×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

زمن الخربشة و الطلاسم

عندما كُنت أدرس في الصف الخامس الإبتدائي و بعد بدء السنة الدراسية بفترة وجيزة غادر مُدرس المُطالعة ( لغتي الخالدة حالياً ) هذه اللغة التي توشك أن تتكالب عليها اللغات و تُهملها الجماعات و تندثر مع وجود التقنيات و الروبوتات .... أقولُ ، غادر ذلك المُعلّم لأسبابٍ لا نعرفها فأنتظرنا حتى جاء آخر بديلاً له ، و في أولِ حصةٍ لهذا البديل معنا أخذ يطّلع على دفاترنا و يسألنا في قواعد اللغة فوجد العجب العُجاب ، فالكتابة لا تُقرأ و الإملاء لا يسر و القواعد لا شيء ( صفر بمقاييسه ) ، هُنا صُدِم المُعلّم و إحمرت عيناه و أخذ يرعد و يزبد و يتوعد و قال لنا : يجب من الآن فصاعداً أن تكتبوا كل درس نأخذه من دروس المطالعة عشر مرات ، و مع أننا كُنّا نكتب الدرس مرة أو مرتين مع المُعلّم السابق ، إلاٌَ أن هذه المُهمة الإضافية صدمتنا فالوضع المادي لا يُساعد على شراء دفاتر جديدة و الوقت أيضاً لا يكفي كوننا نقوم بمساعدة الأسرة بشؤون الحياة ، و لكن أمام إصرار المُعلّم و تعنته و الخوف من العقاب الذي كان ينتظرنا رضخنا لكل ما يطلبه منّا ، حتى أننا كُنّا نقرأ الدرس الجديد ثُمَّ يطلب منّا إعرابه جُملةً جُملةً حتى ينتهي ، فأصبح جُلَّ جُهدنا مُنّصبّاً على الكتابة و الإملاء و القواعد و بات همُّنا هو ذلك المُعلّم الذي تتكلم عصاه قبل لسانه ، و إستمرينا على تلك الحالة من الإبتلاء و المعاناة حتى نهاية العام ، و لكن ما إن إنتهت السنة الدراسية ( سنة الإبتلاء ) إلاَّ و قد تغيّر أداؤنا في اللغة و قواعدها إلى درجةٍ لم نكن نتخيلها ، حيثُ كانت سنة التحول الجذري في ( الكتابة ، الإملاء و القواعد ) و ذلك بفضل الله ثُمَّ بفضل ذلك الاستاذ القدير الذي كان يُركز على التأسيس السليم و على الكيف قبل الكم ، و مع العلم أننا لم نُنهي المنهج المقرر في تلك السنة إلاَّ أن تحصيلنا مما درسناه كان أهم و أجدى ... جزى الله ذلك المعلم خير الجزاء .
تذكرت ذلك المُعلّم و ما فعله معنا و أنا أطّلعُ على واجبات إبني المدرسية و أوراقه فلا أستطيع قراءة ما يخطه و يكتبه ، فالكتابة أشبه إلى حدٍ ما بالخربشة و أعمال الشعوذة و الطلاسم ، و قلتُّ في نفسي كيف يستطيع المُعلّم تصحيح واجباته و إختباراته و لكن لم أستغرب من هذا المستوى المتدني في مهارة الكتابة و سلامة الإملاء لدى الكثير من الطلاب ، فلم أذكر أن إبني و منذُ إلتحق بالمدرسة قد كُلِّفَ بكتابةِ أي نصٍ لغوي كواجب مدرسي لتحسين الخط و الإملاء لديه ، و أخشى من أن التساهل في التدرب على الكتابة و الإستخدام المتنامي للتقنية سيؤثر بالتأكيد على الأجيال القادمة فلا يستطيعون حتى الكتابة بالقلم على الورق .

وفقني الله و إياكم لما فيه الخير و السداد

مبروك المسفر
 0  0  696