كرم بلا إسراف وإسراف بلا كرم
الكرم فضيلة بين رذيلتين البخل والتبذير, ويطلق على الكرم السخاء, وفي الإسلام ينص القرآن على إن ما نعطيه كرما بغرض إرضاء الله فإنه سوف يبدله لنا خيرا منه فالله يعرف ما يدور في قلب البشر قال تعالى : (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) والكرم هو النبل وعلو الهمة والجود والسخاء والتواضع وبذل المعروف وعلو المقصد, والله كريم يحب الكرم , قال الرسول عليه الصلاة والسلام : (إن الله كريم يحب الكرم , جواد يحب الجود , ويحب معالي الأخلاق , ويكره سفسافها ).
وإكرام الضيف هو من أجلّ صفات الكرم وهو خلق كريم , قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وهو إرث كريم توارثته الأجيال الذي امتد لقرون خلت وكان سيدنا إبراهيم عليه السلام سيد الكرماء وأفضل الفضلاء , فقد قدم لضيوفه وهو لايعرفهم عجلا حنيذا سمينا , ولهذا فالكريم حبيب الله ولكن هناك بعض الكرم الذي يدخل في دائرة الإسراف والتبذير وهذا منهي عنه بنص القرآن والسنة , قال تعالى : (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) وقال تعالى : (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفور) والقاعدة الإيمانية تقول : الاعتدال هو أساس العمل الإنساني وهو يعنى الاعتدال في البذل والعطاء والمثل العلمي يقول الزائد اخو النّاقص , والزائد عن حدّه ينقلب ضدّه.
قال الشافعي أعز الأشياء ثلاثة : الجود من قلة والورع في خلوه وكلمه الحق عند من يرى ويخاف، وقال :
تستر بالسخاء فكل عيب=يغطيه كما قيل السخاء
وقال :
ولا ترجو السماحة من بخيل=فما في النار للظمآن ماء
وقال آخر :
تغط بأثواب السخاء فإنني= أرى كل عيب والسخاء غطاؤه
أيها السادة والسيدات ما يقدم في هذه الأيام في مناسبة الأعراس والمناسبات الخاصة من موائد وأطعمة تجاوز حدود الكرم بل تجاوز حدود العقل والمنطق الى التبذير والإسراف والمفاخرة والمباهاة وهذا يعد إيذانا بزوال النعم,واضرب لكم مثلا وقع فيه أحد الموسرين عندما أقسم بالطلاق على أحد اصدقائه أن يضيّفه وجماعته في منزله وطلب منه أن يحدد له العدد المرافق , فقال ستون مرافقا فرحب به وبمرافقيه وذبح ستين خروفا فأين الكرم من هذا التصرف اللامسؤول, فيا أيها الكرماء الفضلاء اتقوا الله وإياكم والتبذير فإن النعم لا تدوم وكونوا قدوة صالحة لمجتمعكم فأنتم القدوة وعليكم بالاعتدال قال تعالى : (ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط وابتغ بين ذلك سبيلا) .
ونحن نعيش مرحلة تحول مباركة وهي تتطلب منا النظر بعين الحكمة والبصيرة ومتابعة الأحداث من حولنا وما يدور على الساحة الدولية والإقليمية والمحلية من تقلبات اقتصادية وسياسية يتطلب منا جميعا المحافظة على هذه الخيرات التي بين أيدينا والاقتصاد في المصروفات وخصوصا الإسراف في الولائم التي ينتهي بها الأمر إلى مرمى النفايات في حين أن هناك أناسا من حولنا يتضورون جوعا ولا يجدون ما يسد رمقهم فاتقوا الله واعلموا أن النعم لا تدوم إلا بالمحافظة عليها وعدم إهدارها على الطرقات وفي مكب المخلّفات , قال تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ).
قبل الختام قال الله تعالى : (واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) صدق الله العظيم.
صال حمدان