالوريوس ثم يتقدم للحصول على C.A.P.E.S، ويقضي عاماً دراسياً في التدريب التربوي، أما معلم الثانوي فيتقدم بعد الدرجة الجامعية لمسابقة مخصصة.
- وفي اليابان يدرس في المرحلة الثانوية الحاصل على درجة الماجستير. أما معلم المراحل الأخرى فيدرس 4 سنوات في الجامعة ويحصل على شهادة الصلاحية للتدريس بعد ستة أشهر من تخرجه ليعمل في مهنة التدريس.
2. تدريب وتطوير المعلم قبل الخدمة (الإعداد) وأثنائها:
تدريب المعلم قبل الوظيفة يدخل ضمن عملية الإعداد ويشكل الجانب الأهم فيها، وكذلك عملية تطويره وزيادة خبراته، فكلما كان التدريب قبل الخدمة (الإعداد) وأثنائها مناسبًا ومعدًا بشكل مدروس كان لذلك فعالية في عمله، ولتدريب بشقيه يكمل أحدهما الآخر: قبل الخدمة (الإعداد) وأثناءها.
- ففي الولايات المتحدة يتلقى الطلبة (معلمو المستقبل) خبرة عملية في التدريس تحت إشراف مختصين كجزء من إعدادهم المهني في مدة تتراوح بين ستة أسابيع وفصل كامل بحسب الولاية.
والتدريب أثناء الخدمة إجباري في لتجديد رخصة مزاولة مهنة التدريس أو الحصول على ترقيات، كما يمنح المعلم إجازة دراسية بمرتب لمدة عام للالتحاق بالدورات، وإجازة أيام مدفوعة لحضور الاجتماعات المهنية، وتنظم المدارس للمعلمين 3 ورش عمل على الأقل في كل عام.
- والمعلم البريطاني يستفيد من خطط تبادل المدرسين مع الدول، فهي تسعى إلى تبادل مع المعلمين مع الولايات المتحدة أو دول المجموعة البريطانية التي تتحدث الإنكليزية بهدف تبادل خبرات المعلمين كجزء من تربيتهم وتدريبهم ونموهم المهني.
- ويتمتع المدرسون في فرنسا خلال حياتهم الوظيفية برصيد تفرغ اختياري مدته 36 أسبوعاً من أجل التدريب المستمر، ويوجد في كل منطقة في فرنسا مركز لتدريب المعلمين لعقد دورات تدريبية على مدار السنة.
- وفي اليابان لا يقل البرنامج التدريبي للمعلم عن عام دراسي قبل ممارسته للمهنة، ثم يتابع المعلم تدريبه أثناء الخدمة بحضور دروس معلمي المدرسة للاستفادة من جوانب الأداء الإيجابية، ويلزم المعلم في السنة الأولى للخدمة أن يتحصل على تدريب لمدة 20 يوماً على الأقل أثناء الخدمة. كما يتم التفريغ لمدة عامين دراسيين بمرتب كامل للحصول على الماجستير ثم يعود للخدمة في المدرسة.
- وفي استراليا يقوم على التدريب الذاتي للمعلمين أثناء الخدمة وذلك بعقد تجمع لمجموعات من المعلمين في ذات التخصص والاحتياج، ليجري تبادل المعلومات بينهم وذلك لحل مشكلة نقص الميزانية المخصصة للتدريب.
3. ويمكن الاستفادة من هذه التجارب في إعداد المعلم في المملكة:
أ- أن يتم إعداد المعلم من خلال:
* حصر إعداد المعلمين في الكليات والمعاهد المتخصصة (كليات التربية).
* بعد سنتين من الدراسة الجامعية يتم تحديد توجيه (الطالب المعلم) لأي مرحلة تدريسية سيعمل فيها حتى يبنى على ذلك خطة الدراسة والمهارات المستهدفة والمدة الدراسية، حيث أن المعلم في المرحلة الابتدائية غير المتوسطة غير الثانوية، فكل مرحلة محتاجة لمعلومات ومهارات وخبرات تتناسب معها وتساعد في تحقيق أهدافها.
* يجب ألا تقل السنوات الدراسية (للطالب المعلم) عن ست سنوات، منها سنوات الزمالة، أو خمس سنوات منها سنة دبلوم تخصصي في المرحلة بعد البكالوريوس.
ب- تدريب وتطوير المعلم قبل الخدمة وأثنائها:
* لا بد (للطالب المعلم) أن يحضر في السنة الأولى من توظيفه في التعليم 6 دورات تدريبية متخصصة في الأساليب والطرق التربوية والتعليمية كمتطلب في تقييمه الوظيفي.
* لا بد (للطالب المعلم) في سنته الأولى في التعليم أن يقوم بزيارات للمعلمين المتميزين وذلك من خلال توجيه المشرف التربوي المختص.
* أن يسند الإشراف على المعلمين داخل المدرسة للمعلم المتميز في نفس التخصص.
* يلزم الجهات المختصة أن تستفيد من الجامعات في عمل مسوح ودراسات ميدانية وتزويدها بالنتائج التي يستفاد منها في بناء البرامج التدريبية المتنوعة.
* وضع 10 أيام في السنة كرصيد تفرغ للمعلم لحضور دورات تدريبية متخصصة.
* اعتماد آلية في تبادل المعلمين المتميزين لمدة محددة بين المدارس.
* التعاون مع معاهد التدريب لعمل برامج متخصصة تقام بشكل دوري داخل المدارس.
كتبه / محمد بن خالد بن محمد الجوهري
دارس ماجســــتــــير إدارة وتخطيــــط تربـــــوي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية