×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الجهوة جغرافيا بلا تاريخ


أهمل الكثير من أبناء محافظة النماص -وخصوصًا المختصين بعلم التاريخ- تناول تاريخ ولاية الجهوة لسوء طرح الموضوع في الامسيات والندوات الفكريّة والإجتماعية والثقافية، وأماكن التجمعات بشكل عام، ناهيك عن أنه إذا وجد النقاش حول ولاية الجهوة التاريخية، فإن الذي يحصل يتمثل في حضور الجغرافيا وغياب التاريخ، لاسيما وأن معظم المتحدثين لا يعلمون شيئًا عن تاريخها، وأقصد بقولي هذا أنهم لا يعلمون شيئًا عن الوقت والإنسان في تاريخ الجهوة، وهذين المكونين هما المادة الخاصة بعلم التاريخ لا علم الجغرافيا.

ومن سوء حظ مثقفي محافظة النماص أنهم لا يملكون لجهوتهم نصوصاً في كتب التاريخ، ولا حقائق تاريخية أو آثاراً على أرض الواقع، وإذا وجدوا حقائق أو وثائق أو آثاراً بين يدي هذا المؤرخ أو ذاك وجدوها تاريخاً حربياً بعيداً كل البعد عن المظاهر الاجتماعية، ولا يعقل أن كل ما كان في ذاك الزمان يقتصر على فكرة النزاع والسيف، فمن المؤكد أن تاريخ الجهوة تاريخ يرتبط بالعلوم الإنسانية الأخرى، ويفيدنا في معرفة جوانب حياتية تاريخية مرتبطة بتاريخ المحافظة والمنطقة بصفة عامة، كالجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، ويفسر تاريخها الأحداث التي دارت منذ زمن تأسيسها البعيد وحتى اليوم.

هناك مقولة تقول: من لا تاريخ له لا حاضر له -هذه مقولة نؤمن بها أشد الإيمان- فالتاريخ للإنسان بمثابة الدافع الأول حتى يتقدم ويحرز شيئاً، والتاريخ البشري بشكل عام هو علم يعتمد على حقائق الماضي ويتتبع الأحداث، ويدرس ظروف السياق التاريخي ويفسره باستخدام منهج البحث التاريخي، الذي يعرف بأنه مجموعة الطرق والتقنيات التي يتبعها الباحث والمؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية، ويعيد بناء الأحداث كما كان عليه إنسانها وزمانها ومكانها تبعاً للمنهج التاريخي، وليس للأهواء، وهذا منهج يحتاج إلى ثقافةٍ واعية، وتتبعٍ دقيقٍ لحركة الزمن ودور الشخصيات التي تؤثر بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة على حقيقة النص التاريخي.

عن نفسي، حضرت إحدى الندوات التي تحدثت عن تاريخ الجهوة، وسألت المحاضر: أين تاريخ الجهوة؟ فأجابني: لا يوجد تاريخ للجهوة. فسألته ثانية: لماذا يتصارع المحاضرون عن الجهوة صراعاً جغرافياً حول موقع مسرح الأحداث بينما يحاضرون وهم لا يملكون أي رواية أو نص أو تاريخ زمني أو أثر يشير إلى الأحداث التي تجعل من هذه التضاريس الجغرافية التي نسميها الجهوة تاريخًا!؟ فأجابني: لا يوجد سوى أثر واحد موجود في متحف النماص وبعض النقوش التي كتبت في صدر الاسلام على صخور منقولة وثابتة لم يثبت لنا انتماءها لولاية الجهوة.

سألت جميع الحضور: عندما يخبرني أحدكم أن فلان من الناس سافر إلى مكة، ويخبرني آخر –منكم أيضًا- أن فلان موجود الآن في النماص وهذه صورته، فمن أصدِّق، هل أُصدق الخبر والنثر أم أصدق الأثر !؟ فأجابوا: بل تصدق الأثر. فقلت: نعم أصدق الأثر وهذه قاعدة علمية "الأثر مقدم على النثر والخبر" ويجب أن يكون التعامل مع تاريخ ولاية الجهوة من خلال الأدلة المشاهدة، والماثلة للعيان، والتي يخرجها للضوء علم الآثار بتنقياته وحفرياته، ويجب ارتباط المنهج التاريخي بمستويات النقد، وإعطاء الأهمية الأولية للسياق التاريخي في تأويل النصوص لأن هناك وثائق تاريخية لا تعبر عن حقيقة ما جرى من أحداث، لهذا وجب التركيز على النص التاريخي ونقده، فالحقائق والوثائق ليست في حد ذاتها تاريخًًا، وإنما هي شهادة تشهد على جزء من اللحظة التاريخية وقد تكون هذه الشهادة مزيفة.

أخيرًا؛ رغم العمل الجاد في إكتشاف تاريخ الجهوة إلا أن تاريخها لايزال مجهولاً عند الكثير من النماصيين، وأن الكثير ممن امتطوا صهوة الحديث عنها في المنابر والتجمعات اهتموا بالجغرافيا ولم يهتموا بالأنشطة الإنسانية لتلك الفترة التي يمكن استنباطها من الآثار، فهي الأساس المعرفي لصناع النهضة ومتخذي القرار في المحافظة والمنطقة على حدٍ سواء، لذلك نرجو العناية بتاريخها وآثارها لتكون لهم قاعدة صلبة ينطلقون منها حيثما شاؤوا، وهذه القاعدة لا تتعلق بالماضي، بل تتعلق بالحاضر والمستقبل، فكتب التاريخ تضع أمامنا مناظير عدة لفهم الوعي النهضوي القائم والذي سيقوم في المستقبل.

بقلم : عبدالله بن معدي الخشرمي
 0  0  1361